السلطة الانتقالية .. بعد عامين على تكوينها أمام طريق مسدود
صلاح الدومة: صراعات الشركاء وغياب هياكل الحكم تهدد الفترة الانتقالية
خبير استراتيجي: مكونات الحكم الانتقالي ليست على قلب رجل واحد
قيادي بالجبهة الثورية يشدد على ضرورة وحدة مكونات الحكم لتجاوز تحديات فترة الانتقال
ساطع الحاج يقر بوجود أزمة حقيقية داخل مكونات الحكم الانتقالي
تقرير- سفيان نورين
رغم مضي أكثر من عامين على تكوين السلطة الانتقالية في السودان، وتوقيع “الوثيقة الدستورية” و”اتفاق السلام” بين شركاء الحكم لإدارة الفترة الانتقالية، ما تزال الخلافات والمشاكسات تدور بين مكونات الحكم الانتقالي التي تناطح بعضها البعض، الأمر الذي عرقل تنفيذ مهام الفترة الانتقالية، وفتح الباب واسعاً أمام احتمالات الانقضاض على حكومة الثورة، لا سيما في وجود سخط شعبي جراء تأزم الأوضاع الاقتصادية والانفلات الأمني.
الوقوف ميدانياً
تأتي هذه الخلافات في وقت زار فيه مؤخراً، الخرطوم، مفوض الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، برفقة محمد الحسن ود لبات، وسيط اتفاق توقيع “الوثيقة الدستورية” بين المجلس العسكري الانتقالي – المكون العسكري حالياً- وائتلاف قوى الحرية والتغيير، للوقوف ميدانياً وتقييم تلك الشراكة، ومدى إنجازها لمهام الفترة الانتقالية.
وكثيراً أظهر شركاء الحكم جاهدين أنهم وحدة متماسكة، بيد أن واقع الصراعات الذي لازم مكونات ومسيرة الفترة الانتقالية أظهر العكس، حيث وقعت العديد من الصراعات بين المكون العسكري والمكون المدني من جهة، وبين مكونات قوى الحرية والتغيير وفصائل الجبهة الثورية من جهة أخرى، مما انعكس سلباً على عدم إكمال هياكل السلطة الانتقالية، خاصة المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية.
استمرار الخلافات
لم تبارح تلك الصراعات مكانها منذ تشكيل حكومة الفترة الانتقالية 2019، واستمرت حتى عقب توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة الانتقالية وحركات الكفاح المسلح في جوبا، عاصمة جنوب السودان، في الثالث من أكتوبر الماضي، بل ظلت عقب تكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية توحد الرؤى حول القضايا الخلافية بين الشركاء.
وتبرز نقاط الخلافات في تغول المكون العسكري على سلطات وصلاحيات الجهاز التنفيذي، لاسيما ملف السلام والعلاقات الخارجية، مما دفع عدداً من قيادات قوى ائتلاف الحرية والتغيير لرفض ذلك الأمر، داعين للالتزام بالوثيقة الدستورية، إلى جانب تجاهل الحكومة سياسات وبرامج قوى الحرية والتغيير، الحاضنة السياسية للحكومة، والمضي في إنقاذ سياسات صندوق النقد الدولي الذي أسفر عن رفع الدعم عن الوقود مؤخراً.
كما أن هنالك صراعاً يدور بين قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة في حصص مقاعد المجلس التشريعي الانتقالي، وتمسك كل طرف بتمثيل الأغلبية.
نبذ الخلافات
ولرأب الصدع بين مكونات الحكم الانتقالي، التأم في مايو المنصرم، اجتماع بين رئيس المجلس السيادي، عبد الفتاح البرهان، والمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، تم خلاله الاتفاق بين مكونات الحكم على وحدة قوى الثورة، ونبذ الخلافات، وتوحيد الرؤى لتجاوز التحديات التي تواجه السودان.
وأكد ممثل المجلس، رئيس حزب الأمة القومي، برمة ناصر، حينها، أنهم كحاضنة سياسية حريصون على العمل مع الجهاز التنفيذي والسياسي والعسكري وجميع الشركاء، والتصدي لكل ما يعرقل مسيرة الفترة الانتقالية.
مبادرة حمدوك
خلافات الحاضنة السياسية دفعت برئيس الوزراء، الدكتور عبدالله حمدوك، إلى إطلاق مبادرة الثلاثاء الماضي، لتوحيد قوى الثورة وحماية الانتقال الديمقراطي في البلاد. وبالفعل ابتدر حمدوك، لقاءات ومشاورات واسعة مع قيادات السُلطة الانتقالية والقوى السياسية والمدنية وقوى ثورة ديسمبر، بخصوص مبادرته الموسومة بـ (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام). وتهدُف المبادرة بالأساس لتوحيد مكونات الثورة والتغيير وإنجاز السلام الشامل، وتحصين الانتقال الديموقراطي وتوسيع قاعدته وتحقيق أهداف وشعارات ثورة ديسمبر المجيدة: (حرية، سلام وعدالة).
تحذيرات غير مسبوقة
استبق حمدوك مبادرته بإطلاق تحذيرات غير مسبوقة، واصفاً الأجواء الحالية بأنها تنذر بالفوضى وإدخال البلاد في حالة من الهشاشة الأمنية، بل قال إن البلاد مهددة بالدخول في حالة من التشظي والانقسام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية.
تهديد الحكومة
الصراعات بين مكونات الحكم الانتقالي دفعت بعناصر النظام البائد إلى ترتيب صفوفهم وعقد مؤتمر الشورى، وتهديد الحكومة الانتقالية بالاستماع إلى مطالب المتظاهرين أو الطوفان، إلى جانب تفويض رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات، الناظر محمد الأمين ترك، القوات المسلحة إلى إدارة البلاد.
تغول عسكري
القيادي بائتلاف قوى الحرية والتغيير، ساطع الحاج، أقر بوجود مشاكل بين مكونات الحكم الانتقالي، وتحالف قوى الحرية والتغيير، لافتاً إلى أن مهاجمة عضو مجلس السيادة المستقل، عائشة موسى، يؤكد بوجود ما أسماه أزمة حقيقة. وأشار ساطع في حديثه لـ (الجماهير)، إلى تغول المكون العسكري على نظيره المدني، والتغريد خارج صلاحياته المنصوصة في الوثيقة الدستورية.
وحدة الشركاء
ودعا القيادي بائتلاف قوى الحرية والتغيير (الحاضنة السياسية للحكومة)، إلى توحيد قوى الثورة ومكونات تحالف قوى الحرية والتغير للحفاظ على الفترة الانتقالية وتنفيذ أهدافها. وحذر المكون العسكري من التغول على المكون المدني بالحكومة الانتقالية في محاولة بالانتهاء إلى عسكرة كافة الدولة. وأكد بأنه لولا الظروف التي أملتها فترة ما بعد سقوط النظام البائد، ما كان ينبغي أن تكون هنالك شراكة مع المكون العسكري.
بالمقابل، أكد القيادي بالجبهة الثورية، رئيس مكتب حركة تحرير السودان – شرق دارفور، عبد الماجد طالبان، أن الصراعات التي تدور بين تحالف قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري منذ توقيع (الوثيقة الدستورية) تظل أكبر مهدد لمستقبل الشراكة ونجاح الفترة الانتقالية. وربط طالبان عدم إكمال هياكل الحكم الانتقالي، خاصة: المجلس التشريعي، ومجلس القضاء العالي، والمجلس التشريعي الانتقالي، والمحكمة الدستورية، باستمرار دوامة الخلافات بين الشركاء، بالإشارة للجبهة الثورية التي قال إنها تطالب برئاسة المجلس التشريعي.
تهديد الانتقالية
وشدد عبد الماجد طالبان على ضرورة اصطفاف ووحدة جميع مكونات الحكم لتجاوز تحديات الفترة الانتقالية وتنفيذ مهامها، بإكمال هياكل الحكم، وإنجاز عملية السلام مع عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، وصولاً إلى انتخابات حرة وشفافة بنهاية الفترة الانتقالية.
قلوب شتى
الأستاذ الجامعي د. محمد يوسف، وضع في حديثه لـ (الجماهير)، جملة من النقاط حول مستقبل الشراكة بين مكونات الحكم، في ظل خلافات الشركاء والوضع الاقتصادي والأمني الراهن. وأوضح أن أساس الخلاف داخل مكونات الحكم الانتقالي، يكمن في مكونات ائتلاف قوى الحرية والتغيير، وفي المكونين العسكري والمدني اللذين يتضمنا قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية، إلى جانب صراع الجهاز التنفيذي وحاضنته السياسية – قوى الحرية والتغيير.
غياب الرؤية
وأكد يوسف أن معطيات الواقع تؤكد أن شركاء الحكم الانتقالي ومكوناته ليسوا على قلب رجل واحد، وإنما شركاء في حكومة واحدة وقلوب شتى، وأردف: “الصراع في الشق المدني يتمحور في الجانب الفكري والأيديولوجي بين القوى السياسية، خاصة حزب البعث والشيوعي، والأخير وحزب الأمة القومي”، مؤكداً أن ذلك الإشكال يصعب التوحد فيما بينه. وأشار إلى أن المكون المدني منذ أبريل 2019 لم يتوصل قادته إلى اتفاق عدا إسقاط نظام الرئيس المخلوع، وأنه لم يتم عقب ذلك على برنامج ورؤية للبناء، مما أسفر عن وضع تتهاوى فيه الحكومة الآن وما يعانيه المواطن السوداني.
وأكد أن المشهد الآن يصعب التنبؤ بالمرحلة القادمة من عمر الفترة الانتقالية، على الرغم من احتمالية توقع كافة السيناريوهات حال استمرار الصراع والخلافات بين مكونات الحكم الانتقالي. وأضاف: “آن الأوان لتوحيد جميع مكونات الحكم الانتقالي، وإجراء مصالحة سياسية لمجابهة تحديات الانتقال، أو اندلاع حرب أهلية والطوفان”.
ضياع الثورة
المحلل السياسي، د. صلاح الدين الدومة، في حديث مقتضب لـ (الجماهير)، رسم صورة قاتمة عن مستقبل شركاء الحكم الانتقالي، مؤكداً أن الوضع الآن جراء صراعات الشركاء وغياب هياكله الحكم، مهدد للفترة الانتقالية، لا سيما في ظل ما وصفه بضياع الثورة وعودة عناصر النظام البائد إلى الواجهة.