مامون التلب

ويحدثونك عن العصيان المدني 

مامون التلب
مامون التلب
لم يكن فشل العصيان المدني بشكله الواقعي في الشارع العام مُستبعداً، كما هو حال كلّ محاولة تجري للتعبير عن الفشل العام في الدولة السودانية؛ إن كان من جانب الحكومة (الحوار الوطني) أو الأحزاب والحركات المسلّحة (النداءات المدينيّة)، أو الدعوات الإسفيريّة العفويّة التي أثبتت في الشهر الماضي قدرتها على إحداث تأثيرٍ واقعيٍّ أنتج –بعد الدعوة لعصيان اليوم- كمّا هائلاً من التصريحات والحقوق التي اُعتُرِفَ بها على العلن وبكثافة مُفزعة، إضافةً إلى الوعود الغريبة النوع والتذكّر المُفاجئ للمواطن. هذا كله طبيعيٌّ وعادي، لكن دعونا نتحدث عن ما هو محزن، وعن الذي نَجَح فيه العصيان فعلياً.
المُحزن والمؤسف: الهستيريا التي انطلقت مع صباح يوم الاعتصام من أطرافٍ كثيرة مُتضاربة، التخوين والتضارب المُذهل. أما المؤسف فهو فرح الحكومة العجيب! فرح منسوبيها وهم يقفزون حبوراً على جثث المواطنين التي تُولَدُ كلَّ يومٍ في المستشفيات والبيوت من أرحام الحرب والجوع والمرض، القسوة الحياتيّة غير المسبوقة التي يُعايشها الجميع. فانظر إلى المسؤوليّة!. يقول الصحفي ياسر عبد الله، زميلنا في صحيفة (السوداني) ورئيس قسم الأخبار: (على عقلاء الحكومة دراسة هذا الحراك وأن الأمور لن تمضي كما تتوقع، فهناك أزمة اقتصادية خانقة ووضع مأساوي يعيشه المواطن في معاشه وعلاجه وتعليم أبنائه، حكومة تعجز عن توفير 133 مليون دولار لاستيراد الدواء ، فتحرر سعر الصرف للدواء وهناك نحو أكثر من (400) مليون دولار من اموال النفط كانت مختفية وتم العثور عليها، بحسب تقرير المراجع العام الأخير والذي لم يحدد هل (كانت يحرسها جان أم مدفونة تحت الأرض)، وهناك ايضاً فى التقرير (4,1) مليار جنيه بالجديد يعني (4,1) ترليون جنيه بالقديم عبارة عن شيكات مرتدة وفاقد ضريبي للحكومة، اضاقة إلى أموال مجنبة تتحصلها الجمارك ، ورسوم غير قانونية تفرضها هيئة الحج والعمرة التي لم تتورع فى أن تجعل أعظم وأشرف شعيرة مجالاً للفساد والتجاوزات، ومكتب والى تساوي ميزانيته ميزانية عشر محليات بولايته، اذاً فالفساد صار يزكم الانوف والدولة العميقة تمسك بتلابيب مصائر البلد وأهله، والحكومة لا تحرك ساكناً، وركزت كل جهدها على كيل الشتائم وتخوين المواطنيين الذين دعوا للعصيان المدني، والايادي الأثمة تعبث بالمال العام دون حسيب او رقيب، نجح العصيان قبل يومه عندما جعل الدولة على مستوي الرئاسة تتباري فى التصريحات عنه وتحذر من الالتفات الى المخذلين فكانت أكبر مروج للعصيان وقدمت خدمة جليلة للداعين له ولداعميه).
رغم ذلك، استطاعت الحكومة، عبر حملة واسعة ومنظمة تنظيماً جيّداً، شملت المؤسسات العامة والخاصة، المدارس والمرافق الخدمية، حتى وصلت إلى الأحياء ببث إشاعاتٍ من شاكلة (إن غاب التلميذ سيعيد العام الدراسي ويُعتبر راسباً)، أو (منشورات تتحدث عن أن يوم الإثنين، والذي هو عادةً يوم عملٍ رسمي، بأنه “يوم عمل رسمي”، هكذا: الماء بالماء)، ثم التحذير من قوائم الغياب والحضور في اليوم التالي؛ استطاعت أن تؤثر على مجريات العصيان بسهولة، خصوصاً مع وجود يوم الأحد المُتِيح لنشاط هذه الحملة.
ولكن، لماذا استجاب المواطنون للحكومة وتهديداتها ووعيدها؟ ولماذا كان ردّ فعل الحكومة بكلّ هذا العنف؟ هذا يعود لمكتسبات عصيان 27 سبتمبر الذي انطلق إلى فضائيات العالم أجمع، نسبةً، بالطبع، لحدوثه واقعياً وأمام أعين العالم أجمع.
من أهم المكتسبات في رأيي، والتي أنتجها العصيان، ظهور كتابات مُفكِّرة، بعيدة عن التحريض، قريبة ن التفكير المستقبلي والاستراتيجي. ورغم كثرة هذه الكتابات وصعوبة حصرها، إلا أنني أتناول ثلاثٍ منها أعتقد أنها تلامس الأزمة، واستطاعت أن ترى مآلات هذا الشكل الجديد من التنظيم الحديث، والذي، في رأيي، لم يتعود عليه السودانيّون مقارنةً بالاحترافية التي بيّنتها الأجيال الجديدة التي وجدت التكونولوجيا جزءً من واقعها، وليست طارئاً كما حدثت لأجيال مواليد الثمانينات وما قبلها. والأمر الحاسم الذي أضعف الثقة في شمول دعوتها لعصيان 19 ديسبمر يعود لافتقاد القيادة الواضحة المنتمية لـ(حداثة) و(مزاج) الجماهير، كما يعبّر الأستاذ كمال الجزولي في ورقته ما بعد العصيان الأول الناجح، والتي سأتناولها بجانب قراءة للناقد والكاتب راشد مصطفى بخيت، نشرها في 12 ديسمبر، إضافةً إلى تفكيرٍ استراتيجي للكاتب محمود المعتصم (من الجيل الاحترافي تكنولوجيّاً، ولكنه يكتب بهدوء ويفكر بعمق).
يلخّص كمال سبب الفشل النسبي للعصيان الأول في نهاية اليوم، واليومين التاليين، في ثلاثة أسبابٍ رئيسيّة رصدها في ورقته المنشورة يوم 7 ديسمبر الماضي بعنوان (….)، يقول: [من أبرز الملاحظات، كذلك، أن تلك الدَّعوة، رغم احتياجها، حسب طبيعتها نفسها، لأكبر قدر من الجُّرأة والبسالة، إلا أن الغموض حول مسائل أساسيَّة فيها ترك، بلا شك، أثراً سالباً عليها، تمثَّل في تفاوت الاستجابة لها، وبالتَّالي محدوديَّة أثرها ما بين المستوى العالي من التَّنفيذ خلال ساعات الصَّباح الأولى من اليوم الأوَّل، ما يؤكِّد الرَّغبة الأصيلة لدى الجَّماهير في التَّجاوب، وبين انحسار هذا المستوى تدريجيَّاً خلال باقي ساعات اليوم، ثمَّ التَّراجع النِّسبي خلال اليومين التَّاليين، ما يستوجب التَّدقيق في العوامل والأسباب. دروس الثَّورة السُّودانيَّة تشير إلى أن الانتصار الحاسم لهذا التَّصعيد النَّوعي يعتمد، بالأساس، على توفُّر ثلاث ضرورات غابت جميعها، للأسف، من أفق التَّجربة، وهي:أولاً: ضرورة بلوغ المواجهة بين الجَّماهير والسُّلطة درجة من الوسع والعمق والقوَّة بما يتيح، في ذات اللحظة الثَّوريَّة، طرح هذا التَّصعيد كخطوة أخيرة، لا كخطوة أولى، وذلك من داخل مختلف التَّعبيرات الاحتجاجيَّة الدِّيموقراطيَّة المتواصلة لأيَّام بلا انقطاع، بما فيها الحراكات المسائيَّة في الأحياء السَّكنيَّة، وهذه كانت غائبة، كما ومن داخل مختلف الإضرابات الفئويَّة المتواترة والمتقاربة، وهذه لم تختبر بجديَّة كافية إلا على صعيد إضراب نوَّاب الاختصاصيين قبل بضع سنوات، ثمَّ إضراب الأطباء الكبير مؤخَّراً. ثانياً: ضرورة تأكُّد الجَّماهير اليقيني من هويَّة الجِّهة المعرَّفة بالألف واللام، المجترحة للتَّصعيد، والدَّاعية له، الأمر الذي كان مفقوداً، أيضاً، في هذه التَّجربة، إذ لا يكفي الإعلان عن أن الدَّعوة صادرة من “شباب”، أو من “نشطاء حقوقيين وسياسيين” .. الخ! هنا يكمن مغزى “القيادة” الملهمة؛ إذ كيف يتأتَّى للجَّماهير أن تستوثق من أن من يدعونها لهذا البذل هم، بالفعل، شباب طامح من خيرة أبنائها، لا محض جماعات مغامرة، أو ذات أجندة خاصَّة؟! ليس القصد، طبعاً، أن من يتصدر حراك هذا التَّصعيد ينبغي أن يكون حزباً معروفاً، أو زعيماً مشهوراً، بصرف النَّظر عن عمره البيولوجي، فالنِّضال ليس ظاهرة بيولوجيَّة، إنَّما المقصود، فقط، أن يُعلِم من يتصدَّى للقيادة عن نفسه، في ذات اللحظة التي يطرح فيها دعوته، فرداً كان أو جماعة، حتَّى لو كان مستجدَّاً، أو غير معروف قبلها. هذا الإعلام، لمن يدرك ذهنيَّة وسايكولوجيَّة جماهير الثَّورة السُّودانيَّة، يساوي، وحده، نصف عوامل الكسب، بينما تساوي نصف عوامل الخسران محاولة التَّقليل من شأن هذا الإعلام، أو الاستهانة به، مهما كانت المبرِّرات، بما في ذلك مبرِّر “الخوف” على “طارحي الدَّعوة” من انكشاف هويَّاتهم (!) تلك حُجَّة تحمل، في الحقيقة، عوامل فنائها المنطقي في جوفها هي ذاتها، إذ كيف يستقيم لك أن تدعو جماهير الشَّعب لتقديم فروض الفداء والتَّضحية، بينما تحجم أنت نفسك عن تقديم هذه الفروض “خوفاً” على نفسك من مغبَّتها؟! أمَّا قوى المعارضة المعروفة أصلاً، فبرغم مسارعتها للإعلان عن “توحُّدها” في “مباركة” الدَّعوة، إلا أن أيَّا منها لم يعلن مسؤوليَّته عن طرحها، ومن ثمَّ تصدِّيه لرفدها بالشِّعارات المناسبة، ما يشي بأن هذه القوى قد فوجئت بها، فكان مبلغ همِّها إعلان عدم تخلفها عنها، دون الإعلان عن أنها ستكون، هي نفسها، على أهبة الاستعداد لقيادتها، أو تحمُّل نتائجها! ثالثاً: ضرورة وضوح الرُّؤية التَّام لدى الجَّماهير، من الوهلة الأولى، حول هدف تلك الخطوة النِّهائي end game، والذي يكشف عمَّا ينبغي عمله في “اليوم التَّالي the day after” تحت عنوان “إلى أين نحن ذاهبون، أو مساقون” .. الخ. فمن أخطر المعاول التَّدميريَّة التي يمكن أن تتهدَّد حركة الجَّماهير، في مثل هذا الظرف، الدُّخول في تجربة دون علم كافٍ بهدفها النِّهائي]. (انتهى).
وتدخلنا ملاحظات كمال إلى التساؤل حول معنى الفداء والتضحية التي كان من الممكن أن يقدّمها السودانيون في الاعتصام الثاني (19 ديسمبر)، وهل من الممكن التضحية بقوت البيت والوظيفة والحياة مع جميع المهددات التي طرحتها الحكومة -ذكرناها في بداية هذا التحليل؟، يواصل كمال محللاً وربما رائياً للمشكلة التي ستواجه العصيان الثاني: (غياب هذه الشروط الثَّلاثة، مجتمعة، يجعل من غير الممكن لأيِّ أحدٍ أن يكابر في حقيقة أن تجربة نوفمبر كانت قد أخذت تتعرَّض، منذ البداية، ثمَّ على مدار اليوم، ساعة فساعة، لتراجع مؤسف، مِمَّا لم تفت ملاحظته على المراقبين الحادبين، وبالعين المجرَّدة! كما ولا يملك أحد أن يكابر في طابع البلبلة الذي وسم بالحيرة تساؤلات الجَّماهير، ومزاجها العام، خلال الأيَّام الثَّلاثة، على تفاوت مستوى الاحتشاد فيها بين يوم ويوم، حيث ظلت تلك الحيرة تراوح بين الطابع “الرَّاديكالي” لإسقاط النِّظام عند البعض، والطابع “الإصلاحي” لإلغاء زيادات الأسعار عند آخرين!). (انتهى).
من زاوية أخرى، كتب راشد مصطفى بخيت في 12 ديسمبر متنبئاً ليس بفشل العصيان فحسب، ولكن بأسبقية معرفة المواطنين بفشله عبر سلسلته (النقد الهدّام) -والمكتوبة عادةً بالدارجة- (المكسب الحقيقي لتجربة العصيان المدني إنها أوَّل مرَّة حقَّقت الجملة التاريخية بتاعت “رفع الوعي الاجتماعي” ديك). وهذا فعلاً هو المكسب الحقيقي، أكثر من ذلك فإن (الصوت الموحّد) لم يتحقق من قبل بدعوات إسفيريّة، إذ كانت الاستجابة شعبية في سبتمبر، وكذلك في الانتخابات الصامتة التي تلته، لكن المشكلة الحقيقيّة كما يقول راشد: (إنو الوعي الاجتماعي بقا مرتفع أكتر شديد من وعي النخبة الركيكة والانتهازيَّة العايشة في كوكب تاني ما عندو علاقة بالجماهير بالمرَّة. مرتفع لامن عارف إنو عصيان يوم 19 فاشل ومراهن على إنُّو الما عارفين كدة ديل منو هُم؟ وليه ما قادرين يعرفوا الفرق بين النجاح والفشل، وبين السيولة بتاعة الموجة لمن تكون حقيقيَّة وفي فعلاً قوَّة وراها مسببة وملحوظة؛ وبين لما تكون موجة مدعومة بالنفخة الكضابة وماف قُوَّة بتسندها في قلب المجتمع). يواصل راشد (طبعاً الفرق واضح بين نجاح اليوم الأوَّل من التجربة الفاتت حتى بالمقارنة مع اليومين التاني والتالت. الدليل إنو حكومة ولاية الخرطوم الموقَّرة دعمت شبكة مواصلات الوالي – اللي هي حكوميَّة طبعاً – بي أسطول جديد من البصات المرسيدس بنز مستعملة طبعاً وغالباً جايبنها من أثيوبيا لأنو مواصلاتهم العامة مارسيدس بنز من زمن طويل وعندهم الهالك. ده طبعاً تحسُّباً لي منظر الشوارع الفاضية في اليوم الأوَّل والحكومة دايماً بتتحسَّب وبتكون سابقة المعارضة بي كم خطوة. دي بقت قاعدة عديل من سبتمبر 2013 ولي جاي. طيِّب. الفلم وين؟ الفلم إنو الجماهير -الحاجة الما عندها كثافة نوعيَّة دي- بتتحرَّك كسيولة وبتختبر في البضاعة المعروضة والبضاعة البتتعرض ولو ما لقت عرض مقنع ما بتشتري. بتنتظر وتشوف. وعشان الحلقة المفقودة دي تختفي تدريجياً الموضوع دة ممكن ياخد عُمُر بي حالو حسب حركة التاريخ المنتظمة وعشوائية في نفس الوكت. النخبة المتعلمة لو حتقعد تتاجر وتنتهز وتفضح نفسها كل مرَّة بحكاية حتلقى روحها برَّة الميدان العام بسرعة. ارتفاع سقف الوعي داك نفسو بقة ما بقبل أي كلام والسلام. وما بقبل هتاف ما وراهوا خطة، والأهم ما بقبل داعم ما شريك أصيل في المشهد ما مجرَّد شجيع أو متهافت أو حتى حسُن النيَّة. المفقود شنو؟ دة المُنتظر من الفئة المتعلمة تجاوبوا أولاً بعداك تسدوا. لو دة ما حصل سيولة الرفض وحركة الكتلة التاريخيَّة ممكن امتصاصها من قبل الجهاز الإسموا الدولة والسواقين المرَّة الجاية ما حيكرروا نفس المشهد البديع بتاع اليوم الأوَّل ولا المدارس الخاصة حترسل خطابات لي أولياء الأمور تخطرهم فيها إنو ولدهم اليوم الفلاني ما يجي لأنَّهم عصيانين. سبتمبر 2013 حيَّة. وأصلو الجماهير ما حتنسى الخذلان الكبير المُنيت بيهو من نخبتها بسهولة. والشوط الإضافي الأوَّل انتهى. اللياقة تعبانة من الجانبين. وهسَّة النتيجة ستة صفر لصالح الجمهور، وغالباً فشل يوم 19 حيحسن نتيجة الحكومة ويبقيها ستة تلاتة لو النخبة ما شافت زول يرفع ليها هي سقف الوعي بتاعها . #النقد_الهدام ((انتهى)).
وكما نبهت كثيراً في كتاباتٍ سابقة أن على “صفوة فيسبوك” السياسية والثقافيّة أن تكون واعيةً بحجم تأثيرها مقارنةً مع “الشبكات الشعبيّة” الأخرى (إن صحّت التسمية، وهي المجموعات التي تسخر منها الصفوة عادةً، ومن ثمّ عادت واعتذرت وبجّلت تلك المجموعات التي يصل عدد مرتاديها مئات الآلاف من البشر، مثل مجموعات كرة القدم، أو محبي المغنيين ذائعي الشهرة، وما اُصطُلِح على تسميتها بمجموعات النسائية أو البنات إلخ من التسميات). فحجم تأثير هذه الصفوة، مُضافاً للتأثير الكبير للشبكات الشعبية، يظهر في الإعلام الخارجي أكثر منه على أرض الواقع، في حين حقّقت الشبكات الشعبية، بلا أهدافٍ واضحة، تأثيراً ملموساً على أرض الواقع.
ويذهب الأستاذ كمال الجزولي في اتجاهٍ يختلف عن راشد في التعامل مع الطبقة المتعلمة أو القيادات السياسيّة، إذ يرى أن (من أخطر ما فاقم من تلك البلبلة، ضغثاً على إبالة، النَّبرة المعادية للأحزاب السِّياسيَّة، والطعن في جدارتها، والتَّشكيك في جدواها، والدعوة لتجاوزها، مِمَّا جرى تداوله، بنشاط، ضمن تحليلات ونداءات بعض وسائط التَّواصل الاجتماعي الدَّاعية والدَّاعمة لتلك التَّجربة. ولئن كان من المُجدي تماماً، بطبيعة الحال، والمشروع جدَّاً، بل والمطلوب بشدَّة، تسديد النَّقد المستقيم المباشر لهذه الأحزاب وقياداتها، فمن غير المعقول، بل من قبيل الخطأ الجسيم، يقيناً، محاولة شطبها نهائيَّاً، أو الإنكار التَّام لضرورتها الموضوعيَّة، خصوصاً في هذا المفصل التَّاريخي الرَّاهن، على ما يشوب “جبهة” عملها الموحد المأمول من عوار).
حسنٌ، نختلف أو نتفق مع وجهتي النظر نحو الطبقة المتعلمة، أو القيادة السياسيّة، أو الصفوة الإسفيريّة؛ فإن مناقشة وجهات النظر بصدر مفتوح واجبٌ في المرحلة المقبلة.
دعم العصيان
نقطة مهمة تجب مناقشتها هنا، وهي مسئلة دعم العصيان المدني الذي توحّدت الأصوات على تاريخه؛ فإنني رأيت من جهتي على الأقل أن دعم التَوحّد أمرٌ لا مفرّ منه، وأن التشاؤم بإمكانيات التغيير لا فائدة منه، فرغم مروري على الكتابات أعلاه، ورغبتي في الكتابة التحليلية أثناء الدعوة للعصيان، إلا أن الانتظار كان أجدى ودعم الجهود الجماعية أنبل ما يمكن أن يُقدَّم. فالشاهد أنه على مدار اليوم في الفضائيات والإعلام بأشكاله جميعها احتلت قضية الشعب السوداني الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعية حيزاً كبيراً ولَفتاً قويّاً لأنظارا العالم، وبغض النظر في أيّ ماعونٍ يصبّ هذا النقاش، فإن وجوده يعدّ انتصاراً كبيراً لإرادة السودانيين ولقدرتهم على إيصال أصواتهم. وهذا يسير جنباً إلى جنب مع مكسب توحّد أصوات السودانيين. وقد كان ذلك بائناً قبل يوم الاعتصام في الساحات والشوارع والمواصلات والدكاكين والمطاعم –حسب معايشتي الشخصيّة- حتى مشاهد الناس اليوم كانت تتسم بالكئابة، رغم ازدحام الشوارع التام والخانق ما بعد الرابعة مساءً.
يتبع
زر الذهاب إلى الأعلى