رأي

الطيب علي حسن يكتب.. خيارات صفرية: قراءة في رفض الحركات المسلحة لمخرجات مؤتمر القاهرة

وسط هذا الجدل الذي يدور حاليا في الفضاء العام السوداني حول نجاح أو فشل مؤتمر القاهرة الذي أختتم جلساته بالأمس، والذي جمع عددًا كبيرا من القوى السياسية السودانية التي تتباين مواقفها من الحرب؛ وذلك بغرض التشاور والتفاكر حول ضرورة وقف الحرب. وهذا ما يتضح من شعار المؤتمر  نفسه “لا للحرب”. وجدير بالذكر هنا، أن المؤتمر جمع، بعد فترة طويلة من القطيعة السياسية، تشكيلات وقوى سياسية متباينة ومتناقضة المواقف من حرب 15 أبريل، وحتى من انقلاب 25 أكتوبر الذي سبقها وكان بذرة لها؛ حيث شاهدنا قيادات الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية الداعمة للحرب والحليف السياسي والعسكري للجيش في حربه والحرية والتغيير المجلس المركزي الرافضة للحرب والتي انقلب عليها التحالف الأول؛ وهم يجتمعون ويجلسون في قاعة واحدة بعد عدة أعوام من القطيعة السياسية. وما يجب تقريره هنا، أن هذا التباين والتناقض العميق في المواقف من الحرب بين القوى السياسية السودانية المجتمعة بمؤتمر القاهرة؛ كان جليا وواضحا طوال جلسات المؤتمر، إلا أنه اتضح بشكل أوضح عند نهاية المؤتمر، وذلك بعدما رفض كل من مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم ومالك عقار مخرجات البيان الختامي والذي قرر توحيد الجهود والعمل المشترك من أجل وقف الحرب وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية وهو الأمر الذي يطرح تساؤلا مهما سنحاول الإجابة عنه هنا، ألا وهو ما هي المتغيرات الجديدة التي يطرحها مؤتمر القاهرة؟

إن الناظر إلى مؤتمر القاهرة من زاوية أنه ناجح أو فاشل يغفل عن آثاره وعن قراءة هذا الحدث قراءة عقلانية أو مقبولة؛ خاصة أن من يشاركون في هذا الجدل هم أولئك الذين يقيسون النجاح والفشل استناد إلى أغراضهم هم، لا إلى الأغراض التي قام من أجلها المؤتمر، والذي يمكن أن يقاس فشله ونجاحه عبر معرفة تحقق الأهداف من عدمه. وتجنبا للدخول في هذه التقيمات والمماحكات أقدم الفرضية الآتية والتي سأدلل عليها في بقية المقال، وهي أن أهم المتغيرات التي يطرحها مؤتمر القاهرة هو أن تباينات جديدة في المواقف من الحرب بدأت تنذر ببوادر انقسام في الكتلة الديمقراطية المتحالفة عسكريا وسياسيا مع الجيش. وهذا الانقسام يتمظهر في أن جزئا كبيرا من أحزاب وحركات هذا التحالف وقعت على البيان الختامي الذي يدعو وينادي بضرورة وقف الحرب. ونذكر هنا على سبيل المثال كل من الناظر ترك ومبارك الفاضل ومبارك أردول وأخرين، هذا في حين رفضت كل من الحركة الشعبية شمال قيادة عقار وحركة العدل المساواة بقيادة جبريل وحركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي مخرجات المؤتمر وتمسكت بموقفها الداعم للحرب وعدم التفاوض. ومن هنا فإنه يمكن أن نقول أن الكتلة الديمقراطية انقسمت عمليا، ذلك أن توقيع جزء كبير منها على مخرجات مؤتمر القاهرة يعني أن هنالك تناقضا عميقا قد حدث في المواقف بين التشكيلات السياسية والعسكرية المكونة للتحالف وهو عميق لأنه خلاف حول أهم قضية مؤسسة لهذا التحالف منذ نشوب الحرب، ألا وهي قضية دعم الحرب، فمن المعلوم أن أحد كبرى القضايا المؤسسة لهذا التحالف هي دعم الجيش وحربه. ولعل هذا يثير تساؤلا مهما حول لماذا رفضت هذه الأربع تشكيلات عسكرية مخرجات القاهرة التي تقرر تكثيف الجهود لوقف الحرب في حين قبلته القوى السياسية المدنية المتحالفة معها؟

بالنظر إلى أن الموقف الرافض لمخرجات اجتماع القاهرة يتركز في أكبر حركات مسلحة متحالفة مع الجيش سياسيا وعسكريا وتقاتل معه حاليا، وهو ما يعني أن الرفض يتركز بشكل حصري في القوى المقاتلة ذات الطابع العسكري داخل تحالف الكتلة الديمقراطية؛ وبالنظر إلى أن بقية قوى الكتلة الديمقراطية خاصة الأحزاب والتشكيلات السياسية المدنية قد وقعت على البيان الختامي ومخرجاته: يمكننا القول إن أهم المتغيرات التي يطرحها مؤتمر القاهرة على الصعيد السياسي السوداني: هو أن الجيش  فقد دعم ما يمكن تسميته بالشق السياسي المدني من الكتلة الديمقراطية التي تشكل حليفه الرئيسي. كما أن ذلك يعني أيضا، توسع الجبهة المدنية المناهضة للحرب وتقلص حلفاء الجيش السياسيين الداعمين له في حربه، وانحصارهم في التشكيلات العسكرية المقاتلة. وهذا المتغير له ما بعده، خاصة وأن انقسام الكتلة الديمقراطية يوشك أن يتحول إلى قطيعة سياسية؛ ذلك أن التحول من دعم الجيش إلى المناداة بوقف الحرب يستوجب إعادة النظر في هذا التحالف وهو ما سيحدث.

إن السبب الرئيس لرفض الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش التوقيع على مخرجات مؤتمر القاهرة، يعود بشكل أساسي إلى الموقف المتأخر للقوات المسلحة وهذه الحركات المتحالفة معها ميدانيا: ذلك أن فقدان هذه الحركات للكثير من جنودها وعتادها لصالح الدعم السريع وهزائمها المتتالية في  كل الجبهات القتالية وتوسع قوات الدعم السريع وسيطرتها على ولايات جديدة؛ كلها تجعل وقف الحرب بمثابة خسارة كبرى لكل من مناوي وجبريل وعقار. وهذا التباين داخل الكتلة الديمقراطية ذو صلة بأن  مواقف وتعاطي هذه التشكيلات العسكرية  مع الحرب لا ينطلق من نفس المبررات والدواعي  التي تنطلق وتتأسس عليها مواقف التشكيلات السياسية المدنية داخل الكتلة الديمقراطية؛ ذلك أن كونهم تشكيلات عسكرية يجعل مواقفهم ترتبط بحسابات الضعف والقوى في المعارك العسكرية الحالية. وبعبارة أوضح فإن خسارة كل مناوي وعقار وجبريل للكثير من قواتهم تجعلهم في موقف ضعف، لا يستطيعون حتى أن يغيروا موقفهم الداعم للحرب إلى موقف مناهض لها كما فعلت التشكيلات المدنية داخل الكتلة الديمقراطية. ويمكن القول إن موقف “لا للحرب” الذي خرجت به القوى السياسية المدنية من مؤتمر القاهرة؛ سيجعلهم في تناقض مع الجيش بحجة الخيانة، وسيجل حربهم خاسرة. ومن هنا يمكن أن نقول إن موقف الحركات المسلحة الرافض للحرب سببه أن خياراتهم صفرية؛ فنتائج لا للحرب هي فض التحالف مع الجيش والتحول إلى أعداء وخونة، وهي أيضا تعني أنهم خسروا قواتهم من أجل لا شيء في حرب خاسرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى