رأي

علي جاد الله يكتب: حركات الارتزاق تبتز الفلول

تحاول ما يسمى بحركات “المشتركة” الدارفورية المحافظة على وجودها في الفاشر، مع ما تبقى من الفرقة السادسة مشاة، وفي نفس الوقت تنتشر بعض جيوبها بالقرب من مدينة المالحة بشمال دارفور، والتي تقترب فيها من المواجهة مع قوات الدعم السريع في معركة تم التحضير لها لأسابيع. فضلًا عن وجود جيوب لها تم تجهيزها بتعاون وإعداد من شخصيات داعمة في تشاد. 

في هذا التوقيت، كشفت الصحيفة القريبة من الاستخبارات العسكرية “رشان أوشي” والتي يقال إنها زوجة رئيس إحدى الفصائل هذه يدعى مصطفى طمبور، عن تفاوض تم بين قيادة القوات المسلحة والحركات؛  تطالب فيه الأخيرة بحصة (50%) من الحكومة المزمع تكوينها في عطبرة، وعدد (1500) سيارة لانكروزر قتالية بكامل تسليحها. فضلًا عن مبالغ مالية ومنصب نائب رئيس مجلس السيادة، للاستمرار في التحالف أو العودة إلى الحياد، كما كانوا في السابق!

المتابع لتاريخ هذه الحركات يتضح له أنها دأبت على ممارسة الارتزاق، كما حدث في تشاد وجنوب السودان وليبيا، والآن تحاول في نهر النيل حماية ما تبقى من نظام الحركة الإسلامية، مقابل مناصب في حكومة غير معترف بها، وملايين الدولارات وامتيازات استيراد وتصدير، فضلًا عن الاختلاس الذي رافق عمليات توزيع المساعدات الإنسانية. 

قتلت هذه الحركات في الحرب الأهلية في جنوب السودان الآلاف من المواطنين مقابل الحماية ومدها بالسيارات والعتاد الحربي، حتى أنهم بعد أن عادوا إلى السودان، تعرضوا لهزائم كبيرة خاصة في “قوز دنقو” التي قسمت ظهر حركة العدل والمساواة، ومعارك أخرى قتل فيها “محمد طرادة” وأسر فيها “محمد عبد الرحمن نمر”. أما بالنسبة لحركة مناوي، فقد قُتل قائدها “علي كاربينو” على يد القائد “النور القبة” في الصحراء وألقوا القبض على أسرى وقُتل عدد الجنود والضباط وجرى استلام العديد من المركبات القتالية. 

كان العام 2017م نهاية الحركات التي توجت رحلة ارتزاقها بهزائم نكراء، وذلك يعود إلى أن جنود المرتزقة لا يملكون عقيدة أو روح المحارب. لقد تبددت قوتهم ولم يكن مرغوب فيهم بعد تنشيط اتفاق جنوب السودان في 2018م؛ أو بعد توقيع الاتفاق  في ليبيا الذي أفضى إلى تكوين حكومة وحدة وطنية وإبعاد الميليشيات السودانية والتشادية. 

الآن، وبعد شعورهم بانهيار قوات الجيش والحركة الإسلامية والاعتماد عليهم في نقل الحرب إلى دارفور، رفعوا سقف المساومة إلى ما تم إعلانه اليوم. ولكن قبل ذلك، حدثت عشرات الاجتماعات والمساومات الداخلية، سواء تعلق الأمر باستغلال سلطة وزارة المالية وبنك السودان الذي سحب تبعيته برهان من مجلس الوزراء إلى مجلس السيادة مؤخرًا؛  أو التلاعب في العقودات والرشاوى خاصة وزارة المعادن التي يتبع وزيرها لمناوي. وتذمر مجتمع شرق السودان من تحويل مؤسسات مدينة بورتسودان لمستعمرة تتبع لهذه الحركات.

خلاص القول؛ إن هذه الحركات لا مستقبل لها سواء سياسي أو مدني، ولن تقدم للشعب السودان سوى ابتكار بؤر العنف خاصة في المناطق الآمنة، وأن تحالفها مع الحركة الإسلامية وجيشها، كشف آخر مناطق تواجدها السياسي، ويعد هذا التحالف هو الأخير، حتى عودتها للحياد أمر غير ممكن. فالدعم السريع لا يثق فيها مطلقًا، وتدمير ما تبقى منها لمصلحته، فهم أصبحوا مهددًا لدول الجوار. بل مهدد للبرهان والحركة الإسلامية، الذين ربما ينقلبوا عليهم عبر الهجوم على العاصمة الجديدة عطبرة والدامر وشندي؛ بعد أن تسلحوا. وربما تصل قوتهم الآن مئات السيارات، قد يستفيد الدعم السريع من المواجهات بينهم. وهنا علينا أن نستعيد تاريخ قريب، ففي العام 2020م لم تكن هذه الحركات تمتلك (100) سيارة قتالية في السودان، بل قدم لهم قائد الدعم السريع الدعم، حتى اللباس العسكري. وبعد أن دعمهم، انقلبوا ضده وضد حكومة الانتقال المدني الديمقراطي، وتحالفوا مع الحركة الإسلامية، الأمر الذي أفضى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بحمدوك والتمهيد للحرب. 

ختامًا، من يدمن العيش على الارتزاق يستحيل أن يرضى بالديمقراطية أو التقسيم العادل للسلطة والثروة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى