رأي

د.قاسم الفكي علي يكتب: نظرة تحليلية لقرار استئناف الدراسة في الجامعات الحكومية

د. قاسم الفكي علي
بنظرة تحليلية لإعلان بعض الجامعات الحكومية استئنافها للدراسة وتحديد موعد ومراكز للامتحانات، أود المساهمة ببعض الاضاءات علها تساعد على تبيان معالم الطريق لتصويب القرار، وتتلخص إفادات الاضاءات في النقاط التالية:

1.هل مشكلة توقف الدراسة الجامعية في السودان نتيجة الظرف السائد حالياً هي مشكلة فرعية تسمح بمنح استثناءات لبعض الجامعات المركزية وجامعات بعض الولايات الآمنة نسبياً، ليترك لها خيار استئناف الدراسة وعقد الامتحانات متي وأين وكيف شاءت بصرف النظر عن الوضع الاستثنائي الذي تمر به البلاد؟.

2. أم أنّ المشكلة، مشكله قومية تتمحور حول تحدي قومي لاستمرارية مسيرة التعليم العالي في السودان بإجمالها وتفاصيلها، بأعتبار أنّ البلاد بها 38 جامعة حكومية، عشرة منها في ولاية الخرطوم؟ وكلها قد طالها الخراب بسبب الحرب وأصبحت الدراسة المباشرة أو غير المباشرة فيها ضرب من الاشواق والخيالات في خضم البيئة السيئة لولاية الخرطوم والظروف غير المواتية الخاصة بهذه الجامعات بالإضافة للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعانيها جل الاساتذة؟.

3. بما أن الجامعات الحكومية في الولايات الآمنة مقبول فيها عدد كبير من طلاب الولايات الأخرى المتأثرة بالحرب بجانب وجود عدد كبير من الدراسين بالجامعات الحكومية عامة أبناء العاملين بالخدمة العسكرية بسعتها والخدمة المدنية بقطاعيها العام والخاص بالإضافة للنازحين قسراً من ديارهم داخلياً في كل بقاع السودان الواسع وخارجياً في دول الجوار، فكيف يحق لمدراء الجامعات التي أعلنت استئناف الدراسة حرمان أبنائهم وبناتهم من مواصلة تعليمهم بسبب الظروف السائدة في البلاد، وفي ذات الحين يتمتع آخرون من دونهم، من أبناء الفئات المقتدرة مادياً وتعيش في ظروف عادية ومواتية الاستفادة من ميزة مواصلة دراستهم في خضم الظرف غير العادي السائد في البلاد حالياً ؟.

4.كيف يتم تطبيق اللوائح الأكاديمية على الطلاب المتغيبين عن مواصلة الدراسة وحضور الامتحانات في هذه الظروف القاهرة التي تمر بها البلاد وخارجه عن ارادتهم؟ وهل بالإمكان تعويضهم عن الزمن المفقود والفرصة التي فقدوها واستمتع بها بعض اقرانهم؟ أم أنّ موضوع اللوائح الأكاديمية هذه سيتم التساهل فيه للحد الذي يضر بسمعة الجامعات الحكومية وضبطها وانضباطها بصمام أمان التقيد باللوائح وتطبيقها بحزم وحسم دون إفراط أو تفريط؟ .

5.الحقيقة المؤلمة أنّ العاملين ببعض مؤسسات الخدمة المدنية غير الايرادية محرومون حالياً من كل مرتباتهم وفي ذات الوقت يستمتع نظرائهم في المؤسسات الايرادية بنسبة مقدرة شهرياً من مرتباتهم وذلك منذ بداية الحرب، وهذا التمييز غير الإيجابي في تقديرنا لا يستوي عقلاً ولا عدلاً، فأنى لهؤلاء المحرومين من المرتبات من العاملين انتهاز فرصة مواصلة أبنائهم تعليمهم الجامعي في ظرف العوز الذي يقاسونه بسبب توقف الدخل الشهري الذي يعتمدون عليه في معايشهم؟.

6.الواقع المأساوي والمعيشي لأساتذة الجامعات بقضيتهم الجوهرية العادلة والتي ستحول دون مجرد التفكير في إفتتاح أي جامعة حكومية وبأي كيفية وبضمانات لاستمرارية الدراسة فيها بسلاسة دون توقف وذلك فقط بتقديم الوعود الكلامية المجردة لهم، وبقاء حقيقة عدم صرفهم لمرتباتهم ولأربعة أشهر حالياً، مع الغياب التام لبصيص أمل صرفها في القريب العاجل أو الآجل، وذلك نتيجة الخلاف الدائر بين وزارة المالية ووزارة التعليم العالي ومدراء جامعاتها الحكومية والخاص بتمويل التعليم العالي والذي يأتي على هامش ما يسمي بالمنحة الشهرية والتي يقل مبلغها عن المبلغ المطلوب للأجور وبموجبها تخلت وزارة المالية عن واجب الوفاء بسداد حقوق الأجور الشهرية لأساتذة الجامعات بالحجة التقليدية التاريخية التكرارية والمعلومة بالضرورة للجميع والمتمثلة في عدم سداد الجامعات الحكومية لإيراداتها لوزارة المالية ،ولذلك أستمر الحال على هذا المنوال من الشد والجذب والإصرار على المواقف ما بين وزراء التعليم العالي ومديرو الجامعات الحكومية من جانب مع وزراء الماليه في الجانب الآخر وذلك منذ ما قبل الفترة الانتقالية المتمددة منذ العام 2019م وحتي تاريخه ، فكانت النتيجة عقاب الأساتذة بحرمانهم من دفع مرتباتهم كاملة من قبل وزارة المالية فاضحوا بذلك ضحايا خلافات في الكيفية التي تدار بها دواوين الحكومة فلا ناقة للأساتذة في ذلك ولا جمل، فالخلاف يدور رحاه بين مسؤولين رسميين في ذات الحكومة نتيجة الاستثناءات ومفارقات التمييز بين المؤسسات في سياساتها المتبعة في إدارة المالية العامة للدولة، ومعلوم أنّ وزراء التعليم العالي ومدراء الجامعات ووزراء المالية، جميعهم كمسؤولين عن مؤسسات الدولة تم تعيينهم من قبل رئاسة الحكومة وبمقتضى ذلك فهم يعملون تحت مظلتها وينبغي أن يأتمرون بأمرها لأنها جهة السيادة عليهم، فما دور الأساتذة في ذلك؟ لذا، فمن الممكن للسلطات العليا في الحكومة حسم هذا الخلاف المؤسسي، بين عشية وضحاها لأهميته وعجلته، ولكن لا ندري لماذا لم يتم ذلك؟ فكيف يترك هذا الخلاف معلقاً ويضحي ذريعة حتي حينه ليتسبب أخيراً في المعاناة وشظف العيش الماثل حالياً ويقاسي وطأته أكثر من 13 الف استاذ بالجامعات الحكومية وأضعاف مثلهم ممن يعولون من الأسر؟؟؟ فمن يلوم من؟ على التسبب في الكارثة المأساوية الحادثة حالياً للأساتذة؟ (وزارة المالية أم وزارة التعليم العالي ومدراء جامعاتها؟.
فحتى متى؟ وكيف؟ ومن ينقذ هؤلاء العلماء ويحسم جذرياً ونهائياً هذا الخلاف المتطاول عبر الزمن “إكراماً للعلم والعلماء؟.

7.نتطلع من الجهات السيادية وضع حد لهذه المعضلة المصطنعة لأنّ ضحاياها هم أساتذة الجامعات الحكومية بحقيقة معاناتهم الممتدة عبر الزمن وحالياً متواصلة ولأربعة أشهر منذ اندلاع الحرب وجلهم أضحوا نازحين في الولايات ويعيشون أوضاع معيشية غاية في الصعوبة… فكيف يتسنى لهم العودة لمقار عملهم والقيام بواجب التدريس وهم محرومين قصداً من حقوقهم المالية مع سبق الإصرار والتشدد من قبل المسؤولين في الدولة؟ وفي ذات الوقت، كيف يمكنهم حالياً السماح لأبنائهم مواصلة الدراسة في الجامعات الحكومية التي ارتجل مديروها افتتاحها لاستئناف الدراسة بدون جاهزية كاملة بمتطلبات البيئة التدريسية الجامعية بسعتها والأهم من ذلك الاطمئنان على استقرار الأحوال الأمنية عامةً؟، أضف لذلك ما هي الضمانات التي تؤكد إلتزام الاساتذة بالانخراط في تدريس هؤلاء الطلاب؟ واضعين في الاعتبار حقيقة حرمانهم من مرتباتهم لظروف الحرب المستعرة في البلد بالإضافة للخلاف الدائر بين وزارة المالية والتعليم العالي والذي أشير إليه آنفاً؟، والأهم من ذلك كله هل وضع مدراء الجامعات التي أعلنت استئناف الدراسة أدنى اعتبار أمني وتعاطف وتعاضد اجتماعي مع الظرف المأساوي الاستثنائي الذي تمر به البلاد؟.

8.إنّ إتجاه بعض الجامعات أيضاً إلى إعلان الدراسة إلكترونياً بدون توفير متطلباتها للأساتذة والمستفيدين من الطلاب على السواء، لهو قرار غير عملي في ظرف إنقطاع التيار الكهربائي ولأيام عدة، بل لشهور في بعض المناطق بجانب ضعف الانترنت وإنقطاعه في جل الأوقات بواقع حقيقة أس البلاء المتمثل في باهظ ثمن خدمات الاتصالات والتي تزاد تعريفتها بعشوائية وباستمرار دون أي ضوابط من الجهات القائمة على إدارتها في الدولة، وبذلك أصبحت خدمات شركات الاتصالات لا يجاريها إلا القلة القليلة من المقتدرين مادياً، ما جعل التعليم الجامعي العصري دولةً بين الأغنياء تبعاً للمال في ظل ألفية الثورة المعلوماتية.

9.عليه، فإنّ قرار إفتتاح الجامعات سواءً الكترونياً أو بالدراسة المباشرة يعتبر قراراً متعجلاً وغير موفق وجانبه الصواب لعدم دراسة حيثياته دراسة مستفيضة ونحسب، أنّ هذا القرار لم يتم التشاور فيه مع الجهات العليا المعنية بإدارة شئون البلاد، فإن كان ذلك كذلك، فيغدو قراراً للعرض ولكسب السبق فقط، دون التدبر في مترتباته السالبة وإعمال الروية في التفكير لاستيفاء حق التقدير لحالة الابتلاء والظروف السيئة التي تمر بها البلاد.

10. لذا، نأمل من الجهات المعنية دراسة الأمر باستفاضة والنظر في إمكانية إصدار قرار سيادي بتعليق الدراسة الجامعية في كل أنحاء البلاد إلى حين استقرار الأوضاع واستعادة البلاد لأمنها وسلامها وفي كل البقاع بسعة المساحة الجغرافية.

11.ختاماً نذّكر بأنّ مكتوب المقال يمثل وجهة نظر الكاتب المجردة وقد تحمل وجهي الخطأ والصواب ومرجع الأمر كله إليكم بنظراتكم التحليلية الدقيقة والواسعة، بغية التقييم والتقويم للقرار إحقاقاً للصوب وتحقيقاً للفائدة العامة للوطن وجميع المواطنين على حدٍ سواء… .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى