
العصيان والقيادة الحائرة
خطوة كبرى تلك التي أنجزتها قيادة تجمع شباب العصيان المدني هذا الاسبوع بلقاء قيادة قوى الاجماع الوطني والتحاور معها ثم إصدار بيانا سياسيا مشتركا بين القيادتين. هذه الخطوة من جانب تجمع شباب العصيان مثلت نقلة مهمة في منهج التفكير والعمل، فمن مربع الموقف السلبي المجاني من الأحزاب السياسية والذي كان أحد أهم نقاط الضعف في عمل قيادة الشباب، تم الانتقال الآن الى مربع جديد بإزالة الحواجز الوهمية وفتح الطريق أمام المجموعات الشبابية الأخرى التي ما زالت في المربع القديم أن تحذو حذوها في تعديل الرؤيا ومنهج العمل.
هذه مجرد خطوة أولى من مجموعة قائدة ومبادرة، لكن ما تزال غالبية المجموعات، قيادة وأفراداً، على موقف لا يرى خطورة الموقف السلبي من الاحزاب والقوى السياسية في عمل يتطلب أكثر ما يتطلب الفكر والخبرة السياسية وهو عمل المقاومة الشعبية الهادفة الى اسقاط النظام وإرساء قواعد البديل الديمقراطي.
فكرة تجاوز الأحزاب السياسية في الواقع السوداني فكرة يومية، مبتذلة سوقها الموتمر الوطني لدى قطاعات واسعة من المواطنين رغم أنه هو نفسه حزب سياسي. وبناء عليها طرح الاسلاميون أفكارهم في التوالي السياسي، النظام الخالف وغيرها من الأوهام. ولكن يعلم كل من له فكر وعقل أن بديل النظام الحالي هو وضع ديمقراطي على أساس دستوري، وأن لا ديمقراطية بلا أحزاب سياسية.
تنعكس قلة الخبرة السياسية والتنظيمية لدي الشباب غير المنظم وتتجلى أوجه قصور عمل مجموعاتهم ضمن نهجها الراهن في نوع وطبيعة المقترحات التي يطرحونها هذه الأيام ويسعون الى تعبئة الشعب حولها. هناك من يطرح فكرة أيام الجمعة كأيام للتحركات الجماهيرية: فجمعة لكذا وجمعة لكذا ويتلقفون القضايا المستجدة كل يوم كمذبحة (نيرتتي) مثلاً، أخرون يطرحون عصيانا جديدا في شهر يناير، ثم ثلة أخرى تطرح حشدا مليونيا وهكذا يتخيرون التواريخ والأيام بطريقة عاطفية وإنطباعية. تطرح هذه المقترحات على عجل وبصورة متضاربة في القروبات، فيؤيدها البعض ويعترض عليها آخرون، وفي كل ذلك لا يتوقف أحد ليطرح سؤال التنظيم، خطط المقاومة، التعبئة المنظمة، القيادة الموحدة، التنسيق مع القوي السياسية المعارضة.
ثم بدا أن قيادات الشباب نفسها حائرة ومتفاجئة بإنحسار الاستجابات الفورية لدعواتها، دون أن تتبين أن دعواتها للحراك تفتقد الشرط الضروري للإستجابة الجماهيرية وهو شرط التعبئة الواسعة على اساس منظم. فإن كانت الدعوة لعصيان يوم 27 نوفمبر وجدت إلتفافا جماهيريا عاجلا، فذلك لأنها جاءت على خلفية من التعبئة الجاهزة التي حدثت بسبب القرارات الاقتصادية التي أثارت السخط الجماهيري، وليس بسبب أن الناس إضطلعوا على دعوة العصيان فجأة فلبوا النداء.
فيا شباب المقاومة في كل مجموعاتكم وقروباتكم إن أهم إنجاز إجترحته حركتكم هو إعادة الامل لجموع الشعب عبر تكوين مجموعات واسعة وعفوية وذات إمكانيات واعدة، وأهم نقاط ضعفكم كان وما زال نقص الخبرة السياسية والتنظيمية. استكملوا ما ينقصكم بفتح الحوارات المنظمة مع القوى السياسية، أولوا إهتماما خاصا بتنظيم أنفسكم على الأرض، ثم أسعوا الى تحقيق وحدة القوى المعارضة بدل نبذها لأنها غير متوحدة، عندها، وعندها فقط ،سترون أي قدرة لكم في صناعة التغيير.
ويا قوى المعارضة المنظمة، في مركزي المعارضة: قوى الإجماع ونداء السودان، بادروا بالإتصال بقيادات قروبات العصيان، أفتحوا معهم الحوارات، كونوا لجان التنسيق، ثم أسعوا الى قيام المركز الموحد للمعارضة، عندها، وعندها فقط، سترون أي قدرة لكم في صناعة التغيير.