رأيمحمد علي خوجلي

الدولة تجهل أعداد العاملين بخدمتها…

محمد علي خوجلي
محمد علي خوجلي

عرضت بايجاز “حالة الخدمة المدنية في مرحلة التمكين” من حيث دوافع التمكين “أساسه المادي” وآثاره. وكيف تحولت الخدمة المدنية من مؤسسة عامة لخدمة المواطن الى مؤسسة الحزب الحاكم الواحد/ الحزب المهيمن في تعددية حزبية.

ومع الزمن, أمسك “الحزب” بالقيادة في كل القطاعات وبالسلطة الفعلية “الاقتصاد والمال” وهاجر ملايين السودانيين وانتشروا في كل دول العالم من ذوي الكفاءات وغيرهم. فكان من الطبيعي السماح للحلفاء الجدد والأهل والأصدقاء وغيرهم الإلتحاق بجيش الخدمة المدنية الجرار.
وهذه المرة, وأخرى, نحاول التعرف على بعض أبرز مظاهر واقع الخدمة المدنية اليوم مع مخرجات الحوار الوطني من جهة وتحت ظل تحولات ضخمة من جهة ثانية. وهي إندماج الصراع حول السلطة السياسية “من يقود الجماهير؟” مع الصراع حول موارد السودان.
ومن نتائج هذا الإندماج:
1-تغيير طبيعة وأشكال الصراع بين الأطراف الحاكمة والتي خارج الحكم.
 “منع رئيس يوناميد, تحرك القوات الاندونيسية بعد ضبط قطع سلاح وذخائر وعينات من التربة كانت مهربة داخل حقائبها”!
2- يؤثر بقوة على أشكال الصراع داخل الحزب الحاكم/ المهيمن.
3-يربط وثيقاً جميع الأطراف بالمجتمع الدولي ويتراخى مبدأ الدفاع عن السيادة الوطنية, ويفتح أبواب نهب الموارد .
“أنظر وصف قوى الاجماع 27/12/2016م لمعارضين “هم في الأصل يشاركون النظام في توجهاته الرأسمالية الطفيلية”.
ويؤثر كل ذلك بالضرورة على الخدمة المدنية “الذراع التنفيذي للسلطة السياسية” وتختلف الرؤى حول معانى “اصلاح الدولة” و”اصلاح الخدمة المدنية” أما نحن فلا نزال نحلم بإعادة بناء الخدمة العامة كنشاط يومي.
ومن أبرز مظاهر الواقع الراهن للخدمة:
× الفشل في معرفة أعداد العاملين الحقيقية في خدمة الدولة.
× عدم الاستناد على نظام للتنافس الحر على الوظائف والتدرج الوظيفي.
والفشل في التعرف على أعداد العاملين بالدولة من الأمور العادية في الدولة الشمولية بل من أهم سماتها. ونلاحظ ان الرئيس البشير أثار أكثر من مرة أن التمكين تسبب في ضعف وهزال الخدمة المدنية.
اذن فإن أول مظاهر واقع الخدمة: أن أعداد القوى العاملة الحقيقية “مجهولة” فيكون انفاذ مبدأ تقسيم القوى العاملة حسب الحاجة, والهياكل الوظيفية أو وضع سياسات وطنية للاستخدام وغير ذلك هو “دخان في الهواء” ودلالات كثيرة تؤكد ان الدولة السودانية, اليوم, تجهل أعداد العاملين بخدمتها وأبرزها:
1-لم تخل معظم كشوفات المرتبات والأجور في معظم الولايات من أسماء الموتى والمهاجرين والمفصولين والمستقيلين.
2-لسنين عددا نجد “العمالة الشبح” أو الأسماء الوهمية ضمن كشوفات الأجور لأشخاص لا وجود لهم “والعمالة الشبح منتشرة في كثير من المؤسسات وقد تكون منها جامعات!!!”.
3-حدوث عجز في الفصل الأول من الميزانية العامة “المرتبات والأجور” وصل مرة الى نسبة 25% من المبلغ المخصص للفصل.
اذن فان قيادات الخدمة التي تم التمكين لها تجهل أعداد العاملين الحقيقية في المركز والولايات. وأشرنا أنه مع الزمن, تطورت سياسات التمكين وشارك الكوادر الحزبية: “الأهل” و”القبيلة” و”ممثلي المحاصصات” مع كثير من الأجسام خارج الحكم التي تبرم اتفاقيات سياسية أو اتفاقيات مصالحة أو سلام..
ان حوار الأستاذ يوسف عبدالمنان 20/ ديسمبر 2016م مع والي غرب كردفان أفادنا بوقائع, أراحتنا من البحث أو حتى التعليق “الوالي أستاذ جامعي وزعيم قبيلة وسياسي” قال:
“كل الحكومات التي تعاقبت على غرب كردفان تهيبت وضع يدها على ملف الخدمة المدنية باعتباره قنبلة موقوتة قد تودي بحياة من يقترب منها.. في مدينة نجد مواطناً عمره تسعون عاماً, موظفاً يصرف راتباً من الحكومة.. ووجدت طفلاً عمره عشر سنوات موظفاً يصرف راتباً..
وحينما وضعت هذا الملف أمامي نصحني البعض أن ابتعد عنه حتى لا يثور الناس ويتظاهروا في وجه الحكومة رفضت وقمت بمراجعة ملف الخدمة المدنية التي وفرت أموالاً كبيرة جداً ذهبت للتنمية”.
والمادة (17) من قانون الخدمة المدنية 2007م تنص:
“تحتفظ كل وحدة بسجل خدمة لكل عامل يحتوي على البيانات والمعلومات وفق ما تقرره اللوائح”.
 لكن: الملاحظات الثابتة لتقارير المراجعة القومية والولائية ذات العلاقة بالقوة العاملة هي:
1-ملفات خدمة العاملين غير مكتملة من حيث الأوراق الثبوتية (ومن ذلك خلو ملفات العاملين بوزارة العمل نفسها” سارة تاج السر 7 ديسمبر 2014م).
2-موظفين تنتهي خدماتهم ولا ترفع اسماءهم من كشوفات المرتبات والأجور.
3-استمرار استخراج أجور متقاعدين انتهت فترة تعاقدهم ولم تجدد.
4-أسماء وهمية ضمن كشوفات الأجور.
أما تقرير المراجع العام عن العام 2015م فقد أكد أن وزارة المالية “نفسها” لم تتحصل على ايرادات مائة وأربعة من الهيئات والشركات التي تمت مراجعتها بسبب أنها غير مدرجة ضمن ادارة الهيئات والشركات الحكومية!!
أسباب عديدة تجعل إحصاء العاملين في الدولة الشمولية/ الافروقراطية مستحيلاً ومنها تعدد نوافذ التعيين “لجان الاختيار: الوالي: أمين عام الحكومة: رئاسة الجمهورية” الى آخر.
وشغل عاملين أكثر من وظيفة وأضيف الى ذلك الدستوريين الذين الذين يعينوا في مناصب: الولاة/ الوزراء الولائيين/ الوزراء الاتحاديين, المعتمدين “لا أعرف هل رؤساء اللجان بالمجالس التشريعية من ضمن هؤلاء” يملكون صلاحية الاستعانة بعاملين جدد تتباين أعدادهم بين ولاية وأخرى ولكن الحد الأدنى “خمسة” وتتعاقد معهم الجهة التي يتولى ادارتها لشغل وظائف: سكرتير/ مدير مكتب/ مدير منزل/ فراش/ حرس..
ومعلوم أنه يوجد أصلاً عمال وموظفين مؤهلين لأداء هذه المهام. اذن فان هذه “الطواقم” التي يطلق عليها “الوظائف الخاصة” وهي مؤقتة يتم استجلابها لا لملء وظائف شاغرة: فلا يخضعون لمعايير الاختيار في الخدمة وهم دائماً من أهل أو أقارب أو أصدقاء المسئول.
وأجورهم ومخصصاتهم لا علاقة لها بالهيكل الراتبي الموحد للأجور, مع ذلك فان مصروفات طاقم كل مسئول هي خصماً على الفصل الأول من الميزانية العامة وهناك مسئولون يصطحبون طواقمهم المعاونة في أي منصب دستوري يتم تكليفهم به.
ولا أعلم شيئاً عن تعويضات الوظائف الخاصة بعد خروج المسئول. لكن وزير الحكم المحلي قدم لنا المعلومات التالية بشأن أعداد الدستوريين في الولايات “سعاد الخضر 8 ديسمبر 2016م”
وزراء ولائيين 157
معتمدين للمحليات 189
معتمدين للرئاسة 62
نواب المجالس التشريعية 923
وسجل الأستاذ سليمان الفكي عبدالرحمن “21 فبراير 2013م” بعد عام من اعلان الرئيس نهاية مرحلة التمكين ملاحظات هامة ذات علاقة مع الاعلان عن ثلاثين ألف وظيفة ومخاطبة النائب الأول للرئيس – وقتها – للجان الاختيار وهي:
1-لم يتطرق النائب الأول لكيفية الاختيار والمعايير اللازمة ومن يختار؟
2-يكون غريباً تكليف أعضاء لجان الاختيار القديمة بمهمة الاختيار وهم الذين جبلوا على الباطل في الاختيار وظلوا يقدمون أصحاب الولاء السياسي ثم تدرجوا نحو الولاء القبلي والجهوي وقليل من تأثيرات اخرى.
3-كان على النائب الأول أن يوجه بوضوح لمنح الأولوية في التعيين للخريجين غير المستوعبين لعشر سنوات فما دون وكذلك أولوية للتخصصات التي تحتاجها الدولة خاصة في التعليم.
4-اعادة تعيين بعض المفصولين للصالح العام “أو فاقدي الوظائف” والملاحظات سليمة وفي محلها وتفجر عدداً من القضايا سنعرض لها ويهمنا هنا التنافس الحر.
وأفاد رئيس لجنة التربية والتعليم بالبرلمان “سارة تاج السر 1/11/2016م” أن أعضاء هيئة التدريس بالجامعات 17894 منهم 1684 “أستاذ” و2935 “أستاذ مشارك” و6214 “أستاذ مساعد” و7061 “محاضر” و3278 “أستاذ” وجملة المهاجرين حتى ديسمبر 2016م بلغ 4866 “حوالي 30%”.
وأوضحت وزير التعليم العالي والبحث العلمي وجود خلل في توظيف مساعدي التدريس بالجامعات بعدم الاعلان عن الوظائف وانها رفضت ملفات كثيرة لتعيين أساتذة جامعات لهذا السبب وان الشفافية ضرورية في التوظيف بالجامعات.
أما تقرير وزير المالية بولاية الجزيرة “ديسمبر 2016م” حول استحقاقات العاملين المنتهية خدماتهم بقرارات من الوالي “4364” فانه يثير:
1-قضية العمالة المؤقتة, وهي قضية قديمة منذ حقبة “داخل الهيئة” و”خارج الهيئة” أو الذين لهم وظائف معاشية وفي الهيكل الوظيفي والآخرين خارج الهيكل الوظيفي ولا معاشات لهم إلا بعد 3/8/2016م.
2-مستويات أجور أصحاب العقودات.
3-إنهاء الخدمات الجماعي مؤشر لعدم تخطيط القوى العاملة.
ووزير المالية في تقريره اهتم بصرف استحقاقات المفصولين والتي تبلغ في جملتها أكثر من 14 مليون ولجوء بعضهم للقضاء بما يمكنهم من صرف مستحقاتهم وأعدادهم كالآتي:
× متعاقدين بالادارات والوحدات الحكومية 170
× عمالة مؤقتة بعقود مسماة الأجل 2598
× عمالة مؤقتة بدون عقودات 1596
والطريف ان مستحقات المائة وسبعين تعادل استحقاقات ألف ومئتين من العاملين المؤقتين بعقود مسماة الأجل.
والانقاذيون يعلمون:
فمن أهداف المرحلة الأولى من استراتيجية تنمية وتطوير الخدمة المدنية “2002-2006م” (بناء شبكة المعلومات الفرعية وبناء قاعدة معلومات للخدمة المدنية على المستوى الاتحادي).
وفي 12 فبراير 2014م أكدت وزير العمل أنها ستقوم بحصر شامل للعاملين بالدولة وفي 25 يوليو 2016م (عزة ابوعوف) أكد تقرير المراجعة لولاية الخرطوم 2015م “استخراج مرتبات لعاملين مفصولين أو متوفين”.
ونواصل
khogali17@yahoo.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى