رأي

أبوفاطمة الأنصاري يكتب: نظريات القائد دقلو التي لم تدرس في الكلية الحربية 

يقول الفيلسوف والجنرال سون تزو في كتابه فن الحرب: “إذا كنت تعلم قدراتك وقدرات خصمك, فما عليك أن تخشى من نتائج مئة معركة. وإن كنت تعرف قدرات نفسك, وتجهل قدرات خصمك, فلسوف تعاني من هزيمة ما في كل نصر مُكتسب. أما إن كنت تجهل قدرات نفسك, وتجهل قدرات عدوك… فالهزيمة المؤكدة هي حليفك في كل معركة!”.

بعيدًا عن الحرب ومن أشعلها والانتهاكات التي حدثت من كتائب الحركة الإسلامية البراؤون وغيرها. إلا أننا في هذا المقال قصدنا التركيز على مجريات الحرب وخططها العسكرية والاستراتيجية التقليدية منها والحديثة، بالإضافة لعقيدة الطرفين المتحاربين واستبسال جنودهما في الميدان.

عليه يمكن القول إن المتابع لحرب السودان وطريقة خططها وإدارتها العسكرية بين الجيش السوداني المسنود بحزب المؤتمر اللاوطني وكتائبه الإرهابية والمستنفرين من جهة، وقوات الدعم السريع السودانية من جهة أخرى، نجد أن هنالك فرق شاسع بين الطرفين في ماهية الحرب وطريقة خوضها وعقيدتهما القتالية.

أولا الجيش صاحب النظرية التقليدية منذ عهد الاتحاد السوفيتي، والتي تعني التقوقع وثبات الجنود وتحصنهم في زرائب تسمي الفرق العسكرية، وفوق هذا يطوقها بخنادق، وغالبا ما تكون هذه الفرق داخل الأحياء وسكنات المواطنين، كأنما الذي بنى هذه الثكنات العسكرية أراد حماية الجنود وليس الشعب والسيادة كما في عقيدة الجيوش الوطنية. بالإضافة لغياب القيادات وتقدمهم لجنودهم وتفضيلهم لمتابعة الحرب عبر شاشات التلفزيون أو السوشال ميديا عبر صفحات نكرة من خارج السودان أو مدن تبعد سنين ضوئية من أرض المعارك، لا يابهون لاستغلالهم المدنين دروع بشرية بلا اعتبار لمألات الحرب على العزل أو الأطفال والنساء في الأحياء. هذا بالإضافة لعدم مهاجمة الجيش لعدوه، وبالكاد الاستعاضة بنظرية عقار الحربية أي الخنادق المتحركة

والإكثار من التهديد للأبرياء والضجيج الإعلامي. في ذات الوقت إجادة الاستسلام والانسحاب في حال تقدم العدو نحوه وذلك رغم وجود الغطاء الجوي.

على صعيد آخر، الأمر مختلف تماما عند قوات الدعم السريع وقيادتها وجنودها أو ما يعرفون بالأشاوس، حيث دائما تكون في وضعية الهجوم والتقدم والحركة الدؤوبة الرشيقة المرهقة للعدو. وكما قال عنهم خبير عسكري أوروبي خدم في الصحراء الإفريقية، إن قوات الدعم السريع أشرس وأقوى جيش في أفريقيا على الإطلاق ولا تستطيع دول مجتمعة على هزيمتها في أي معركة.

 وسماها بالفهود الجائعة لشراستها وانقضاضها على العدو، ومع هذا يمتلكون عقيدة عسكرية منضبطة، تجدهم يحترمون حق الأسير كما حث عليه الدين الإسلامي وجاء في قواعد القانون الدولي. وتجدهم يملكون زمام المبادرة في حالة الهجوم والخطط العسكرية المحكمة الغير تقليدية، كما قال قائدهم محمد حمدان دقلو من قبل “سنلقنهم دروس لم يتعلموها بالكلية الحربية”.

هذه النظريات الغير تقليدية اليوم عرف عنها الشعب السوداني وعرفها العدو قبل الصديق عند دخول القوات للفرقة 17 مشاة بسنجة، بعدما تناولت الأخبار المحلية وتناقلت خبر مفاده سيطرة قوات الدعم السريع على جبل موية قبل يومين، وهي منطقة استراتيجية تقع غرب سنار وتتبع لولاية سنار نفسها. وانتشرت مقاطع فيديو على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي لجنود من قوات الدعم السريع يعلنون من خلالها سيطرتهم عليه، بعد ما أسروا بعض عناصر الجيش واستلام عربات وتدمير بعضها.

أهمية المنطقة تعني قطع أي إمداد إلى الفرقة 17 سنجة، وتضييق الخناق على حامية الجيش في مدينة كوستي لجهة قرب منطقة جبل موية من ولاية النيل الابيض ومنطقة كنانة.

لم ينتهي الأمر في جبل موية، ولم تجف أقلام الصحفيين وقنوات الأخبار عن تناولها وعبقرية القائد دقلو في الخطط العسكرية الاستراتيجية.. وإذا به قوات الدعم السريع تدخل مدينة سنجة وهي مقر الفرقة 17 مشاة، التي يستحيل دخولها دون العبور بسنار ثم التوجه شرقا إلى سنجة المدينة “الملبدة” وسط الغابات ومنحني النيل الأزرق.

هذه النظريات العسكرية وفن الحرب والخطط الاستراتيجية في القتال التي يمتلكها قائد الدعم السريع وينزلها لجنوده في المعارك.. تمثل الفارق العسكري الاستراتيجي الذي لم يملكه الطرف الآخر ولم يدرسه في كلياته العسكرية. وهي أعطت نتائج حربية متقدمة وتفوق في أرض المعركة وطريقة جديدة غير مألوفة في الحروب الحديثة. إن من الصدق أن نقول يجب أن يعكف الخبراء العسكريين والمحللين الاستراتيجيين على دراسة هذه النظريات وإضافتها للعلوم العسكرية الحديثة حتى تستفيد منها الأجيال القادمة، ولا أبالغ إذا قلت لو كانت الرتب والنياشين تعطى للقادة الشجعان الملهمين والأذكياء الذين يخططون ويقودون جنودهم بعبقرية غير تقليدية على نطاق الجغرافيا والتضاريس… لكانت مُنحت وبجدارة للقائد محمد حمدان دقلو (حميدتي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى