رأي

الطيب علي حسن يكتب: حرب 15 أبريل أو لحظة الانهيار التاريخي لدولة (56)

بدءا نشير إلى أن حرب 15 أبريل، تأتي ضمن سلسلة حروب طويلة الأمد، بالنظر إلى أن السودان، كان قد دخل في دوامة من العنف والحروب الأهلية عقب الاستقلال، أو حتى قبيله بعام مع توريد (1955)، الذي مثل رفض الجنوبيين العنيف لسيطرة النخب الشمالية على وظائف السودنة وتهميشهم، وأيضا على عدم النظر في مطالبهم بفيدرالية الدولة. وبداهة، تشير دوامة الحروب الأهلية هذه، إلى وجود مشكلات بنيوية ذات صلة بطبيعة السلطة في مؤسسات الدولة تاريخيا، تعمل على خلق شروط اجتماعية لهذه الحروب والتمردات، خاصة وأنها كانت دائما ما تنشأ حول المظالم التاريخية المتمثلة في التهميش الاجتماعي والتطور غير المتكافئ بين أقاليم السودان. ونشير هنا أيضا، إلى أن الصراعات المسلحة والحروب الأهلية في السودان عقب الاستقلال، كانت قد تمخضت عن توقيع أكثر من (46) اتفاقية للسلام. وجدير بالذكر، أن أي منها لم تنجح في تأسيس سلام دائم بين أطراف الصراع؛ نظرا لأن جميعها كانت تعاني من نقطة ضعف مشتركة، ألا وهي التركيز على إنهاء الصراع عبر تسوية سياسية دون معالجة جذوره، وبالتالي دون معالجة الأسباب الحقيقية للحروب، والاكتفاء بالتسويات السياسية.

إن أسباب حرب 15 أبريل، وكذلك أسباب الحروب التي سبقتها، تجد جذورها بعيدا في الحقبتين الاستعماريتين اللتين خبرهما السودان، وكذلك في الطبيعة الاحتكارية لجهاز سلطة دولة (56) ومؤسساتها استعمارية الطابع، كما أنها أيضا، متجذرة في التناقض الرئيسي بين القوى الاجتماعية التي تتصارع حاليا، ذلك أنها ذات صلة بالتفاوت من حيث نسب المشاركة السياسية والتنمية الاقتصادية، وبدرجة أولى، في عمليات العسكرة والتهميش التي تعرضت لها مجتمعات بدو غرب السودان الذين يشكلون القاعدة الاجتماعية لقوات الدعم السريع. وباختصار هنا، تجد حرب 15 أبريل جذورها التاريخية في التشكل الاستعماري للدولة الحديثة في السودان، وفي الصراعات  طويلة الأمد والاضطرابات الدائمة التي طبعت تاريخ السودان عقب الاستقلال. ولعل أهم ما يؤكد أن حرب 15 أبريل ذات جذور تاريخية بعيدة، ذلك الانقسام الحاد والتفسخ الذي تجذره داخل النسيج الاجتماعي الوطني السوداني؛ والذي يتمظهر في تراجع الحس القومي بالتزامن مع تنامي فعالية الانتماءات الجزئية مثل الإنتماء القبلي والجهوي، على حساب الانتماء الوطني. وفي ذات السياق، يتمثل التمظهر الآخر لتفكك والنسيج الاجتماعي الوطني، في الاصطفاف الجهوي/القبلي حول أطراف الحرب؛ حيث نلاحظ أنه وعقب اندلاعها، تحولت القوات المسلحة بسبب طبيعتها الجهوية والقاعدة الاجتماعية الضيقة لقيادتها العليا -تاريخيا- التي تتركز في الوسط والشمال، إلى استقطاب وتجنيد المقاتلين في الجغرافيا النهرية أو الجغرافيا التاريخية لسنار أو سلطنة الفونج، حيث الوجود التاريخي للقوى الاجتماعية النهرية التي تهيمن تاريخيا على مؤسسة الجيش والدولة ككل.

أيضا، نلاحظ أنها ونتيجة ارتباطها التاريخي أيضا بالقوى الاجتماعية العربية الرعوية (بدو غرب السودان)، فإن قوات الدعم السريع  أصبحت تمدد وتجند بشكل أساسي في دارفور وكردفان؛ وهو الأمر الذي يؤكد أن حرب 15 أبريل الحالية، تهدد بتفكك النسيج الاجتماعي، الهش أصلا بسبب أن سياسات الدولة الاستعمارية أعاقت تطور الحس القومي/ الوطني، وأنتجت لنا ما نسميه بـ”مشكلة شرعية دولة (56)” حيث، أن هنالك تعددا في الجهات الشرعية التي تحتكر العنف؛ وهو الأمر الذي يتمظهر في: أن كل من القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع تعتبران مؤسستين شرعيتين في نظر كل من القوى الاجتماعية السودانية في غرب السودان وشماله، وهو ما يؤكده نجاح كل منهما في التحشيد للقتال في جغرافيا مختلفة. ونشير هنا، إلى أن الانقسام الاجتماعي المتسارع حول أطراف الحرب، يفاقم من حدتها، ويهدد بتمزيق نسيج الاجتماعي، خاصة في مناطق مثل دارفور التي لم تتعاف بعد من 20 عامًا من الحروب المدمرة، كما أن النتائج الكارثية لحرب 15 أبريل، خاصة أثرها على الحس القومي، وكذلك فشل كل مبادرات السلام في إيقافها أو الوصول إلى وقف مؤقت للأعمال العدائية بين الطرفين، وأيضا، تمددها المتسارع لتشمل معظم أقاليم السودان، والسقوط المتسارع لمعظم ولايات إقليم غرب السودان (كردفان، ودارفور) تحت سيطرة الدعم السريع، وبقاء سيطرة الجيش على شمال وشرق السودان؛ كلها مؤشرات تؤكد: أن حرب (15) أبريل 2023 ما هي إلا لحظة الإعلان الرسمي لنهاية دولة (56)، ذلك أن مؤسسات الدولة ونظامها السياسي، لم تعد قادرة على استيعاب الصراع الاجتماعي. وتجدر الإشارة هنا، إلى أن نهاية دولة (56) بواسطة الحرب الحالية، كان نتيجة تصاعد التناقضات داخل الاجتماع-السياسي السوداني إلى مستوى غير مسبوق، مستوى أعلى من تستوعبه مؤسسات الدولة الاستعمارية التي تم إعادة إنتاجها في دولة (56)، ومن هنا عودة التقسيم التاريخي للسودان القديم إلى البروز بالتزامن مع سيطرة الدعم السريع على معظم دارفور وكردفان، وبقاء سيطرة الجيش في الجغرافية التاريخية لسنار أو السلطنة الزرقاء.

إضافة إلى ذلك، نحن نوصف حرب 15 أبريل بأنها لحظة الانهيار التاريخي لدولة (56)، بالنظر إلى عدم وجود صيغة للتسوية بين أطراف الصراع. وبسبب ذلك، نحن نؤكد أن هذه الحرب، لا يمكن أن تعرّف على أنها مجرد صراع بين مؤسستين عسكريتين، وإنما على أنها صراع بين قوى اجتماعية. وأنا أحاجج هنا أيضا، على أن ما يؤكد اختزالية تعريف حرب 15 أبريل على أنها حرب مؤسستين عسكريتين، وأنها بشكل أساسي صراع بين قوى اجتماعية، هو ذلك الاصطفاف الجهوي من قبل مجتمعات وقبائل السودان المختلفة مع  أطراف الحرب. ونشير هنا، إلى أن الطابع الجهوي/ الإثني للاصطفاف حول القوات العسكرية المتقاتلة في هذه الحرب، يشير بوضوح إلى أن الدولة: أصبحت في تناقض وعداء مباشر مع  بعض المجتمعات التي توصف بأنها “الحواضن الاجتماعية” للتمرد أو قوات الدعم السريع. أيضا، لعل أهم ما يؤكد أن حرب 15 أبريل هي لحظة الانهيار التاريخي لدولة (56) هو، أن التناقضات داخل الاجتماع-السياسي السوداني الحديث وصلت نقطة اللاعودة، وأصبح أمام السودان خيارين لا ثالث لهما، الأول، هو تفتت وتفكك الدولة السودانية إلى دويلات ذات سيادة مستقلة كل في إقليمه أو أماكن سيطرته، وبالتالي العودة إلى السودان القديم حيث كل أقليم يشكل دولة، مثلما حدث مع جنوب السودان الذي انفصل ليعود خارج جغرافيا الدولة السودانية الحديثة في العام (2011) بعد حروب طويلة ومريرة مع الدولة المركزية. أما الخيار الثاني فهو تأسيس “الجمهورية السودانية الثانية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى