رأي

علي أحمد يكتب: الدعم السريع و (الأعيان المدنية) .. أين الحقيقة؟

علي أحمد
علي أحمد

يستخدم (الإخوان) عبارة خروج الدعم السريع من ا(لأعيان المدنية) وفق متُخيَّل يخصهم وحدهم؛ وهو تمني وضع عسكري ميداني يحققون فيه غلبة عجزوا عنها في القتال؛ فطفقوا يتخيلونها علي موائد التفاوض!
(الأعيان المدنية)؛ جملة ناقصة، تم استهلالكها سياسياً واعلامياً، والوصف الدقيق للحال قيد النقاش هو الفصل بين القوات المتقاتلة، وهذا لن يحدث إلاّ من خلال حزمة كاملة من الإجراءات تتضمن عمليات عسكرية وفنية؛ تتم بإشراف قوات دولية معدة ومتخصصة في مثل هذه المهام، بما فيها فتح ممرات آمنة لانسحاب القوات المتقاتلة الي مواقع أُخرى متفق عليها في التفاوض؛ إضافة لحالة التسليح لدى الطرفين وضمان عدم استعمال أسلحة بعينها؛ كما تتضمن بُعداً انسانياً، يعتبر الأهم بالنسبة للعالم والمجتمع الدولي بأسرهما؛ واللذان يسوءهما إراقة الدم السوداني وتدمير المؤسسات العامة والبنية التحتية وهو الحال الذي أكدت وقائع الحرب أن مليشيا (بل بس) لاتكترث له في تأكيد عملي لشعارها القديم المتجدد “فلترق كل الدماء”.

الدافع الأساسي لمشاركة الإخوان في منبر جدة التفاوضي؛ هو عشم عندهم بأن ينحاز الوسطاء لهم؛ تلك المفارقة التي لامثيل لها في تاريخ التفاوض تصحبها مفارقة أُخرى ممزوجة بكذب صريح، حيث روّج الإخوان أن الدعم السريع قد وافق ووقع على الإنسحاب من (الأعيان) لكنه لم يلتزم بالتنفيذ، لذلك انسحبوا من المفاوضات.
لا شيء يحمل قوات الدعم السريع، وهي (منتصرة وعنيدة) في الميدان؛ على هزيمة نفسها في التفاوض؛ بالتوقيع على التزام ربما سيقض عليها.
وبذلك يبقى هذا (الترويج الكيزاني) السخيف، محض ممارسة سياسية وإعلامية أشبه بالعادة السرية التي لا يمكن أن تحيل الخيال واقعاً.

طيّب، ما الذي وقعت عليه الدعم السريع في جدة، يوم 12 مايو؟
إنه مجرد إعلان مبادئ، خطوة أولى – كانت، إذا ما التزم بها الطرفان – ستتبعها خطوات أخرى وصولاً إلى وقف شامل لإطلاق النار؛ ومن ثم إشراك القوة السياسية المدنية في المفاوضات من أجل تشكيل حكومة انتقالية مدنية خالصة.
لكن، ولأن (الإخوان) لم يشعلوا هذه الحرب ليوقفوها ظلوا يقطعون الطريق على أي عملية سلمية تفضى إلى فضاء مدني ديمقراطي، لكونهم يريدون انتزاع الحكم بقوة السلاح.
وفي هذا السياق، وكعادتهم يتوهمون دائماً أن بمقدروهم خداع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي والوسطاء ومن يتفاوضون معهم، وأن لديهم من القدرات ما يجعلهم يكسبون نقاطاً في أي مفاوضات يخوضونها، وعليه لم يقع إعلان مبادئ جدة عندهم موقعاً حسناً لكونه لن يحقق أمانياتهم بل خسف بأحلامهم؛ التي دونها خرط القتاد.

كانت خطتهم بأن يحققوا انتصاراً ملتوياً على الدعم السريع، حيث سوقوا بإن خروجها مما يسمونها (الأعيان) يعني استسلامها لأنها بلا قواعد عسكرية حول الخرطوم، يا للعجب!
كل مايصدر عن الاخوان – الكيزان- مجرد أعاجيب، تؤكد أنهم كائنات لا علاقة لها بالإنسانية، تحركها نوازع أشبه بخلاصة من الشر الحيواني الفطري، أو شيطان كامن في أحشائها وأدمغتهما، وإن كان الشيطان نفسه في حيرة من أفعال (إخوان السودان) التخريبية.
يريدون أن تخلي قوات الدعم السريع مواقع عسكرية سيطرة عليها بالصمود والبسالة وانتزعتها عنوة واقتدارا، عندما تركوها خلفهم هاربين مولين الأدبار، فراحوا يطالبون بإهدائها لهم بهذه السهولة وكأن كل ما حدث ويحدث محض لعبة عبثية وليست حرباً ضروساً.

يظنون أن الدعم السريع، لا تعرف سمة الغدر التي هي صفة أصيلة ومبدأ راسخ لدى الجماعة الشيطانية، يريدون منها الانسحاب من المواقع التي سيطرت عليها لكي يتسنى لهم قصفها بالطيران، وهذا ما لم ستمكنوا من تحقيقه على أرض المعركة، ولن يستطيعوا فرضه قبل أي مفاوضات.

لناخذ علي سبيل المثال ماذكره اجبن مخلوقات الله؛ فحين ظهر شمس الدين الكباشي في 11 يونيو، بعد طول (اندساس) وهو يرتجف ويهذي قال إن الدعم السريع يحتل (الدايات) وأخذ يرددها بفجاجة مثيرة للرثاء؛ متوهماً أن ذلك سيقلل من شأن قوات جعلته يقيم إقامة دائمة في (حفرة) تحت الأرض، ولا يجروء علي الخروج منها.
والسؤال هنا: هل الدعم السريع حقيقة في الدايات؟
على بعد كيلومترات قليلة من هذا المشفى توجد الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون؛ وكذلك مستشفي علياء بالسلاح الطبي؛ الذي يختبئ داخله (أسد أفريقيا) رفقة ثلة من القتلة الهاربين؛ وأمامه مباشرة كوبري النيل الأبيض، ومواجهاً له قصر الشباب والأطفال ومبني مجلس الشعب (البرلمان) ثم أحد مقرات الامن الشعبي في الطابق الارضي لمسجد النيلين.
فهل الدعم السريع بهذه الدرجة من الغباء ليترك كل هذا الخطر محيطاً به لئلا يعيّره قاتل جبان قتل شباب الثورة العُزّل أمام القيادة العامة وخرج على العالم ليعترف بجريمته (حدث ما حدث) فيما يختبئ الآن كمن في كفه خضاباً وليس سلاحاً.

الكباشي وهو يمارس العبط السياسي بترديد كلمة (الدايات) يعلم ان كيلومترات معدودة غربها ستقود إلى أكاديمية القادة والاركان وإلى شارع الأربعين ومدخل كوبري الانقاذ.. فهل هذه أعيان مدنية؟ أم مواقع حربية ميدانية؟
لا علينا، فلا أحد يهتم بهم، حتى عندما يستمرون في الصياح والنواح، وهم يشوهون (سمعة) بنات الخرطوم متحدثين عن اغتصاب متوهم ومفبرك في مقطع فيديو من انتاج وإخراج وتمثيل الاستخبارات العسكرية، يهتفون بعد بطريقة كورالية مأساوية وقبيحة (اغتصاب الحرائر، اغتصاب البنات، اغتصاب الماء والهواء؛ اغتصاب الإغتصاب)، فلو كان لا لعمل للدعم السريع غير اغتصاب (نساء وبنات الخرطوم) داخل الأعيان المدنية، لما صمدوا يوماً واحداً، ولما حققوا الانتصار تلو الآخر ، فالله لا ينصر القوم الظالمين كما تعلمون.

ثم إن الانشعال باغتصاب الحسناوات العاصميات (يكتل الحيل) ويضعف القدرة القتالية واللياقة الذهنية والجسدية للمقاتلين، وها انتم ترون جنود (الدعم) كيف يقاتلون؟!
كل ذلك – هين، لكن الأدهى والأمر، في عبارة (خروج الدعم السريع) هو ما تنطوي عليه من بعد عنصري مقيت، إذ تستبطن تصويرهم كغرباء، أجانب، ومرتزقة، ينبغي أن يخرجوا من عاصمة السودان ويعودوا إلى حيث قدموا، وهذا ما قيل صراحة في غير مناسبة، وما تُزل به ألسنتهم أحايين كثيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى