رأي

علي أحمد يكتب: قراءة في خطاب قائد ثاني قوات الدعم السريع .. (شال البلا وزقلو)

علي أحمد
علي أحمد

إذا أردت أن تُحلل أي نص أو خطاب، فإنّ عليك أن تتعامل معه وفق أدوات التحليل المتعارف عليها؛ وهذه ليست من ضمنها (نوايا) مُنتج النص أو الخطاب، أي (الجهة الصادر عنها)؛ وبالتالي فإنّ التصدّي لمثل هذه المهمة يحتاج عقلاً ناقداً ومُحايداً، وليس خانعاً قدريّاً ومؤدلجاً.
منذ أن أشعل فلول النظام البائد حرب 15 أبريل، ظللت أرصد وأُراقب عن كثب خطاب الحرب والسياسية لدى الطرفين المتقاتلين على الأرض ومؤيديهم، ولاحظت، وفي الحقيقة تفاجأت بتفوق الدعم السريع وتقدمه في اجتراح خطاب سياسي وإعلامي وطني وسياسي محترم ومُسؤول، يدعو إلى الوحدة الوطنية والديمقراطية والدولة المدنية، ولا يخوِّن مناوئيه ولا يصفهم بالعملاء، وإن كان يقارعهم ويتوعدهم بما يتماشى مع روح الثورة الشعبية وأهدافها وتوجه الشعب ورغبته في التحول المدني الديمقراطي؛ وهو توجه ضد رغبة الفلول في العودة إلى الحكم والاستمرار في مشروعهم السلطوي الاستبدادي والعنصري.
أنا هنا، أحاول تفكيك الخطاب على مستواه النظري؛ ولست معنياً بالنوايا والضمائر كا أسلفت، وفي هذا الإطار وجدت أن (الدعم السريع) تمكّن من انتاج خطاب جدير بالتأمل والاحترام على حدٍ سواء، خصوصاً قادته الكبار، وعلى رأسهم (حميدتي)، لكن ما أنا إزاؤه في هذا المقال، هو محاولة لقراءة وتشريح خطاب قائد ثاني الدعم السريع، الفريق عبد الرحيم دقلو، الذي وجهه أمس 14 نوفمبر، إلى الشعب السوداني، معلقاً ومحللاً ومستعرضاً الأحداث الراهنة، وعارضاً وجهة نظر (الدعم السريع) حيالها.

أكّد، دقلو، على إيمان الدعم السريع بوحدة السودان وأرضية وشعبه، وأن المساس بهذه المسلمات خط أحمر لن يسمحوا لكائن من كان بذلك، مشيراً إلى أن الفلول (الكيزان) روجوا عبر بروباغاندا الحرب التي يديرونها باسم الجيش، أن سيطرة (الدعم) على إقليم دارفور، هي تمهيداً لفصله عن السودان، وأن هذا لن يحدث وغير مسموح به من قبلهم.
هذاـ، موقف معلن على الملأ، بواسطة الرجل الثاني في (الدعم)؛ وهو موقف جيد، ينبغي تشجيعه عليه، لا مقابلته بالسخرية والعبث، ووضع العراقيل والفخاخ (الكلامية) والهلامية للتقليل من شأنه، لأن مثل هذا الإعلان لا يمكن للدعم السريع التنصل منه لاحقاً، خصوصاً وأنه جاء قبل الانخراط في أي مفاوضات سياسية مقبلة، وليس بعدها، وبالتالي سيتم البناء عليه في رسم الخارطة السياسية المستقبلية.
أمر آخر، لا يقل أهمية عن سالف الإشارة، وهو تشديد (دقلو) على أن مسؤولية حماية أمن المواطنين وتأمينهم – طبعاً يقصد في المناطق التي يسيطرون عليها- تقع على عاتقهم، كما تعهد بمحاسبة أي فرد يهدد أمن المواطنين وسلامتهم ومملتكاتهم.
بهذا التصريح وضع قائد ثاني الدعم السريع نفسه وقواته أمام مسؤولية عظيمة، عجز الجيش عن تحملها، عندما تقاعس عن واجبه يف حماية مواطنيه، بل طالبهم بحماية أنفسهم واستنفرهم لحمل السلاح والدفاع عن أنفسهم، وكأن ذلك ليس واجبه الذي ظل (ينهب) من أجله 80% من ميزانية الدولة ومقدراتها ويحتكر السلطة ويقمع الشعب، لأنه فقط، يوفر له الحماية، لكن ما إن اندلعت الحرب، حتى طلب من الشعب العكس، فيا للخزلان والعار!
لفتتني جزئية مهمة، في هذه الفقرة، ألا وهي المتعلقة بمحاسبة كل من يهدد أمن وسلامة وممتلكات المواطنين، إذ كنت آمل أن يصدر مثل هذا التصريح من قبل الجيش، لكن هيهات، فمن يهددون أمن وسلامة المواطن، هم من (سرقوا) الجيش نفسه، وهاهم يحاربون باسمه، إنهم الإخوان المسلمين، عليهم اللعنة (آمين).
لم يكتف عبد الرحيم دقلو، بذلك، فقد طمأن أهل دارفور وعبرها السودان قاطبة، بأن قواته ستقف على مسافة واحدة بين جميع المكونات القبلية والاجتماعية في دارفور وكل السودان، ودعاهم إلى نبذ خطاب العنصرية والكراهية .
وهنا تحديداً، وضع الملح على الجرح، وأشار بسبابته مباشرة إلى الفلول الإسلاموية، المنتج الأول لخطاب الكراهية والعنصرية في البلاد، وهذا لعمري تقدم كبير في خطاب الدعم السريع، يستحق الثناء والدعم، لأنه إذا ما قامت هذه القوات بخطوات عملية لنبذ الكراهية والعنصرية، على الأقل في المناطق التي تسيطر عليها، وتعاملت دون هواده مع مجترحيه، فإنها ستكون سنت سنة لها أجرها وأجر من اتبعها إلى يوم القيامة، بل ستكون أطاحت بأحد أهم أركان الخطاب الاستقطابي الذي يتنباه الكيزان، وركنه الثاني هو استدرار العاطفة الدينية (التجارة بالدين)، فإذا ما تمكنا من هدم هذين الركنين (القبلية والتجارة بالدين)، نكون قد هدمنا المعبد على رؤوس الإخوان (الكيزان)، عليهم اللعنة مجدداً.
اعجبتني شجاعة وثقة قوات الدعم السريع، فيما يتعلق برغبتها واستعدادها على التعاون مع أي لجان تحقيق في انتهاكات الحرب، وقد ظلت تؤكد هذا دائماً، وها هو قائدها الثاني، يؤكد مرة أخرى في خطاب الأمس، على ذلك، بل ويعلن عن أنهم سيقدمون من يثبت تورطه في الانتهاكات من منسوبيهم للمحاكمة، مهما علا شأنه، فهل تستطيع قيادة الجيش وقادة الفلول الإقرار بذلك والتأكيد عليه ، وهي التي هربت عتاة المجرمين من السجون ومنهم مجرم الحرب (أحمد هارون) المطلوب للعدالة الدولية؟!
ودعا قائد ثاني الدعم السريع، النازحين واللاجئين إلى العودة إلى ديارهم ووطنهم متعهداً بحمايتهم، هذا أمر ممتاز ومطلوب، لكنه يحتاج خلق أرضية مناسبة لهذه العودة، وآمل أن تشرع قوات الدعم السريع فوراً ودون إبطاء في تهيئة المناخ الملائم بتوفير الخدمات المناسبة والأمن والحماية وسبل كسب العيش لهؤلاء، حتى تقدم نموذجاً فريداً في التعامل مع قضايا الحرب ومترتباتها.
وأخيراً، ذكر دقلو أن هذه الحرب رغم مرارتها ستكون آخر الحروب في بلادنا، ونحن بدورنا نتمنى ذلك، وإن كان هذا لن يحدث إلاّ باخراج (الكيزان) من أي عملية سياسية تمامًا، وتقديم من أجرموا منهم للمحاكمة، وانسحاب (العسكريين) من الفضاء السياسي وتأسيس جيش قومي مهني جديد، وتكوين دولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة والعدالة والقانون والمساواة، وهذا ما ظلت الدعم تدعو إليه، منذ وقت قبل أندلاع الحرب، حيث اعتذر قائدها – ويا للشجاعة – عن انقلاب البرهان 25 أكتوبر، 2021، وقدم نقداً ذاتياً نادراً واستثنائياً، لم يقدمه أي سياسي أو عسكري في تاريخ السودان السياسي، وهذا ما يجعل أملنا كبير في أن تتحول النقاط التي ذكرها الفريق عبد الرحيم دقلو في خطاب الأمس إلى واقعاً ملموسًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ