
يتضح من خلال مواقف الدول الراعية لمنبر اعادة احياء اتفاقية السلام الذي انطلقت اعماله بالعاصمة الاثيوبية اديس ابابا الاثنين المنصرم ، ان المجتمع الدولي بدأ يطرح مواقفا اكثر تشددا امام اطراف النزاع في البلاد ، وقد نحت الايقاد في ذات المنحي ، من خلال انتهاج لغة التهديد بمعاقبة كل من يسعي لعرقلة عملية استعادة السلام و الاستقرار في جنوب السودان ، وقد كان ذلك واضحا في الكلمات التي القيت بمناسبة افتتاح اعمال المنتدي كما تابعنا في وسائل الاعلام المختلفة.
تتحدث معظم التكهنات عن طبيعة السيناريوهات المستقبلية المتوقعة حال فشل هذه الجولة الحاسمة من عملية احياء اتفاقية السلام بين الحكومة و المجموعات المعارضة الاخري ، وهي تكهنات تنحصر جلها في امكانية ان يكون هناك تدخل دولي عبر الوصايا الدولية المباشرة ، وكانها ستكون النتيجة المباشرة لفشل الوصول الي اي تسوية مقبولة خلال هذه الجولة ، وبناء علي هذا الافتراض يحاول البعض تهيئة الشارع لمواجهة محتملة مع المجتمع الدولي ، وهو امر لانتوقع حدوثه بهذه البساطة لان الخيارات المتاحة امام الاطراف الاقليمية والدولية لم تستنفذ بعد ، كما ان الوصول الي تلك المرحلة لن يتاتي الا بمشاركة الاطراف السياسية ومساهمتها في افشال عملية السلام .
هنالك قضايا اخري لاينبغي تجاهلها في النظر لفرص التسوية والمقترحات المقدمة من جميع الاطراف المتصارعة لوقف الحرب و الاقتتال ، خاصة بعد ان اثبتت التجربة فشل نموذج الاتفاق السياسي المنحصر في زاوية تقسيم السلطة و توزيع الحقائب الوزارية بين الاطراف المتحاربة خلال فترة انتقالية محددة ، فهذا النموذج سيظل هو الدافع لاستمرار الحرب التي ستنتهي حتما بتقسيم الحقائب الوزارية ، دون ان تتفق الاطراف علي تسوية شاملة لجميع القضايا و الازمات التي تعاني منها البلاد ويتأثر بها المواطن الجنوبي البسيط في معاشه اليومي و ماظل ينتظر من خدمات اساسية .
نأمل بان ينصب تركيز الاطراف التي تتحاور حاليا في اديس ابابا بالضرورة علي جملة القضايا الرئيسية التي تتطلب معالجات حقيقية خلال الفترة المقبلة ، وان توضع الاولويات علي اساس تلك القضايا و المتطلبات ، بحيث لايقود الانشغال بقضايا توزيع المقاعد لصرف الانظار عن مسائل الاصلاح والشفافية والمساءلة ، وقضايا الحكم والدستور وماشاكله من مسائل ينبغي ان يتم طرحها من قبل الاطراف الجنوبسودانية المتحاورة والا يتم فرضها عليهم من قبل الوسطاء .
من المؤسف بطبيعة الحال ان يتم التوصل لاي تسوية سياسية تخص الوطن ومستقبله من خلال الضغط الدولي والتلويح بالعقوبات علي كافة الاطراف ، ومن المؤسف ايضا ان نسمع تصريحات لمسئولين حكوميين تتحدث عن عدم قبولها باي اتفاق مفروض عليها من الخارج ، وقد اتضح كيف يقود غياب الارادة السياسية الي افراغ اي اتفاق سلام من محتواه الاساسي مهما حمل من بنود مهمة وضرورية تخاطب جذور الازمة وتنظر لمستقبل البلد.