حوارات

إبراهيم زريبة للجماهير: حرب الدعم السريع هي امتداد لحروب الهامش منذ الاستقلال وتعبر عن تطلعات مجتمعات بأكملها

حوار- الجماهير

حاورت صحيفة الجماهير، كبير مفاوضي الجبهة الثورية في اتفاق جوبا للسلام 2020م، “إبراهيم موسى زريبة”، حول قضايا تتعلق بأسباب الحرب في السودان، والتحولات والتغيرات التي أحدثتها في الدولة السودانية، والشرعية السياسية والاجتماعية التي يستند عليها طرفا الصراع الدائر منذ أبريل العام الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. وتعرض “زريبة” لمواقف بعض الحركات المسلحة -التي كان جزءًا من تحالفاتها في السابق- والتي انحازت بعد الحرب للقتال بجانب الجيش الذي ظلت معه في صراع قرابة الـ 20 عامًا في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة. 

وسابقا، كان “زريبة” عضوًا في تجمع قوى تحرير السودان- قيادة الطاهر حجر، وناطقًا رسميًا باسم الجبهة الثورية، وعمل في العديد من المنظمات المدنية والهيئات المطلبية.

أبرز ما جاء في الحوار:

“إن تداخل السلطات والصلاحيات بين الجهازين التنفيذي والسيادي كان هو السمة الأميز للفترة الانتقالية، وتغوّل الجهاز السيادي على سلطات التنفيذي كان بائنًا. 

بعد حرب الخامس عشر من أبريل، ستتم إعادة تشكيل الجيش السوداني على أسس جديدة، وسيعاد تشكيل الخدمة المدنية (الإدارة) وستتعافي الدولة السودانية من أمراضها. 

كل الكيانات التي تم وصمها بـ”عرب الشتات” و”المستوطنين الجدد” في حالة نفير وفزع ليس بغرض الدفاع عن الدعم السريع أو قيادته وإنما بغرض الدفاع عن وجودها وبقائها المهدد بالفناء والإبادة.

دماء أجداد “عرب الشتات” ساحت ليس في كرري فحسب كما يعتقد بعض أحفادهم، بل أيضًا جرت دماءهم قبل ذلك في “القلابات وتوشكي”، وتلك هي حدود السودان الكبير. 

حرب الدعم السريع هي امتداد لحروب الهامش التي اندلعت من قبل الاستقلال وتعبر عن تطلعات مجتمعات كاملة.

لقد خسر الجيش تلك الحرب الخاطفة وهو الآن في حالة دفاع عن  نفسه وليس عن السودان ولا كرامة السودان

إن قرار تشكيل الإدارة المدنية ضرورة ملحة لتقديم خدمات الدولة المعهودة للمواطن وحفظ أمنه وسلامته، خصوصا أن الحرب أصبحت حربًا مطولة. 

الضحية الأكبر في هذه الحرب هو المواطن السوداني الذي أصبح لاجئًا ونازًحا ومهجرًا، وفقد كل ممتلكاته وأصبح عرضة للمجاعة في ظل انعدام الأنشطة الاقتصادية وعدم تدفق المعونات الإنسانية بشكل سلس.

لقد أصبح المواطن السوداني عرضة للقصف الجوي العشوائي في العاصمة وبعض المدن، وأصبح عرضة للقصف الجوي الانتقائي المتعمد في مناطق ما عرف بـ “الحواضن الاجتماعية للدعم السريع” ومنها الضعين مليط، نيالا، كبكابية”.

أجرى الحوار: البشر العريفي

1- منذ بداية الفترة الانتقالية وصولا إلى حرب الخامس عشر من أبريل، برأيك ما هي الأخطاء الدستورية والقانونية التي أوصلت الحال إلى ما هي عليه في الحاضر؟

هنالك سمات سلبية كثيرة للفترة الانتقالية تتجسد بشكل أساسي في غياب المؤسسات المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية. على سبيل المثال أعاق غياب “مفوضية الخدمة المدنية” معالجة الاختلال في الخدمة المدنية كركن أصيل للثورة، وجعل عمل “لجنة إزالة التمكين” في مجال الخدمة المدنية يبدو أشبه بالتشفي الشخصي بدلًا من أن يكون عملًا مؤسسيًا. وكذلك، غياب المؤسسات العدلية مثل مجلس  القضاء العالي غيّب الركن الثالث لسلطات الدولة: التنفيذية- التشريعية- القضائية. والكارثة هي من ملأ فراغ السلطة القضائية! إن تغييب السلطة التشريعية المقصود به عدم إنشاء البرلمان، بمعنى أنه لا رقيب ولا حسيب على أداء الجهازين التنفيذي والسيادي، والأكثر من ذلك أن يقوم الجهازين التنفيذيين المذكورين بسلطات البرلمان والقيام بالتشريع. 

إن تداخل السلطات والصلاحيات بين الجهازين التنفيذي والسيادي كان هو السمة الأميز للفترة الانتقالية، وتغوّل الجهاز السيادي على سلطات التنفيذي كان بائنًا. ولعل الطامة الكبرى هي قرار (جنرالات الجيش الفاسدين) بالقضاء على مؤسسة الدعم السريع القانونية والشرعية بحرب خاطفة مدتها 6 ساعات بدلًا من اِتباع الخطوات القانونية والدستورية التي قادت لتكوين الدعم السريع ذاته.

بعد حرب الخامس عشر من أبريل، ستتم إعادة تشكيل الجيش السوداني على أسس جديدة، وسيعاد تشكيل الخدمة المدنية (الإدارة) وستتعافي الدولة السودانية من أمراضها.

2- إلى أي مدى تشكل هذه الحرب نقطة تحول جوهرية في تاريخ بناء الدولة السودانية، ومعالجة كافة القضايا؟

لقد أعانت مجموعات سكانية معروفة، في جغرافية محددة، جيش الإنجليز الغازي في حملته على السودان؛ فتشكلت من تلك المجموعات وبشكل حصري قيادات “قوة دفاع السودان”، وتشكلت منها كذلك الخدمة المدنية (إدارة الدولة) التي آلت إليها بشكل كامل بعد سودنة الوظائف. وكان هناك تحيّز لتلك الإدارة ناحية توجيه الموارد والاستئثار بالوظائف الإدارية العليا  وكانت هنالك تصفية حسابات تاريخية. الآن، وبعد حرب الخامس عشر من أبريل، ستتم إعادة تشكيل الجيش السوداني على أسس جديدة، وسيعاد تشكيل الخدمة المدنية (الإدارة) وستتعافي الدولة السودانية من أمراضها. 

أيضًا، سيكون هناك حوار وطني شامل جامع حول قضايا مثل الدين والدولة، الهوية، قضايا الأقليات، إلخ.

3- بوصفك قياديًا سابقًا في الجبهة الثورية، وتمتلك تجربة عمل طويلة داخل أروقة الحركات المسلحة، برأيك ما الأسباب التي أدت إلى انحياز جزء من الحركات إلى صف الجيش الذي كان يقاتلهم لأكثر من عشرين عام؟

هي مواقف مدفوعة الثمن لا أكثر ولا أقل وتشهد بورتسودان أكبر سوق للنخاسة. هذا الأمر ليس بجديد فقد حدث من قبل وفي دول أخرى ومن ذات المجموعات. 

4- ثمة تحولات اجتماعية أفرزتها الحرب، إذ تصاعدت خطابات موجهة من الشمال للغرب والعكس. وهي تحولات أفقية قد تهدد إمكانية التعايش المشترك مستقبلا. هل تتوقع أن يكون لهذه الخطابات أثر سلبي يمكنه أن يؤدي إلى عملية انفصال أم أنها ستنتهي مع انتهاء الحرب؟ 

التناقض الاجتماعي موجود أصلا، لكنه كان مستتر ومربوط بالخلل التاريخي في تكوين الدولة منذ الاستقلال، في تكوين جيشها وفي إدارتها على وجه الخصوص كما ذكرت مسبقا. ما حدث بعد الحرب هو أنه قد تم الإفصاح عن ذلك التناقض الذي ستزيله هذه الحرب إلى الأبد باستئصال الأسباب التي أدت إليه؛ وهي اختلالات متعلقة بتقسيم السلطة والثروة التي يجب توجيهها بشكل منصف لكل أرجاء السودان وإدارة التنوع المجتمعي ومخاطبة قضاياه.

كل الكيانات التي تم وصمها بـ”عرب الشتات” و”المستوطنين الجدد” في حالة نفير وفزع ليس بغرض الدفاع عن الدعم السريع أو قيادته وإنما بغرض الدفاع عن وجودها وبقائها المهدد بالفناء والإبادة.

5- في بداية هذه الحرب شهدنا حملات عنيفة إزاء جنود الدعم السريع، وتجاوزتهم إلى مكونات اجتماعية دارفورية بالخصوص، تركزت بشكل أساسي على وصف هؤلاء جميعا ب “الأجانب” و ” المستوطنين الجدد” وهي خطابات رددها بعض مناصري السودان الجديد قبل الحرب. هل ساهم ذلك في منح شرعية سياسية وأخلاقية للدعم السريع في هذه الحرب باعتبارها حرب وجود بالنسبة له وللمكونات التي ناصرته؟ 

لقد قدم مطلقو هذا الترويج وخطاب الكراهية خدمة جليلة للدعم السريع فأمده الله (بجنود لم يرها) وأصبحت كل الكيانات التي تم وصمها بـ”عرب الشتات” و”المستوطنين الجدد” في حالة نفير وفزع ليس بغرض الدفاع عن الدعم السريع أو قيادته وإنما بغرض الدفاع عن وجودها وبقائها المهدد بالفناء والإبادة.

كان بالإمكان القضاء على الدعم السريع كقوة محدودة العدد -مهما كبر- لكن الآن من الاستحالة القضاء على كيانات ومجتمعات كاملة. 

الفرصة الآن متاحة أمام السودانيين لإطلاق حوار وطني جامع (لا يستثنى أحد)، لوضع الأسس الصحيحة لبناء الدولة السودانية

6- فتحت الحرب أبوابا واسعة للنقاش بين السودانيين والنخب الفكرية على وجه الخصوص إلى أي مدى يسهم ذلك في بلورة وبناء مشروع وطني بأجندة جديدة لصالح كل السودانيين؟

لقد أعادتنا هذه الحرب إلى منصة التأسيس التي هربنا منها كثيرًا، والفرصة الآن متاحة أمام السودانيين لإطلاق حوار وطني جامع (لا يستثنى أحد)، لوضع الأسس الصحيحة لبناء الدولة السودانية، فقط ينبغي على البعض التخلص من روح الإقصاء والتملك، لأن ذلك بعينه ما أدى إلى انهيار الدولة.

دماء أجداد “عرب الشتات” ساحت ليس في كرري فحسب كما يعتقد بعض أحفادهم، بل أيضًا جرت دمائهم قبل ذلك في “القلابات وتوشكي”، وتلك هي حدود السودان الكبير. 

7- كيف تنظر إلى القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية بمنع مكونات اجتماعية معينة من حصولها على الجواز، وهل تتوقع أن يكون لقيادة قوات الدعم السريع رأي تجاه ما يحدث للمواطنين من ممارسات إقصائية؟

حرمان المواطن من حقوقه القانونية والدستورية أمر ينبغي أن يتصدى له الشعب السوداني، لأن في ذلك انتهاك جسيم لحقوق الإنسان. هذا المسلك يعد محاولةً وتمهيدًا لبتر جزء آخر من الوطن، لكن الذين يعملوا على ذلك، تناسوا أن دماء أجداد “عرب الشتات” ساحت ليس في كرري فحسب كما يعتقد بعض أحفادهم، بل أيضًا جرت دمائهم قبل ذلك في “القلابات وتوشكي”، وتلك هي حدود السودان الكبير.

لقد خسر الجيش تلك الحرب الخاطفة وهو الآن في حالة دفاع عن  نفسه وليس عن السودان ولا كرامة السودان. 

8- ظلت قيادة الدعم السريع تتحدث عن أنها تخوض حربًا من أجل استعادة الديمقراطية، مقابل مبررات قيادة الجيش المتعلقة بالدفاع عن الدولة وحرب الكرامة. ما هو تقييمك لهذين الدافعين، وما علاقة كل منهما بالثورة والمواطنة والعدالة الاجتماعية؟

حرب الدعم السريع هي امتداد لحروب الهامش التي اندلعت من قبل الاستقلال وتعبر عن تطلعات مجتمعات كاملة، أما حرب الجيش؛ فقد كانت بقرار مسبق وحسابات خلصت إلى إمكانية القضاء على الدعم السريع بضربة خاطفة وخلال ساعات معدودة، فكان هناك هجوم شامل وفي ذات التوقيت على قوات الدعم السريع المرابطة في ثكناتها ومعسكراتها في العاصمة المثلثة. لقد خسر الجيش تلك الحرب الخاطفة وهو الآن في حالة دفاع عن  نفسه وليس عن السودان ولا كرامة السودان. 

حديث الدعم السريع عن دعم الديمقراطية وإعادة الدولة المدنية أمر مهم للشعب السوداني، لكن يتعين على الدعم السريع دعم (الدولة المدنية الشعبية) وليس (الدولة المدنية الصفوية) التي لا تعبر عن قطاعات عريضة من الشعب السوداني، بل ستكون إعادة إنتاج للدولة القديمة، فالحذر ثم الحذر، لأن حينها لن تكون حرب الخامس عشر من أبريل آخر الحروب في السودان. 

قرار تشكيل الإدارة المدنية ضرورة ملحة لتقديم خدمات الدولة المعهودة للمواطن وحفظ أمنه وسلامته، خصوصا أن الحرب أصبحت حربًا مطولة.

9- ما رأيك في الإدارة المدنية التي تم تأسيسها في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وما مدى أهمية هذه الخطوة للمواطنين  ومساعدتهم في استعادة الحياة لطبيعتها وممارسة أعمالهم بشكل طبيعي؟

لقد سيطرت الدعم السريع على عدة ولايات بالكامل، وعلى أجزاء كبيرة من ولايات أخرى، وهناك غياب للدولة وخدماتها. إن قرار تشكيل الإدارة المدنية ضرورة ملحة لتقديم خدمات الدولة المعهودة للمواطن وحفظ أمنه وسلامته، خصوصا أن الحرب أصبحت حربًا مطولة.

أصبح المواطن السوداني عرضة للقصف الجوي العشوائي في العاصمة وبعض المدن، وأصبح عرضة للقصف الجوي الانتقائي المتعمد في مناطق ما عرف بـ “الحواضن الاجتماعية للدعم السريع” ومنها الضعين مليط، نيالا، كبكابية.

10- ماذا عن مستقبل حقوق الإنسان في السودان وأنت ترى التطورات التي حدثت، ومدى تضرر المدنيين من تلك الممارسات؟

إن الرؤيا قاتمة في هذا المجال، والانتهاكات  جسيمة، والضحية الأكبر في هذه الحرب هو المواطن السوداني الذي أصبح لاجئًا ونازًحا ومهجرًا، وفقد كل ممتلكاته وأصبح عرضة للمجاعة في ظل انعدام الأنشطة الاقتصادية وعدم تدفق المعونات الإنسانية بشكل سلس.

لقد أصبح المواطن السوداني عرضة للقصف الجوي العشوائي في العاصمة وبعض المدن، وأصبح عرضة للقصف الجوي الانتقائي المتعمد في مناطق ما عرف بـ “الحواضن الاجتماعية للدعم السريع” ومنها الضعين مليط، نيالا، كبكابية. لابد من أن تكون هناك تدخلات قوية من الأسرة الدولية لحماية الإنسان السوداني المستهدف بشكل انتقائي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى