رأي

الأمم المتحدة .. خصمٌ وحَكَم !

بقلم سلمى التجاني

في الثلاثين من أغسطس الماضي صدر تقرير الأمين العام لمجلس الأمن الدولي عن العملية المختلطة للإتحاد الإفريقي والأمم المتحدة بدارفور ( يوناميد ) عملاً بمتطلبات قرار مجلس الأمن (٢٣٦٣) الصادر بتأريخ ٢٩/٦/٢٠١٧ والقاضي بتقليص القوات ، وتقديم تقريراً كل شهرين عن سير تتفيذ القرار .
جاء التقرير وكأنه مكتوبٌ بقلم الحكومة خاصةً فيما يتعلق بوضع الجماعات المقاتلة بدارفور ؛
فقد تحدث عن تشتتها وإستمرار تشظيها وإنضمام بعضها للحكومة .
كذلك تناول معارك عين سرو ووادي هور وشرق الجبل التي حدثت بين قوات الحكومة وحركة تحرير السودان مناوي والمجلس اللنتقالي لتحرير السوان في أواخر مايو الماضي ، فتحدث عنها بعين الراصد المنحاز ، فبرغم أن الحكومة لم تسمح لقوات اليوناميد الوصول لمنطقة عين سرو إلا بعد أسبوع من الأحداث ، لكن جاء التقرير ليؤكد مقتل (١١) من قوات حركة التحرير ، وإصابة ثلاثة أفراد من قوات الأمن السوداني بجروحٍ طفيفة ، برغم أن تقارير شهود العيان قد أكدت إستقبال مستشفى نيالا لأعدادٍ كبيرة من القتلى والجرحى من قوات الحكومة ، وكأن التقرير أراد أن يقول بأن الوضع على ميادين القتال تحت السيطرة وأن الحكومة قادرة على حسم المعارك هناك دون أن تتكبد خسائر تذكر .
تبنَّى تقرير الأمين العام لمجلس الأمن الرواية الحكومية التي تقول أن قوات حركتي التحرير هي التي بدأت بمهاجمة قوات الحكومة ، فورد في البند الثاني منه ( وقعت إشتباكات متفرقة بين حكومة السودان والحركات المتمردة في دارفور التي شنَّت غارات في أواخر آيار/مايو في شمال دارفور ) برغم التأكيدات الرسمية الصادرة عن حركة تحرير السودان والتي توضح أن قواتها كانت في طريقها للتمركز في مواقعها بشمال دارفور . لم يلتفت مجلس الأمن لتضمين هذه الرواية في تقريره رغم بعده عن مكان الحدث ، وصعوبة استبعاد الرواية ، فمنطق الأشياء يقول أن القوات التي تحاول الوصول لمواقعها تتفادى الدخول في معارك بمنتصف منطقة مكشوفة .
أهمل التقرير ، بالتالي ، الإشارة إلى أن هذه المعارك خرق لوقف إطلاق النار من جانب الحكومة ، وذلك باشتباكها مع قوات التحرير وهي في طريقها لإعادة الإرتكاز بمناطقها ، كذلك أغفل الحديث عن أعداد الأسرى من المجموعات المقاتلة وسوء المعاملة التي قُوبلوا بها من قوات الحكومة ، برغم توفر توثيق على وسائل التواصل الإجتماعي يوضح هذا الإنتهاك لحقوق الأسرى وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقوانين الأمم المتحدة نفسها .
وُصِفت عملية السلام بدارفور وتنفيذ وثيقة الدوحة للسلام في التقرير بالمتواضعة ، ( وقد تفاقم الوضع بسبب رفض الحركات غير الموقعة على وثيقة الدوحة الإلتزام باستئناف المحادثات ) كما ورد نصاً بالتقرير ، وهنا لم تُناقَش وثيقة الدوحة بوصفها وثيقة خلافية بين الحكومة والحركات غير الموقعة ، لكنها جاءت وفقاً للتقرير كإتفاق واجب على الحركات التوقيع عليه ، دون الحديث عن تنازلات من الطرفين ، الحكومة والحركات ، يجب التفاوض حولها ليصبح الإتفاق مرضٍ للطرفين ، فقد تغافل التقرير عن عمد ، تعنت الحكومة في فتح إتفاق الدوحة وتعاملها معه كنصٍ مقدس غير قابل للتعديل .
في يناير الماضي صدر تقرير خبراء الأمم المتحدة بعنوان ( Sudan’s Darfur conflict now limited to 1 area ) ، ليؤكد خلو دارفور من ( التمرد ) إلا في منطقةٍ واحدة ، ليأت الواقع مكذباً ما ذهب إليه تقرير الخبراء ، وذلك عندما إندلعت معارك آواخر مايو الماضي بمناطق متفرقة من دارفور .
وكنت قد ذكرتُ في مقالٍ سابقٍ بتاريخ ١٩/٦/٢٠١٧ عن مفوضات أتلانتا التي كان من المقرر عقدها في السادس من يوليو الماضي بدعوة من مركز كارتر للسلام أوردتُ الآتي  
(قدم فريق خبراء الأمم المتحدة بليبيا تقريراً لمجلس الأمن في الاول من هذا الشهر عن مشاركة مرتزقة من السودان وتشاد في الصراع الليبي ، وقال التقرير الذي أورد اسماء قادة عسكريين من حركتي تحرير السودان – مناوي والعدل والمساواة السودانية ، ان التدخل الأجنبي في ليبيا اخذ شكلا مباشراً بازدياد وجود مرتزقة من السودان وشاد يتمركز نشاطهم في مناطق النفط ، وان وجودهم يعتبر تهديداً مباشراً للأمن والاستقرار الاقتصادي بليبيا ، ويشتمل نشاطهم على اعمال اجرامية تتعلق بالاتجار بالبشر والمخدرات . وذكر تقرير الخبراء أن الحكومة السودانية عبرت عن قلقها من أن وجود هذه المجموعات في ليبيا سيقوض جهود السلام بدارفور ) . وهنا تتوافق تقارير خبراء الأمم المتحدة وتقرير مجلس الأمن الدولي أحد مؤسسات الأمم المتحدة عن مهمة اليوناميد مع الإرادة الأمريكية في التمهيد لخلق رأي عام وسط المؤسسات الدولية يسم المجموعات المقاتلة بدارفور كجماعات معيقة للسلام بدارفور ومهددة للإستقرار بدول الجوار ، ما يزيد عليها الضغط للتوجه لطاولة التفاوض بلا غطاءٍ دولي ، فتبصم على إتفاق الدوحة المقدس .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى