رأي

أحمد تقد يكتب: جدل الشرعية وجدوى تشكيل حكومة

تأتي هذه المقالة في سياق تحليل موقف القوى السياسية الداعية إلى وقف الحرب من مسألة الشرعية وإمكانية تشكيل حكومة مدنية فى ظل الأوضاع الحالية التى تمر بها البلاد. 

انتهت الشرعية الدستورية والسياسة للحكم في السودان بانقلاب 25 أكتوبر، وبإشعال حرب أبريل اكتمل الانهيار الدستورى الكامل، ولم تعد هنالك حكومة شرعية في السودان، هذا موقف القوى السياسية الداعية لوقف الحرب واستعادة مسار الانتقال الديمقراطي، اكتفت القوى السياسية بإعلان هذا الموقف ولم تتخذ أية خطوة عملية لتأكيد عدم شرعية سلطة الأمر الواقع. وبالمقابل استمرت مجموعة بورتسودان تمارس السلطة السيادية في جزء من البلاد، وتتعامل معها بعض من الأطراف الإقليمية والدولية، تتمدد يوما بعد يوم لكسب المزيد من المساحات في محاولة لفرض واقع سياسي لا يمكن تجاوزه.

تنتهج سلطة الأمر الواقع الوسائل العسكرية والأمنية كوسيلة لحل الصراع المدمر في البلاد، وترفض أية مساع سلمية، ولكن وفق المعطيات الميدانية ليس هنالك أية مؤشرات تدل على أنها تستطيع حسم الصراع، وإذا انتصرت ستفرض واقعا جديدا وإرادة منتصر تنسف معها أحلام السودانيين في العودة للحكم المدني الديمقراطي ولشعارات ثورة ديسمبر، بل تكرس لدكتاتورية عسكرية قابضة مدعومة بعناصر النظام المباد والمأجورين من حركات الارتزاق. 

تناور سلطة الأمر الواقع من حين إلى آخر بتشكيل حكومة مدنية محدودة المهام لإدارة شؤون البلاد في ظل الحرب، في حقيقة الأمر، هذه إستراتيجية ومناورة لكسب المزيد من الوقت والاستمرار في ممارسة السلطة  لأطول فترة ممكنة. هذا الوضع يوفر فرصة الكسب المادي وممارسة السلطة في ظل الظروف الاستثنائية، وللمحافظة على هذا الوضع، تشكلت لدى هذه السلطة قناعة راسخة ولديها استعداد لمقاومة الضغوط الدولية ومواجهة أي جهد مخلص لحل الصراع ونسف أية مبادرة جادة لوقف الحرب. 

إذا أقدمت سلطة الأمر الواقع في بورتسودان على تعيين رئيس وزراء وتشكيل حكومة، سيقابله إجراء مماثل من قوات الدعم السريع بتشكيل حكومة تمارس مهامها في الأراضي التي تقع تحت سيطرتها، وستجد من المنظومة الإقليمية والدولية من يعترف بها، وعندئذ تستطيع الدعم السريع الدخول في التزامات دولية توفر لها تأمين السيادة الجوية للأراضي التي تقع تحت سيطرتها وتفرض واقعا سياسيا وأمنيا تخلط أوراق الحل السلمي وتخلق معطيات جديدة  يصعب تجاوزها. 

الاستمرار في ممارسة السلطة بصورتها الحالية والإصرار على الحلول العسكرية لحسم المعركة دونما اكتراث لعامل الزمن والتكلفة المادية والبشرية، وفي ظل عجز القوى المدنية من إلتقاط زمام المبادرة ومنازعة شرعية سلطة الأمر الواقع فى بورتسودان، ربما يدفع الدعم السريع لتشكيل حكومة موازية لسلطة الأمر الواقع فى بورتسودان، ويدخل السودانيون في مرحلة جديدة، مرحلة النزاع حول الشرعية، ومن يمثل من، و تصبح مسألة الشرعية متنازع عليها في الأروقة الإقليمية والدولية، ونلجأ للاحتكام للمواعين الدولية ذات الإجراءات البيروقراطية العقيمة، ويستمر نزيف الدم السودانى، ويستمر الذين أشعلوا هذه الحرب وأصحاب النظرية الفيتنامية في استنزاف ما تبقى من أرواح و موارد البلاد. 

محاولات الآلية الأفريقية الرفيعة الرامية لحل الصراع المسلح عبر عملية سياسية ما زالت تراوح مكانها، ولم يكتب لها النجاح إلا بمشاركة الطرفين المتحاربين، مع حالة الممانعة التي نشاهدها من طرف الجيش لا يمكنه الجلوس مع الدعم السريع للوصول لإتفاق وقف إطلاق نار شامل من خلال عملية الحوار السياسي.

يشوب مواقف القوى السياسية الرافضة للحرب والداعية للحل السلمي نوعا من الضبابية وعدم الوضوح، السكوت على هذا الوضع يفهم ضمنا القبول على ما هو عليه من حال، وهو سلطة الأمر الواقع، مجرد الاكتفاء بعدم شرعية السلطة لن يكفي، المطلوب هو اتخاذ خطوات عملية لاكتساب الشرعية، و ذلك بتشكيل حكومة تستمد شرعيتها من الوضع الدستورى القائم قبل الانقلاب، مسنود بقرار الاتحاد الأفريقى الرافض للانقلاب والداعم للعودة للوضع الدستوري القديم. و هذا يقتضي من الناحية الاجرائية، أن تقوم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) والقوى المتحالفة معها باتخاذ خطوات عملية بمخاطبة الجمعية العامة للأمم المتحدة، واللجنة الخاصة بالاعتماد ومنح الاعتراف، والمنظمات المالية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الأفريقي  بعدم التعامل مع سلطة الأمر الواقع فى بورتسودان لعدم شرعيتها، وإبعاد ممثليها في هذه المنظمات، والبدء في إجراء مشاورات واسعة مع القوى المدنية الرافضة للحرب، وقوى الثورة من الشباب والنساء ولجان المقاومة والشخصيات الوطنية الفاعلة لتشكيل الحكومة. 

إذا فشلت  القوى المدنية في القيام بهذه الإجراءات، سيفتح الباب واسعا  للدعم السريع لإجراء مشاورات مع القوى السياسية والمدنية والمهنيين والنقابات والمجتمع الرافض للحرب لتشكيل حكومة مدنية ذات قاعدة عريضة. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى