رأي

الطيب علي يكتب: «الشهيد البيشي» تشيع يليق ببطل ويغيظ العدى

هذا الجمع الغفير الذي صلى على الشهيد عبد الرحمن حميدة البيشي، والذي شارك في تشييع جنازته إلى قبره بعد أن استشهد متقدما جنوده في معارك سنار؛ معظمهم مواطنون من القرى والحلال والفرقان المجاورة. ولم يجبرهم أي أحد على الحضور، وإنما حضروا عن إرادة منهم؛ تقديرا للشهيد البيشي ودفنه بما يليق ببطل استشهد من أجل الشعب السوداني. ولعل مرد مشاركتهم هذه، إلى أن قوات الدعم السريع وقيادتها هم من المجتمع وفيه -على عكس ما يصورهم البلابسة- وأبعد من ذلك؛ بل إن شعبية قيادة الدعم السريع خاصة الشباب الذي ظهروا بعد الحرب، تجعلهم الأكثر صلة وقربا للمجتمع السوداني من ضباط الديش -صنم العجوة- والذين يعيشون في أبراج عاجية وينظرون إلى المواطن شذرا ككائن دون “ملكي” بلا حقوق. وما يملأ القلب غبطة، أن ثورة البوادي والقرى والفرقان على دولة (56)، أصبحت تتمدد في إقليم وسط السودان وعلى يد القيادات من أبنائها مثل البيشي وكيكل خاصة في البوادي والقرى والفرقان والحلال. وتشييع هذا الجمع للشهيد البيشي، غير أنه يؤكد تمدد ثورة البوادي، هو أيضا يقوض الركائز التي يقف عليها الادعاء الجوف لإعلام الديش “إن المجتمع لا يناصر قوات الدعم السريع” ونتسائل هنا: هل مواطنوا قرى سنار متمردون أيضا بصلاتهم على، وتشييعهم للبيشي؟

إن حضور المواطنين ومشاركتهم في تشييع الشهيد البيشي وفي ظل هذه الظروف وبهذه الكثافة؛ يعني أن هنالك تضامنا واسعا، بل ودعما شعبيا من قبل جزء مقدر من المجتمع السوداني -لا نقول كله، مثل البلابسة- لقوات الدعم السريع وقياداتها؛ خاصة البارزين مثل الشهيد البيشي. وإضافة إلى هذا، فإن تشييع المواطنين للشهيد البيشي -وليس حضورهم فقط- يعني أيضا، أن هنالك تقدير للبيشي في شخصه كقائد من قبل جزء مقدر من المجتمع. وهذا التقدير يرتبط أيضا، وبصورة مباشرة، بتقدير هؤلاء المواطنين للقضية التي استشهد من أجلها البيشي، ذلك أنهم إذا ما كانوا لا يقدرون قضيته التي استشهد من أجلها، لكانوا الآن يرددون الإساءات في حقه، كما يفعل البلابسة الآن على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى هذا، فإن تشييع هذا العدد من المواطنين للشهيد البييشي يعني، أنه منهم وفيهم؛ أنه ابن المجتمع، بل ابنه المحتفى به والذي يجب تشييعه بما يليق بشهيد.

لا شك أن البلابسة عبدة صنم العجوة -الذي أكله رعاة الضأن والبقر والإبل- يدركون عمق ومتانة ارتباط قيادات الدعم السريع بمجتمعاتهم وبالمجتمع السوداني ككل؛ لكنهم رغم إدراكهم هذا، يصرون على إنكار الواقع عبر تصوير قادة الدعم السريع كأناس بلا جذور، أو قادة بلا روابط تربطهم إلى المجتمع السوداني. ونتسائل هنا مجددا، لماذا يجتهد البلابسة في الإساءة إلى الشهيد البيشي -رحمه الله- وينتهكون حرمة الموت والموتى بلا خجل ودائما؟ فقد شاهدناهم كثيرا، وفي لحظات مشابهة، يصلون درجة من الخسة والدناءة؛ تدفعهم حتى إلى تبرير التمثيل بالجثث وقصف المدنيين الأبرياء بالبراميل المتفجرة. والمثير للدهشة والسخرية في حملة الإساءة المنظمة التي ينظمونها الآن ضد الشهيد البيشي؛ أن بعض عبدة صنم العجوة من داعمي دولة (56) -أؤلئك الذين يملكون النسخ الوحيدة من مفاتيح الجنة- قرروا أن البيشي لن يدخل الجنة أبدا، وأكدوا على أنه سيدخل النار لا محالة، كما لو أن الجنة هي كليتهم الحربية التي يقررون من يدخلها، ومن لا ولن يدخل.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن هذه الدهشة والسخرية التي تثيرها الخسة والدناءة الأخلاقية لعبدة صنم العجوة، تصحبها شفقة تجاههم كونهم نماذج لأعلى درجات الانحطاط الأخلاقي التي وصلها سوداني؛ ذلك أنهم يمضون بعيدا في غيهم، فبعد أن قرروا – بأنفسهم هم وحدهم- أنهم كل الشعب السوداني، وأنهم -وحدهم- الوطنيين وغير عملاء أو خونة، وأنهم وحدهم المواطن الحق الذي تقاس عليه مواطنة بقية السودانيين؛ بعد كل هذا، وبعد أن تغولوا على كل شيء أرضي ودنيوي في السودان، فإنهم قد بدأوا بعد حملة الإساءة هذه بحق الشهيد البيشي؛ التغول على ما في السماء من جنة ونار وتحديد مصائر البشر. والآن يدعي البلابسة أنهم -كما يصور لهم غيهم- حازوا على مفاتيح الجنة والنار حصرا: كيف يمكن أن يكون الإنسان حاقدا لهذه الدرجة التي تجعله يسيء لميت ويقرر أنه في النار فقط لأنه يختلف معه هنا في هذه الدنيا! كيف يمكن أن صير الإنسان بلبوسا؟

إن سبب اجتهاد البلابسة في تصوير البيشي -وحاشاه- كنبت شيطاني داخل عرب رفاعة والمجتمعات التي يأتي منها والمجتمع السوداني بالتبع، وأيضا، سبب اجتهادهم في تصوير أنفسهم حصرا -وهم أقلية مجتمعية لا شك- على أنهم كل الشعب السودان، وكذلك سبب أنهم قرروا أن البيشي مارق لم يمت من أجل قضية هو؛ أن داعمي دولة (56) يعون جيدا، أن اعترافهم بحقيقة أن البيشي مواطن سوداني، وقائد عسكري من طراز رفيع في قوة نظامية سودانية، وأنه مات وهو يقاتل من أجل قضية يراها عادلة، وأنه كان صادقا تجاه قضيته التي هي قضية مجتمعه هو – بدو النيل الأزرق- وقضية كل أبناء المجتمات التي المهمشة التي لها مصلحة في سقوط دولة (56)؛ إن عترافهم بهذه الحقيقة سيجعل قتال الدعم السريع مشروعا، وهذا ما لا يريدون الاعتراف به، ذلك أنه أيضا يعني أن لا شرعية وطنية للجيش في مقابله.

إن عبدة صنم العجوة الذي أُكل، وباختصار، يعلمون أن هذا الجمع الذي شييع الشهيد البيشي، يعني أن هنالك قبول واسع للدعم السريع وقيادته. وكل يوم والذي يليه، تثبت الأيام كذبهم وعوارهم الأخلاقي. ولعل موت البيشي الذي يجب أن يكون متوقعا، ذلك أنه قائد شجاع عادته أن يتقدم جنوده في المعارك؛ يفضخ كذبهم ونفاقهم، فبسالة قيادة وجنود الدعم السريع تثبت أن لهم قضية لا يخافون الموت من أجل. وأخيرا نقول للبلابسة وكل عبدة صنم العجوة الذي أكله الأشاوس: إن من يحضر جنازته مثل هذا الجمع من المواطنون، لا يمكن أن يكون إلا من هذا المجتمع. كما أن الذي يقاتل من أجل قضيته ويموت يجب -هذا إن كان أعداءه ذوي نبل وشجاعة- أن يعترف لهم بالشجاعة وأن يخلدوا في صفحات التاريخ التي تمتليء بالكثير من أكاذيب عن ضباط هربوا إلى مصر وأماكن أخرى عند أول طلقة في الحرب. وأيضا، إن التاريخ يكتبه المنتصر لذا على البلابسة أن يحضروا أنفسهم لوجود الشهيد البيشي في صفحات الرجال العظام من تاريخ السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى