رأي

الفاتح حسونة يكتب.. سيناريوهات ما بعد التطبيع 

الفاتح حسونة

أحرجت الأخبار المتداولة بشأن تطبيع السودان لعلاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حواضن الحكومة الإنتقالية السياسية، من أحزاب الحرية والتغيير، والتي لها مواقف مختلفة بشأن القضية الفلسطينية والعلاقات مع دولة الكيان الإسرائيلي.
فبجانب الموقف الأيدلوجي الرافض للتطبيع بالنسبة للحزب الشيوعي، والقوميين العرب من بعثيين وناصريين، ظهر في المشهد حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، بالإضافة الي قوىً حزبية أخرى تتبنى ذات الاتجاهات الإشتراكية والإسلامية وجماعات مدنية وحقوقية.

تبنّت الحكومة الإنتقالية من البداية، عبر خطاب السيد رئيس الوزراء د/ عبد الله حمدوك، أولاً، الخطّ البراغماتي في تجربة الإصلاح للسياسات الخارجية السودانية والاقتصاد .. الخ

فهذا الخطّ الإصلاحي وضع الحكومة بين فكي الأحزاب السودانية الرافضة للتطبيع، بما في ذلك الأحزاب التقليدية والطائفية وكذلك الجماعات الإسلامية المتشدّدة، والتي تشكل عبئاً ثقيلاً من تركة نظام المؤتمر الوطني المخلوع، على الدولة، وبين ضغط الشارع السياسي المتخوّف من صفقة دولية تُبقي جنرالات العسكر في السلطة، مقابل تسوية التطبيع التي تُمكّن المتورطون في جرائم وفساد النظام السابق ولجنته الأمنية، ومجزرة فضّ الاعتصام وما تلاها من جرائم.

في هذه المعادلة الصعبة جداً، وبينما ينتقل السودان ببطءٍ وحذر وتوتر نحو التحول الديمقراطي ومدنية السلطة، يصبح التعويل والرهان على مقدرات رئيس الوزراء الضامن الوحيد لإدارة المرحلة، وتحقيق الإنتقال والعدالة في القضايا المذكورة.

ففي كل الأحوال فإن السيناريوهات المتوقّعة في مستقبل الشأن السوداني كالآتي:

السيناريو الأول:

زيادة نفوذ رئيس الوزراء في الداخل بدعم خارجي، ينتهي بإبعاد العسكر عن السلطة وفقاً لما نصّت عليه الوثيقة الدستورية بنهاية الفترة الإنتقالية، ومن ثم ملاحقاتٍ واسعة تطالُ المتورطين في الجرائم التي اُرتُكبت بحق الشعب السوداني، خصوصاً مع اقتراب وصول بعثة الأمم المتحدة، التي ستعزّزُ من سلطة الحكومة والتعاون الدولي معها؛ ومع وجود دعم دولي للإقتصاد السوداني يضعُ حلاً عاجلاً للأزمة الإقتصادية.

تدعمُ هذا السيناريو فرضية أنّ التنازلات التي قدمها العسكر في ملف التطبيع والتعاون الدولي تعني أنهم فعلاً محاصرون وراضخون للضغط الدولي والداخلي،

ونشير هنا إلى أنّ قرار التطبيع سيصبح حبراً على ورق إذا ما حدثت ردة للرأي العام لدى أغلبية من الشعب السوداني مقتنعة بالانفتاح والتعاون الدولي كمخرج لأزمات السودان، وبالتالي فإنّ استمرار ذات الأزمات يجعلُ التطبيع مع السودان نموذجاً فاشلاً تتحاشاه دولٌ أخرى معنية في المنطقة، ومشار إليها في التقدم في هذا الإتجاه.

السيناريو الثاني:

أن يكون التطبيع للعلاقات السودانية الإسرائيلية والأمريكية ثمناً لتسويةٍ تُبقي جنرالات العسكر في السلطة، كعقبة أمام التغيير، بضماناتٍ دولية تتجاهل مطالب الشعب السوداني، وتغضّ الطرف عن القضايا والملاحقات الصادرة التي تتعلق بجرائم الحرب والإبادة الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان.

ويعدّ هذا الخيار مجازفة غير محسوبة، وقطعاً لن يتحقق أي إنجاز أو تقدم للدول الفاعلة في هذه المعادلة، فبالنسبة للشعب السوداني فإنّ استمرار وجود العساكر في السلطة بانقلاب ناعم وتجاهل لقضايا العدالة والحقوق والدم السوداني، والتغيير الفعلي في مؤسسات القضاء والشرطة والمؤسسة العسكرية، بما يضمن حيادية هذه المؤسسات، يعني ذلك فعلياً بداية مقاومة وثورة أخرى وتحفيزاً بشكل غير مباشر لعودة الإخوان المسلمين في السودان تحت غطاء العسكر، والمنظومة الأمنية المؤدلجة؛ فبرغم الجدل الذي أثاره موقف السودان الحالي، فمن المؤكد أن السودان لن يكون الأخير في قرار التطبيع مع دولة الكيان الإسرائيلي، كما لم يكن الأول وستحذو دولٌ أخرى هذا الحذو وربما ينتهي الأمر برمّته قريباً إلي حلٍّ وسلام شامل في المنطقة مع إسرائيل، ووجود دولة فلسطينية، وهذا شأن آخر .

على كل حال، فإنه من الواضح والجلّي للناظر في الشأن السياسي هو أن الدولة السودانية في نقطة فارقة من تاريخها الحديث، وأن ثمّة تغيير كبير تشهده دولةٌ ظلّت ممانعة لعقود طويلة، على حساب شعبها الذي ذاق ويلات الحروب والمؤامرات والاعتداءات الخارجية والنزاعات الداخلية، وظلّ المجتمع الدولي يمارس صمتاً طويلاً استنطقته وأحرجته ثورةٌ عظيمة لن تخمد جذوتها إلاّ بتحقيق دولة: حريّة وسلام وعدالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى