الجماهير – وكالات: تغيرات كبيرة حدثت بالسودان وعلاقاته الخارجية، ويظهر ذلك بوضوح في آخر اتصال أجراه وزير الخارجية الأمريكي بلينكن بقائد الجيش عبدالفتاح البرهان، حيث شهد السودان منذ 15 أبريل 2023، تغيرات كبيرة على أرضه ترتب عليها تباعد المواقف بين واشنطن والخرطوم.
ويتصاعد في السودان جدل سياسي بشأن الدوافع خلف تجدد اهتمام الولايات المتحدة بمحاولة إنهاء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، بعد اتصال هاتفي تلقاه عبد الفتاح البرهان من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأسبوع الماضي، حيث يرى محللون أن واشنطن تخشى أن تخسر نفوذها في السودان مع تزايد النفوذ الروسي والصيني والإيراني.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يخوض الجيش والدعم السريع، حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وحوالي 8.5 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.
وأكد محللون أن الولايات المتحدة جددت اهتمامها بالخرطوم خشية أن تفقدها لصالح منافسيها الصين وروسيا، لاسيما في ظل موقع السودان الاستراتيجي في إفريقيا، خاصة سواحله على البحر الأحمر، مشيرين إلى أن وجهة السودان أصبحت مغايرة لواشنطن فلم يعد التقارب مع الولايات المتحدة هدفه الأول، ولم تستطع الأخيرة تقديم ما يقنع الخرطوم بمحاولة إرضاء واشنطن.
وانهارت أكثر من هدنة جرى التوصل إليها في جدة، وسط تبادل للاتهامات بخرقها بين الجيش والدعم السريع، ما دفع الرياض وواشنطن إلى تعليق المفاوضات في ديسمبر 2023. وتفيد مؤشرات، بحدوث تباعد بين واشنطن والخرطوم، إذ اتجهت الأخيرة إلى روسيا والصين وإيران، وحدث تبادل للزيارات بين المسؤولين.
وفي أكثر من مناسبة، شدد مسؤولون سودانيون على متانة واستراتيجية العلاقات مع الدول الثلاث، التي تمتلك ملفات خلافية عديدة مع الولايات المتحدة. وغداة اتصال بلينكن والبرهان، أدلى نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار بتصريح اعتبره المراقبون رسالة واضحة من الرجل الثاني في الدولة بأن الخرطوم غير راضية عن سياسات واشنطن الأخيرة تجاه السودان.
ومنذ اندلاع الحرب، أكدت واشنطن على الحديث عن طرفي الحرب ومساواتهما.
وأثناء اتصاله بالبرهان، دعا بلينكن إلى استئناف المفاوضات في جدة لإنهاء القتال، وهو ما رفضه عقار قائلا “لن نذهب إلى جدة، ومَن يريد ذلك فعليه أن يقتلنا في بلدنا ويحمل رفاتنا إلى جدة”.
ويأتي الخلاف الراهن بين السودان والولايات المتحدة بعد تحسن نسبي في العلاقات عقب إطاحة قيادات الجيش بالرئيس السوداني عمر البشير (1989-2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية مناهضة له.
وأعلنت الخرطوم وتل أبيب أواخر 2020، تطبيع العلاقات بينهما، بعد تعهّد الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب بإزالة اسم السودان من قائمة ما تعتبرها واشنطن “دولا راعية للإرهاب” وتقديم مساعدات له.
وفي 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، شكر عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني حينها ترامب، على توقيعه الأمر التنفيذي برفع اسم السودان من القائمة.
وأغلقت واشنطن في 1996 سفارتها لدى السودان، بعد أن أدرجته في “قائمة الدول الراعية للإرهاب”، لاستضافته الزعيم الراحل لتنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن.
وفي 24 مايو/ أيار الماضي، قال الفريق ياسر العطا إن روسيا طلبت إقامة محطة للوقود في البحر الأحمر مقابل توفير أسلحة وذخيرة. وأضاف العطا، في تصريح متلفز أن البرهان “سيوقع على اتفاقيات مع روسيا (في هذا الشأن) قريبا”.
وبعد أربعة أيام، في اليوم نفسه الذي شهد اتصال بلينكن، زار المبعوث الروسي الخاص إلى إفريقيا والشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف السودان، والتقى البرهان.
وسبق وأن وقَّع السودان وروسيا اتفاقية لإقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر، لكن الخرطوم لم تنفذها، مع ضغوط غربية نحو عدم حصول موسكو على مواطئ قدم بالمنطقة. فالبحر الأحمر ممر حيوي للغاية بالنسبة للتجارة وسلاسل الإمداد العالمية.
وفي مايو 2019، كشفت موسكو عن بنود اتفاقية مع الخرطوم، لتسهيل دخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين، بعد أن دخلت حيز التنفيذ.
وصادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في 16 نوفمبر 2020، على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان، قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية. وعلى المنوال الروسي ذاته، اتجهت بوصلة الخرطوم نحو الصين التي أعلنت مرارا دعمها للجيش في مواجهة قوات الدعم السريع.
وفي 28 مايو الماضي، قال وزير الخارجية الصيني وانغ بي إن “موقف الصين بشأن تطوير العلاقات الودية مع السودان لن يتغير، مهما تغيرت الظروف الدولية”.
كما تحسنت مؤخرا علاقات إيران والسودان، وأعاد البلدان في أكتوبر 2023 علاقاتهما الدبلوماسية، بعد 8 سنوات من قطعها؛ تضامنا مع السعودية إثر اقتحام محتجين لسفارتها في طهران.
