السودان و إريتريا .. هل يسكت “إنتاج العدو” سؤال الخبز ؟
2018-02-09آخر تحديث 2018-02-09
25 4 دقيقةقراءة
عباس محمد إبراهيم
بعيداً عن أسعار الخبز، هناك شبه إتفاق بين السودانيين، على ضرورة التغيير، وأن الوقت قد حان للحديث بشكل واضح بشأن مستقبل سودان ما بعد البشير.
خلال أشهر السنة المنتهية 2017 تراكم الرفض بشكل لافت، وبدأ الناس في التفكير بشكل جاد في رحيل النظام، ولم يكن هناك سوى قلة داخل الحزب الحاكم يدافعون عن استمرار الرئيس الذي استولى على السلطة فى عام 1989م.
فالبشير المدرج فى قائمة المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية لارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب وابادة جماعية فى منطقة دارفور، افلت أكثر من مرة من ازمات ومطبات هددت سلطته، اخرها سبتمبر 2013 عندما تصدت قوات الأمن إلى شباب وطلاب المدارس الثانوية بالرصاص الحي بعد خروجهم في مظاهرات بالخرطوم وعدة مدن سودانية، احتجاجا على رفع الدعم الحكومي عن الوقود والخبز.
اليوم الخناق يشتد أكثر على نظامه، و المؤشرات جميعها تقول أن الجنرال ذو 74 سنة يعيش أخر أيام حكمه المستمر نحو 29 عاماً، فالتدهور الاقتصادي وحالة التململ داخل الحزب الحاكم أكثر وضوحاً من أي وقت مضى يغذيها تقدم الرئيس البائن في السن، و خزائن الدولة الفارغة التي لن تشجع العسكرين واصحاب المصلحة لتصدي و قمع الغضب الشعبي المرتقب، فلا حوافز تنتظرهم إن نجحوا ولا عمراً يسعف الجالس على الكرسي للتعويض وتقديم الضمانات.
بالمقابل تصاعد حالة الرفض وسط الناس وانفجار الغضب نذره لم تعد خافية على أحد، الجميع في العاصمة الخرطوم ومدن البلاد المختلفة لا يتحدثون عن شئ سوى التحرك وتنظيم الاحتجاجات الرافضة لسياسات النظام الاقتصادية التي اقرها قبل أيام وبدأ في تطبيقها فعلياً اليوم.
هذا مازق ربما لن يجد النظام، إي حيله امامه لإمتصاص غضب الناس، سوى توزيع الاتهامات وإنتاج عدو خارجي يصرف به الانظار ويكسبه بعض الوقت للخروج وايجاد حلول.
لذا الحديث عن تحركات بالحدود الشرقية للبلاد مع دولة إريتريا و استدعاء الخارجية في الخرطوم إلى السفير السوداني لدى القاهرة بشكل عاجل، لا يمكن فهمها غير محاولات يقوم بها النظام لتشجيع شائعة وجود استهداف خارجي يرغب أن يحوله إلى مسكنات لإسكات صوت الرفض المتصاعد قبل انفجاره في الشوارع، لكن هل إنتاج صورة العدو بإمكانها أن تصمد ؟ فالناس الآن لا يطالبون بحرية التجمع او إلغاء قوانين بعينها هناك امر محدد يحتاجونه هو الخبز لا غير.
حسنا دوعنا نساير دعاية وجود تهديد خارجي يتربص بالبلاد، وتحديداً من قبل مصر و إريتريا فان كان الأمر كذلك فالمطلوب من الخرطوم بدلاً من استدعاء السفير و تحريك الحشود العسكرية النظر إلى ملفاتها الأخرى واخراج كرت (الرياض أبوظبي) لا غير فالقاهرة يتم ضغطها بالأولى و أسمرا يمكن إسكاتها بالأخيرة, وهي مناورة لن تكلف الخرطوم سوى رفع الهواتف والتحدث عن قواتها المنتشرة في اليمن.
لكن لان الشائعة وكل الحكاية تسويقها لا يستهدف سوى الداخل و الغرض منه صرف الناس عن لهيب الأسعار و دفعهم لتقبل عجزهم في توفير ما يسد رمق الأسر والإنشغال بعدو متخيل.
نظام البشير الذي افلست تكتيكاته كما خزائنة لا حل بيده غير سياسة إنتاج العدو أو “الفزاعة” و رغم انها سياسة قديمة لكنها دائماً قابلة لتحديث والابتكار، وهي لعبة تعشقها الانظمة الديكتاورية كلما حار دليلها و ضاقت الخيارات امامها، تلجأ إلى اختلاق عدواً وتحويله إلى فزاعة تسيطر على مخاوف الشعب، فيتحول انتباهه عن الأمور الأساسية.
وهو ما يحدث الآن تماماً، لأن حقيقة الأمر تقول أن ما بين الخرطوم وأسمر عامر لا يعكر صفوه حلف الأخيرة مع مصر أو غيره، ففي 18/19 ديسمبر من السنة المنتهية وصل نائب الرئيس بكري حسن صالح برفقة مدير المخابرات محمد عطا بشكل مفاجئ إلى العاصمة الإريترية أسمرا، في زيارة تكتمت عليها السلطات في أسمر وكشفت عنها الخرطوم لكن بعد عودة نائب البشير وزعيم الجاسوسبة إلى البلاد صباح الجمعة..
تلك الزيارة التي وصفتها مصادر المركز الأريتري للخدمات الإعلامية عدوليس بانها امنية بامتياز، أسفرت عن عدد من التفاهمات بين أسياس افورقي وبكري حسن صالح، من ضمنها إستئناف شركة البحر الأحمر نشاطها التجاري عبر الحدود السودانية، بعد توقف استمر لمدة عامين .
لكن مباحثات الطرفين التي أستمرت ساعات طويلة فشلت في وضع محددات واضحة للتجارة البينية، و التفاهمات بينهما حول التطبيع الأمني على الحدود اصطدمت عند طلب أسمرا إبعاد قائد عسكري رفيع يحمل رتبة اللواء من الحدود الإريترية السودانية كشرط رفضه الجانب السوداني .
الثابت في علاقات السودان و إريتريا ، هو اتهام الأول للأخيرة منذ سنوات بالتنصل من الايفاء بالمعاهدات الخاصة بالتجارة عبر السبل الرسمية ، واعتمادها على رجال التهريب المرتبطين بعدد من الأذرع الحزبية والأمنية الإريترية لنقل البضائع والسلع المهربة من السودان ، لكن وفي السنوات الثلاثة الأخيرة إهتزت الثقة بين شركة البحر الأحمر التابعة للقطاع الاقتصادي للحزب الحاكم الإرتري، والتجارالسودانيين، بسبب إصدار السلطات الإريترية لقرار وقف تجارة “الترانزيت” واحتجاز عدد كبير من الحاويات المملوكة لتجار سودانين في ميناء مصوع لمدة قاربت الثلاثة أعوام.
ولفهم لماذا ظهرت قوات الدعم السريع الخميس على الحدود الشرقية وإعلان حالة الطوارئ في كسلا 28 ديسمبر الماضي ؟ تقول مصادر سمتها (عدوليس) بالمقربة من افورقي أن اجتماعه و نائب الرئيس السوداني اعقبته تحركات في أسمرا قام بها وزير التجارة والصناعة الاريتري نصر الدين بخيت، الذي يشغل أيضا رئيس مجلس إدارة شركة البحر الأحمر التابعة للحزب الحاكم الإرتري وقدم دعوة لعدد من رجال الأعمال السودانيين إلى اجتماع هام تقرر عقده في مقر إدارة الشركة ببلدة (علي قدر) الحدودية في خلال ساعات.
حسنا فالتحركات العسكرية السودانية هناك تهدف لقطع الطريق أمام التحرك الارتري، بعد أن حصل على معلومات مفادها ان أسمر تخطط لإستئناف نشاط شركة البحر الأحمر خارج التشريعات التجارية السودانية، وهو ما عجل بإعلان حالة الطوارئ ايضاً وتشير المصادر إلى علاقة والي ولاية كسلا آدم جماع المتوترة مع السلطات الإريترية عكس سلفه محمد يوسف آدم.
كل ما سبق لا يبعث المخاوف فهو تكرار لجولات متعددة وصور حقيقية لشكل التفاهمات والتشاكس القديم بين الدولتين والذي لم يدفعهما من قبل لمواجهات ولن يقودهما الآن، لكن كليهما في حاجة إلى اظهار حالة الرعب وتصديرها إلى مواطنيهم حتى تتحول إلى مسكنات تسكت حالة الغليان الداخلي الذي يهدد عرش افورقي و البشير في البلدين وهو ما تقوم به القاهرة بين الحين و الأخر مع الخرطوم لحماية السيسي هناك.
لا احد يعلم متى ينفجر غضب الناس في الخرطوم، لكن الذي لا جدال فيه ان البشير امام امتحان عسير و حكمه تنتظره أيام عصيبة إذا كتب له الخروج من أزمة الخبز ففي انتظاره ازمات الوقود وغاز الطهي وبدون شك إنفلات اسعار جميع السلع في غضون الأيام القليلة المقبلة.
كل هذه المطبات مع تصاعد رغبة السودانيين في التغيير، لن يفلت منها الرجل وقد تعصف به، و لمعرفة ذلك، أنظروا إلى كم الصور ومقاطع الفيديوهات والتعليقات التي تسخر من الجنرال المستبد، على الشبكات الاجتماعية، وتذكروا كيف كان ظهور المعزول روبرت موغابي على الشبكات نفسها قبل سنتين؟ ، تلك المشاهد والصورة المهزوزة لطاغية زيمبابوي وتدهور بلاده الاقتصادي كانت بداية النهاية لحكمه الذي أستمر 37 عام و أنتهاء قبل شهور قليلة دون رجعه ولن يكون البشير قاعدة شاذة.