رأي

“أماني الطويل” وأمنياتها القصيرة: (الدعم السريع) تعبيرٌ عن الإرادة الوطنية الحرة بعيداً عن تبعية (الأشقاء) وعمالة العملاء!

علي أحمد

لا يوجد من هم أسوأ من خبراء البرهان “الإستراتيجيين” سوى الخبراء المصريين)، الذين/ اللواتي( يتم تقديمهم/ن بصفة المتخصصين في الشأن السوداني. فنرى ونسمع بعدها فنون التخصص في التوهمات والشطح والخيال غير الخلَّاق، مع الكذب طبعاً. والكذب هنا كـ”المخلل” على المائدة، لا تكتمل الوجبة بدونه!

ومن هؤلاء “أماني الطويل”، مديرة البرنامج الأفريقي في مركز الأهرام للدراسات، وهو مركز معلوم التبعية والتمويل، وأصبحت السيدة أماني تُطلق لخيالها العنان – ويمكن ان تٌقرأ تكذب- كلما تحدثت أو كتبت في الشأن السوداني. بل صار تحليلها – دون واعز أكاديمي – تعبير عن المصالح المصرية في السودان بحسب وجهة نظر النظام الحاكم، وصارت توجه وتوبخ وتأمر القوى السياسية الوطنية السودانية، وتحولت من خبيرة استراتيجية إلى شرطية مرور تسمح بمرور هذا وتمنع ذاك من المرور!

لأماني الطويل، ذات النظر القصير، مقالٌ مطول منشور على موقع (مصر 360)، وهو موقع حكومي مصري يتبع لجهاز المخابرات، مثله مثل كل المواقع والقنوات التلفزيونية والصحف المصرية، بل كل وسائل الأعلام المقروءة والمسموعة والمرئية في مصر. ورغم أن عنوان المقال هو: (في السودان: ماذا تريد واشنطن من الدعم السريع؟)، إلا أنه لم يشر إلى الدعم السريع إلا خطفاً في فقرتين منه، وهذا يدل على فقدان الكاتبة للتركيز!

وتحاول الطويل فيه شيطنة قوات الدعم السريع؛ فمرة تظهرها وكأنها حليفة لروسيا وأخرى تؤكد أنها صنيعة واشنطون، وثالثة تضرب بخيالها بعيداً وتنسب إلى صحيفة “واشنطون بوست” عن تحالف – لم أجده بالصحيفة الأمريكية- بين حميدتي ومجموعة فاغنر الروسية، وإنشاء كونفدرالية تضم البلدان المعادية للولايات المتحدة الأمريكية! ولا أعلم هل يوجد أي شخص آخر بخلاف السيدة أماني الطويل قد قرأ عن اشتراك “الدعم السريع” في تحالف أفريقي معادي لأمريكا ؟؟! هل يوجد؟ شخصياً بحثت ولم أجد هذه الفقرة تحديداً!

ولا شك أن السيدة الطويل تحاول الإيعاز بأن الدعم السريع هو صنيعة الكرملين وفاغنر مباشرة، وهذا أمر مثير للسخرية – وكونه يصدر عن أكاديمية (بطول) أماني، فإن الأمر يصبح مثيراً للشكوك في قدراتها الذهنية والأكاديمية والبحثية! إذ ليس هناك تحالف بين قوات الدعم السريع ومجموعة فاغنر، بل كانت هناك علاقة بين فاغنر والجيش السوداني. ونشأت هذه العلاقة منذ عهد الرئيس المخلوع، وقوات الدعم السريع في هذا السياق ليست مستثناة من هذه العلاقة لكونها جزء من القوات المسلحة، تم تأسيسها وفق قانون معروف لدى الجميع عدا (الطويل) ومن تعمل لصالحهم!

وتواصل الطويل في مقالها آنف الذكر عن ما سمته المنهج الأمريكي متعدد الأوجه للتعامل مع طرفي الصراع في السودان، الذي وصفته “بأنه كان له دور في إطالة أمد الصراع في السودان”. فهل يا تُرى هذا تحليل رصين يصدر عن أكاديمية وباحثة مرموقة بخبرة قد تتجاوز نصف قرن في الشؤون الأفريقية والسودانية على وجه الخصوص؟

وماذا قالت أيضاً؟

قالت إن واشنطون التي تمنح شرعيات متساوية للجيش والدعم السريع، تلوّح بطرف خفي بإمكانية محاكمة رموز الدعم السريع دولياً؛ بشأن الانتهاكات التي تم ممارستها على الأرض ضد السكان المدنيين!
إن صانع الانتهاكات والحرق والقتل على الهوية والاغتصابات – إن لم تكوني تعلمين يا أماني- هو صانع الدعم السريع نفسه، الذي تؤيده الحكومة المصرية، والتي أوعزت لقيادة الجيش عبر رموز جماعة الإخوان المسلمين (الكيزان)، الذين يعملون معها لإسقاط المشروع الديمقراطي في السودان. وإلاّ فقولي لنا، ما الذي يجعل الحكومة المصرية تحشد رموز حزب المؤتمر الوطني في عاصمتها؟ وما سبب وجود آخر مدير لجهاز الأمن والمخابرات وأحد كبار الإرهابيين والمتطرفين والقتلة والمغتصبين من وجهة نظر الشعب السوداني تحت حماية حكومة السيسي؟ ولمَ تحتفظ مصر بصلاح عبد الله قوش؟

قولي لنا، لماذا تحتفظ مصر بآخر رئيس لوزراء حكومة البشير، الكوز الفاسد محمد طاهر إيلا؟ ولماذا سمحت له بمغادرتها إلى بورتسودان لمساندة الكوز الآخر (تِرك)، الذي أشعل الشرق من أجل تنفيذ البرهان لانقلاب 25 أكتوبر 2021، حينها هبط (إيلا) مطار بورتسودان بطائرة مصرية خاصة تتبع للمخابرات لمساندة وإنجاح انقلاب البرهان.

لكن السؤال الأهم، ماذا كان يعمل الطيارون المصريون الحربيون في قاعدة مروي الجوية؟ ولماذا ذهبت إليهم قوات الدعم السريع وحيدتهم عن معركة الخرطوم؟ وهل شارك الطيران المصري في قصف الخرطوم وخصوصاً ضرب المناطق المدنية في الأسبوع من الحرب؟؟

ببساطة يا طويل، فإن مصر الرسمية لا تريد الإخوان على أرضها، لكنها تريدهم على أرض السودان، وتعرفي ونعرف لماذا؟ لأنها – أي السلطة القائمة في مصر- كأي سلطة خديوية تعيش على أوهام استعمارية بالية، لا ترى في السودان سوى أنه جغرافية وموارد، لا وطن ولا شعب. لذلك فهي الداعم الأول في المنطقة لحزب المؤتمر الوطني، وتسعى إلى إعادته الى السلطة، لإقعاد السودان وسرقة موارده، والسمسمرة فيه وعليه. فالشيطان يصبح ولي حميم للحكومة المصرية عندما تسمع بالدولة المدنية الديمقراطية .

كانت مصر تظن أن بإمكان علي كرتي رئيس الحركة الإسلامية وعميلها في السودان، وكذلك عميلها الأكثر ضعفاً قائد الجيش عبد الفتّاح البرهان، القضاء على قوات الدعم السريع بعملية عسكرية خاطفة، ومن ثم اعتقال قادة الحرية والتغيير وإعلان حالة الطوارئ – نتيجة لوجود تمرد عسكري – مدعوم منها، وتورطها في انقلاب عسكري، وما إلى ذلك من مضحكات الفبركات الفطيرة، ففلت الأمر من بين يديها والآن تهدد الحرب مصر نفسها، فلتستعد لما صنعت يداها، وهي قادمة لا محالة بواسطة مليشيات “العرجاني” السيساوية، والمكر السيئ يحيق بأهله.

إن الدعم السريع لم تعادِ مصر يوماً، ولا هي صنيعة أجنبية؛ إنها قوات مساندة للجيش وجزء منه، حاربت بجانبه وفي غالب الأحيان نيابة عنه، وأعادت الأمن إلى دارفور، ورفضت ضرب المعتصمين بفتوى من الشيخ الكوز عبد الحي يوسف. لكن أوهام المصريين لا حدود لها.

ما يغيط مصر الرسمية وأماني الطويل، على وجه الخصوص، هو الحديثُ عن الديمقراطية، فما إن تأتي سيرتها في السودان حتى تصاب المحروسة، بؤرة الفساد والاستبداد، بالجنون.

ومصر في حقيقة الأمر ليست ضد الدعم السريع، بل هي ضد أي تيار أو كيان أو شخصية سودانية لها استقلالية وطنية بعيدة عن التبعية المصرية. فمصر لا تقبل إلا ان يكون السوداني: أما (عثمان) البواب الذي في الدراما المصرية، أو (أردول) الخادم الدنيء الذي على أرض الواقع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى