تقارير وتحقيقات

«مجزرة الكومة»: حينما يتحول السوق إلى مقبرة!

تقرير- الجماهير

لم تكن المرة الأولى التي يسمع فيها سكان محلية “الكومة” بولاية شمال دارفور، ضجيج الطائرة الحربية -الذي ينذر بالموت- فوق سماء مدينتهم، فقد سبق أن رمت قذائفها المتفجرة على رؤوس الأبرياء، لكن ذلك لم يشبع رغبة قادة أركان الجيش السوداني في إلحاق مزيدًا من الأضرار على مجتمعات يعدونها في خانة “العدو”!.

منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل من العام الماضي، قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، مدينة “الكومة” ما يقارب الـ(30) مرةً، مخلفًا قتلى وجرحى وتدميرًا واسعًا في البنية التحتية، الأمر الذي اعتبره سكان المنطقة بأنه ترصدًا مقصودًا واستهدافًا تقف من خلفه جماعات أدمنت قتل السودانيين، إن لم يكن بتجريدهم من الحقوق، فبقتلهم المباشر عبر قذائف الطيران.

في صباح أمس الجمعة، توافد سكان القرى المحيطة بمحلية “الكومة”، إلى السوق الرئيسي في المدينة، من بينهم مقيمون ونازحون ومزارعون ورعاة، بغرض شراء المستلزمات العادية من أسواق الماشية والمنتجات الزراعية. وبعضهم، جاء قاصدًا المراكز الصحية، إذ من المعلوم، أن القرى التي تحيط بالمحليات الرئيسية في إقليم دارفور، تفتقر للخدمات العلاجية، كما يحتاج أصحابها إلى زيارة السوق الرئيسي من وقت لآخر.

الطيران الحربي يرتكتب مجزرة في محلية الكومة

تجمع سكان محلية “الكومة” والقرى الواقعة حولها لأغراض متعددة، جميعها بطبيعة الحال ليس لها علاقة بأجندة الحرب أو أطرافها، وبدلًا من العودة إلى منازلهم محملين بما تحتاجه أسرهم، عاد بعضهم ملفوفين بالأكفان البيضاء.

رمى الطيران الحربي التابع للجيش السوداني، براميله المتفجرة مستهدفًا المئات إن لم يكن الآلاف من المدنيين الذين يكتظ بهم سوق محلية “الكومة”، وأكد “صالح حريرين”، وهو شاهد عيان من المدينة، أن (46) مدنيًا قُتلوا، وجُرح ما يفوق الـ(200) آخرين، جراء إسقاط الطيران لثلاثة براميل متفجرة على السوق الرئيسي بـ”الكومة”.

10 أطفال من بين ضحايا القصف

وحصلت «صحيفة الجماهير» على إحصائية أولية حوت أسماء ضحايا القصف وأعمارهم، ووجدنا أن من بينهم (10) أطفال، بينما (34) من الضحايا تقع أعمارهم ما بين الـ(18) عامًا إلى الـ(64) عامًا بما فيهم (11) من النساء، واثنان منهم لم يتم نتعرف على أعمارهم.

وأفاد “صالح حريرين” في حديثه لـ«صحيفة الجماهير»، بأن من بين الضحايا أطفال “توأم” عمرهما (12) عامًا، واثنان أشقاء أحدهم يبلغ من العمر (23) والآخر (31) عامَا، إضافة إلى امرأة وطلفها الذي يبلغ من العمر (11) عامًا.

وأشار “حريرين”، إلى أن من بين ضحايا القصف أسرة شقيق الفريق بالجيش السوداني إبراهيم جابر، حيث أكد أن زوجة شقيق “جابر” وابنها البالغ من العمر ست سنوات قُتلوا في غارات الطيران العسكري على “الكومة”.

“لجان مقاومة الفاشر غير محايدة”

ومن جانبها، قالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر، في بيان، اليوم السبت، إن المواطنين في محليتي “مليط والكومة”، يعانون من التحركات العسكرية لقوات الدعم السريع التي “يتحصن” عناصرها في المنازل والأسواق، ما يساهم في تعريض المواطنين للخطر واستهداف الطيران.

ونوهت إلى أهمية ابتعاد المواطنين عن الارتكازات العسكرية وتجمعات المركبات القتالية.

وبدوره، اتهم “صالح حريرين” لجان مقاومة الفاشر بالانحياز لأحد أطراف الصراع ووصف إفادتها حول قصف “الكومة” بأنها “غير محايدة”، حيث نفى وجود أي “بزة عسكرية” في سوق المدينة لحظة قصفه في الساعة العاشرة والنصف من صباح أمس الجمعة. وأكد “حريرين” على أن الضحايا جميعهم مدنيون.

جرائم همجية انتقامية

وأدانت التنسيقية العليا للرحل والرعاة بولاية جنوب دارفور، في بيان، أمس الجمعة، قصف الطيران الحربي على محلية “الكومة”، ووصفت ما حدث بأنه “جرائم همجية انتقامية”، وأكدت أن “قصف الأسواق وأماكن حوائج المواطنين دليل دامغ على استهداف الطيران الحربي للمدنيين بشكلٍ متعمد”. 

ضحايا قصف الكومة

وطالبت الأسرة الدولية، على رأسها مجلس الأمن، بضرورة اتخاذ تدابير جادة فيما يخص حظر الطيران في السودان، وحذرت المنظمات الحقوقية من “مغبة التماهي مع انتهاكات الطيران الذي روع المواطنين وشردهم”، مشددة في الوقت نفسه، على أهمية محاسبة المسؤولين عن تلك الأعمال الوحشية الإجرامية. 

إدانات ومناشدات

وقالت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، في بيان، “شهد سوق محلية الكومة بولاية شمال دارفور صباح اليوم الجمعة إنتهاكاً مريعاً تجاه المدنيين جراء قيام الطيران الحربي التابع للجيش السوداني بشن غارة نتج عنها استشهاد عشرات المدنيين، ومئات الجرحى، تصادف وجودهم  في السوق خلال شن تلك الغارة الحربية”.

وتأسفت (تقدم) على “استمرار الانتهاكات على المدنيين وتكرارها بشكل ممنهج ضد المدنيين في مختلف أنحاء السودان”، وأشارت إلى أن اتفاق جدة “شدد على التمييز في جميع الأوقات بين المدنيين والمقاتلين وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية”. وطالبت بأهمية الالتزام بالاتفاقيات الموقعة من طرفي الحربي بـ”شكل كلي وليس جزئي أو انتقائي”.

وعبر “صالح حريرين” عن دهشة سكان “الكومة” من استمرار استهداف الطيران العسكري لهم، وأفاد بخلو المدينة التام من المظاهر العسكرية، ولا قتال بين القوات المتحاربة. وأضاف، أن القصف سبب هلعًا وخوفًا وسط المواطنين، خاصة الأطفال “الذين أصبحوا لا ينامون بسبب الذعر والخوف”.

وناشد منظمات المجتمع المدني والإقليمي والدولي، بالتدخل لحماية المدنيين العزل، واحتواء الأزمة الإنسانية الكارثية التي نتجت عن توقف المستشفيات وخروجها من الخدمة جراء قصف محلية “الكومة”، مشيرًا كذلك إلى انعدام الأدوية المنقذة للحياة.

من جانبها، قالت قوات الدعم السريع، في بيان، إن “عصابة البرهان” ارتكبت جريمة شنيعة في مدينة “الكومة” راح ضحيتها المئات من المدنيين الأبرياء. وأدانت “الجرائم والأفعال غير الإنسانية المتكررة بحق المدنيين الأبرياء”، كما دعت المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية والمهتمين بالشأن الإنساني، إلى “إدانة السلوك البربري لقادة الجيش المختطف، وتعمدهم مواصلة قصف الأحياء المأهولة بالسكان منذ إشعالهم الحرب في 15 أبريل 2023”.

وبحسب شهادة “صالح حريرين”، فإن ما حدث في مدينة “الكومة” بولاية شمال دارفور، هو “مجزرة بشرية وكارثة إنسانية”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى