تقارير

السودان.. تغييرات أمنية ذات أبعاد اقتصادية

بقلم:عادل عبد الرحيم  

 

 

بعد اندلاع احتجاجات شعبية في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى تنديدا بالغلاء، منذ مطلع العام الحالي، اختط الرئيس السوداني عمر البشير طريقا مغايرا لما هو معروف، حيث أقال وأعفى مسؤولين تنفيذيين، وعين آخرين محلهم.

فيما المتداول هو أن الأزمة الاقتصادية في السودان يتحمل مسؤولياتها وزراء القطاع الاقتصادي (المالية، والتجارة، والاستثمار، والصناعة)، فكان متوقعا أن يطولهم التغيير.

ورأى صحفيون وسياسيون وأعضاء في حزب المؤتمر الوطني الحاكم والبرلمان السوداني، أن الإصلاح يبدأ بإقالة وزراء الاقتصادي بالبلاد، لفشل سياستهم.

وقال عضو القطاع السياسي بالحزب الحاكم عبد السخي عباس، في حديث سابق للأناضول، إن “بعض المعنيين بقضية الاقتصاد والموازنة يعتقدون أن الوضع يمكن أن يتحسن في المستقبل، ولكن لا تظهر أي مؤشرات بأن هناك تحسنا”.

إلا أن البشير كان ينظر في جهة أخرى، معتبرا أن الأزمة مفتعلة، وأن الإصلاح يبدأ بتغيير في الأجهزة التنفيذية، لذا بدأ بجهاز الأمن والمخابرات، أقوى أجهزة حكمه، ثم عين مساعدا جديدا له، وهو نائبه في الحزب الحاكم أيضا.

فقد أدى فيصل حسن إبراهيم اليمين الدستورية، الخميس الماضي، مساعدا للرئيس السوداني.

دواعي قرار البشير، وفق خبراء، هو مواجهة ثلاث قضايا داخلية، هي: الأزمة الاقتصادية، وحراك المعارضة، والغضبة الشعبية.

وللعبور من هذه القضايا بعقباتها المتفرعة، اتخذ البشير ثلاث خطوات، وهي: تعديل في قيادة الأمن، وتغيير على مستوى الرئاسة، وإجراءات اقتصادية مصحوبة بتوعد االمهربين والسماسرة.

** قضايا متشعبة

خلال الفترة الماضية شغلت الحكومة السودانية قضية التدهور الاقتصادي المستمر، لا سيما بعد أن رفعت الحكومة سعر الدولار الجمركي من 6.9 إلى 18 جنيها.

وتلك كانت بداية انخفاض قيمة العملة السودانية مقابل العملات الأخرى إلى أرقام غير مسبوقة، حيث تجاوز سعر الدولار الأمريكي حاجز الـ 40 جنيها للمرة الأولى، مطلع فبراير الجاري.

ويعاني السودان شحا في النقد الأجنبي منذ انفصال جنوب السودان عام 2011، حيث فقد ثلاثة أرباع موارده النفطية، بما يقدر بـ 80 % من موارد النقد الأجنبي.

ارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة العملة المحلية، دفعا البشير إلى تشكيل لجنة برئاسته لوقف التدهور.

وصاحب ذلك تهديد من رأس الدولة وأعضاء حكومته “بالضرب بيد من حديد” على المتلاعبين بقوت الشعب والمتاجرين في السوق الموازية (السوداء)، على حد قولهم.

وكذلك التلويح باستخدام عقوبات أشد صرامة في مواجهة المتهمين بالتعامل في السوق السوداء، وذلك بتهم الإرهاب وغسيل الأموال، وتصل عقوباتها إلى الإعدام.

المحلل السياسي والأستاذ الجامعي آدم محمد أحمد، رأى في حديث للأناضول أن “البشير وحكومته يواجهون أزمة اقتصادية مستفحلة بسبب الفساد الكبير”.

واعتبر أن “الحديث عن إجراءات اقتصادية أو تغييرات في الأشخاص (المسؤولين) لن يحل المشكلة ولا علاقة له بالاقتصاد”.

وتابع: كل ما تم من إعفاء وتعيين هو لقضايا أخرى تخص الرئيس البشير وترشحه للرئاسة في 2020، ولا علاقة له بالأزمة الاقتصادية التي ربما تؤدي إلى ثورة جياع ضد الحكم”.

ولا يحق للبشير الذي تولى السلطة عام 1989، الترشح لفترة رئاسية جديدة في انتخابات 2020، إذ يتطلب الأمر تعديل الدستور.

أما الكاتب والصحفي إسماعيل حسابو، فقال إن “العقبة التي تواجه البشير هي الأزمة الاقتصادية، ولا يوجد شيء خلاف ذلك”.

وشدد حسابو في حديث للأناضول، على أن “التعديلات التي انتهجها البشير تعود إلى محاصرة هذه الأزمة فقط، وليس غيرها”.

** حراك المعارضة وغضب الشارع

احتجاجات مدينة بحري

حراك المعارضة في الشارع أزعج الحكومة، فتصاعدات اتهاماتها ومنها أن “مخابرات دول تسعى إلى إثارة الفتن في البلاد”، وأن “المعارضة تريد استغلال الغلاء لإسقاط النظام”.

وقال البشير في 8 فبراير الجاري، إن “الحكومة عازمة على قطع الطريق أمام المتربصين والمتاجرين ومروجي الأزمات بين الشعب السوداني”.

بدوره، قال أمين التعبئة السياسية بالحزب الحاكم عمار باشري، في وقت سابق للأناضول: “هناك تهويل للأمر لإحداث ربكة، وكثير جدا من أصابع مخابرات الدول تزيد من ناره لخلق حالة من الخوف والهلع وسط المواطنين، بما يحقق أهدافهم بالخروج عن النظام”.

ورددت الحكومة في تصريحات متكررة لمسؤوليها، أن التظاهر السلمي حق، وأنها ترفض التخريب.

وتدفع المعارضة بأنها قادرة على قيادة الشارع إلى مزيد من الاحتجاجات، رغم حديثها الدائم عن التضيق الحكومي على نشاطها عبر استخدام القوات الأمنية.

فيما لا ترى الحكومة في المعارضة قدرة على تحريك الشارع ضدها، وتصفها بالعاجزة حتى عن وحدتها مع بعضها.

وتردد الحكومة أن محدودية التظاهر تدل على أن المعارضة بعيدة عن الشارع أكثر منها، مستدلة بالاستقرار الأمني والسياسي الذي تشهده البلاد في السنوات الماضية.

ورأى حسابو أن “المعارضة ضعيفة من وجهة المسؤولين الحكوميين، والبشير وهو يقود الحكم يعلم أنها لا تشكل تهديدا لحكمه، لذلك توجه صوب إجراء التعديلات بالدفع بقيادة تنفيذية منضبطة أكثر في تعييناته الأخيرة”.

لكن الأكاديمي آدم محمد أحمد اعتبر أن “المعارضة ليست ضعيفة بقدر ما هي مستضعفة، بسبب القبضة الأمنية والتضييق الذي تم عليها طوال سنوات حكم الإنقاذ (1989 ـ 2017)”.

** حلول البشير

صلاح قوش

عمد الرئيس السوداني إلى إجراء “إصلاحات” لمجابهة ما تواجهه الحكومة من عقبات، حيث أجرى تغييرات في القيادات الأمنية، وهو ما بدا غريبا للكثيرين.

إلا أن التركيز على جهاز الأمن والمخابرات باعتباره قادرا على محاصرة أسباب الأزمة الاقتصادية من تهريب سلع مدعومة، ومضاربة في أسعار العملات، وجدا حظا من التأييد من الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة في الحكم.

ويتوسع دور الأمن حتى في متابعة أداء أي جهة تخرق النظام، وتتجاوز التعامل في العملات الأجنبية، وضوابط البنك المركزي السوداني، وذلك بهدف إيجاد اقتصاد مستقر بعيدا عن المضاربة.

وبعد توليه منصب مدير عام جهاز الأمن والمخابرات، توعد صلاح عبد الله (قوش)، الاثنين الماضي، بملاحقة المضاربين في الأسواق ومهربي السلع المدعومة إلى الخارج.

وتابع أن البعض “يعبث بمقدرات البلاد ومقوماتها ونظامها الإداري، ويشوهون دولاب العمل المدني، ويسعون أيضا إلى إضعاف العملة الوطنية والنيل من سمعة الجهاز المصرفي”.

دوافع البشير تبدو منطقية لدى بعض المراقبين، باعتبار أن القضية الاقتصادية تحتاج إلى أدوار متكاملة أمنية وسياسية واقتصادية.

ولهذا جاءت التعديلات على مستوى القيادة الأمنية، وأيضا على مستوى الرئاسة بتعيين فيصل حسن إبراهيم مساعدا للرئيس السوداني، بديلا لإبراهيم محمود.

فيما يرفض آخرون هذا النهج باعتبار أنه سيؤدي إلى مزيد من الفشل، لأنه حتى الآن لا يزال ارتفاع الأسعار مستمرا.

في هذه الأجواء يزداد الترقب لتعديل وزاري على حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في مايو ، من 31 وزيرا و42 وزير دولة، و4 مساعدين للرئيس.

فقد نقلت صحف محلية عن مساعد البشير فيصل حسن إبراهيم، أن “هناك تغييرا وزاريا خلال الأيام القادمة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ