الجماهير- وكالات
في حوار مع التغيير اتهم رئيس حركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي الهادي إدريس يحيى، الاستخبارات العسكرية للجيش السوداني بإحداث انشقاق داخل حركته، مؤكدًا في الوقت نفسه أن الكمين الذي تعرّضت له قواته تم بتوجيه منها، مشيراً إلى اضطراره لسحب قواته من الفاشر حتى لا يتم جرها إلى أي صراع.
- قمت بزيارة لدارفور وكنت شاهداً على الأوضاع الإنسانية هناك، نريد منك أن تعطينا صورة عنها، وما هي توقعاتك لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع بعد انطلاق الحرب في الفاشر؟
الأوضاع الانسانية سيئة للغاية خاصةً مع التطورات التي حدثت خلال الأسبوع الجاري في الفاشر التي تعتبر البوابة التي تستقبل المساعدات من الحدود الليبية أو من شمال السودان. هذه المواجهات منعت دخول الإغاثة وفرضت حصاراً على كافة الإقليم ما يهدّد الإقليم بكارثة إنسانية كبيرة ومجاعة ستهدّد الأمن القومي والإقليمي وأيضاً ستهدد الأمن والسلم الدوليين! كنا اقترحنا سابقاً خروج الجيش والدعم السريع من المدينة وتركها لإدارة الحركات المسلحة لكن جزءاً من الحركات انحاز للجيش ورفض المقترح.
مكثت في دارفور 3 أشهر وتابعت الأوضاع بنفسي، لم أتمكّن من زيارة كافة الولايات لكني التقيت بعدد من المواطنين من ولايات شرق ووسط وغرب دارفور، رسائل الناس كانت مختصرة في أنهم يموتون من الجوع! كما تسقط البراميل الحارقة عليهم، جميعكم رأيتم الأشلاء والدماء في الفيديوهات التي تنشر، الناس تموت بشكل بشع جداً!
خلال تواجدي في الإقليم دشنت حملة مناصرة لفتح الممرات الآمنة وأجريت محادثات مع عدد من المنظمات المحلية والعالمية ومسؤولي الإغاثة وتحدثت إلى رئيسة بعثة الأمم المتحدة مدام كليمنتاين وشرحت لهم رؤيتنا لفتح المعابر. وتقدمت بمقترحين الأول تكوين آلية مدنية لإيصال المساعدات تتكون من الإدارات الأهلية والمنظمات الشبابية والنسوية ولجان المقاومة تستلم الإغاثة وتوزعها وطرحت الفكرة أيضاً في اجتماعات (تقدم) التي حضرتها في أديس أبابا وأضفت للمقترح مشاركة (تقدم) بالنزول على الأرض وتقديم المساعدات.
والمقترح الثاني يتمثل في آلية مجتمعية لتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والكهرباء والمياه تتكوّن من أبناء الولايات الدارفورية العاملين في هذه المجالات، نسبة لانهيار مؤسسات الدولة بالإقليم.
“الناس ليسوا بحاجة لإغاثة فقط يحتاجون صحة وتعليم وكهرباء ومياه”. وفي رأيي يمكن التغلب على مشكلة تكوين الحكومات في مناطق سيطرة كل طرف حتى لا تتقسم البلاد والاستعاضة عنها بالآلية المجتمعية التي يجب ألّا يكون لها أي علاقة بحاملي السلاح. ونطالب المجتمع الدولي بتوفير المال اللازم لتوفير هذه الخدمات. وفي الفترة المقبلة سأعود مرة أخرى إلى دارفور من أجل الإشراف على تكوين هذه الآليات التي وجدت قبولاً كبيراً من كافة المنظمات الأممية التي تحدثنا معها.
ومن جهة ثانية اقترحنا أن تقدِّم الأمم المتحدة معينات للموسم الزراعي المقبل، بتقديم البذور ومدخلات الإنتاج لمزارعي دارفور وهناك فرصة لإنتاج دخن عالي يمكن أن يوطِّن الإغاثة وتنقله الأمم المتحدة للأسواق المحلية ونتجاوز مشكلة المعابر.
- كيف يمكن للناس العمل وسط هذه الجيوش المسلحة؟
اقترحنا أن ينحصر دور حاملي السلاح في توفير الحماية فقط ويوقعوا جميعاً على مذكرات تفاهم تحمِّل كل طرف يسيطر على منطقة مسؤولية أي تفلتات تحدث فيها. وعلى هامش اجتماعات (تقدم) في أديس أبابا التقينا بالقائم بأعمال سفارة أمريكا والسفيرة الفرنسية والسفير البريطاني وعدد من المبعوثين الدوليين وطرحنا عليهم الفكرة وطالبناهم بضرورة رفع “العصا” على جميع حاملي السلاح وكل من يخرق الاتفاق يعاقب عقاباً صارماً، وقضية الإفلات من العقاب يجب أن تنتهي.
- حدثنا عن تعداد القوات التي انحازت للجيش، وهل تتوقع أن هذا التحالف يستطيع تحقيق الانتصار على الدعم السريع في شمال دارفور؟
القوات التي انحازت للجيش هي قوات مناوي وجبريل وبعض المليشيات القبلية، ما يُعرف بالمستنفرين، نحن نعرف تماماً حجم القوات التي انضمت للجيش ومقدراتها ونعرف أيضاً مقدرات الدعم السريع لكن لا يهمنا من سينتصر، نحن مهمومون بضرورة تجنب الصراع خاصةً في الفاشر من أجل المواطنين.
كنا تحدثنا مع الجيش والدعم السريع للخروج من الفاشر كما ذكرت سابقاً؛ الدعم السريع أبدى استعداده شريطة أن يخرج الجيش أيضاً، لكن الجيش والحركات المسلحة رفضوا. حالياً الفاشر محاصرة تماماً من قبل قوات الدعم السريع، آخر بوابة كانت تحت سيطرة الحركات المسلحة مدينة مليط الآن تحت سيطرة الدعم السريع.
- ما هي تفاصيل الكمين الذي تعرّضت له قواتكم؟
عندما أخطرت قيادة القوة المشتركة بخروج قواتنا المتبقية في مقر القيادة والسيطرة بمقر اليوناميد سابقاً في الفاشر وهي عبارة عن كتيبة (40 سيارة قتالية) كانت عبارة عن مؤخرة القوات التي كانت ضمن القوة المشتركة لأن معظم قواتنا قد انسحبت خلال الشهرين الماضيين إلى محطاتنا العسكرية خارج مدنية الفاشر في عين سيرو وكورما وغيرها من المناطق التي تقع تحت سيطرتنا، نصبت لنا كمين شاركت فيه القوات المسلحة والحركات المتحالفة معها (مناوي- جبريل) والمليشيات “المستنفرين” وبعض المنشقين من الحركة.
تسبب الكمين في فقدان 3 من الشهداء وعدد من الجرحى وحرق عدد من المركبات، لكن قواتنا تمكّنت من مواصلة سيرها بنجاح وكبدتهم خسائر لم يكونوا يتوقعونها!
نعتبر ما حدث لقواتنا خيانة كبيرة من ذات المجموعة التي تعرّضنا منهم لخيانات تاريخية من بعد اتفاقية أبوجا وتتكرّر ذات الممارسات من حين لآخر لكننا لا نريد أن ندخل في صراع دارفوري- دارفوري خاصةً وأن المواجهة محتملة بين الجيش والدعم السريع في الفاشر ولا أعتقد أن لهذه الحركات القدرات التي ستمكّنها من المحافظة على الفاشر!
وما زلنا ندعوا الجميع للعودة إلى صوت العقل وتجنب المواطنين، ومن جهتنا نناشد مواطني الفاشر وخاصةً معسكري أبو شوك وأبوجا لقربهما من القيادات العسكرية بالابتعاد قدر الإمكان من مناطق الاشتباكات والانتقال إلى مناطق بعيدة.
- إلى أي درجة عقّد مشهد انحياز القوات المشتركة للجيش الواقع الإنساني وتصعيد القتال في الفاشر بعد أن صمدت عاماً كاملاً؟
في بداية الحرب لعبت الحركات المسلحة مشتركة دوراً مهماً في تأمين القوافل من كوستي إلى الفاشر، ومن الدبة إلى مليط ثم الفاشر. وكان يمكن للمجتمع الدولي أن يعوِّل عليها في إيصال المساعدات لكن انحيازهم للقوات المسلحة أربك المشهد ليس فقط على مستوى توصيل المساعدات ولكن في جوهر قيامها أساساً كحركات كانت تقاتل ضد الجيش والآن أصبحت تقاتل مع الجيش “الرؤية ملتبسة على أهل دارفور” حول ماذا يريدون في الأساس؟!
الآن نفكر في تكوين قوة جديدة من المؤمنين بفكرة الحياد لتتمكّن من التعامل مع كل الأطراف، وسنعمل على فتح حوار حتى مع الحركات الغير موقعة على اتفاق سلام جوبا.
- ما هي الحركات التي يمكن أن تشارك في قوة مشتركة جديدة؟ وهل يمكن أن يكون لها دور فعال في تأمين المساعدات في ظل انحياز رفاقكم من الحركات المسلحة إلى الجيش؟
نتشاور في حركة تحرير السودان- المجلس الانتقالي، وتجمع قوى تحرير السودان وحركة العدل والمساواة قيادة سليمان صندل والتحالف السوداني قيادة الراحل الشهيد خميس عبد الله أبكر وعدد من الفصائل المؤمنة بالحياد في تكوين قوة مشتركة جديدة، كما نسعى لفتح قنوات اتصال مع الحركات المسلحة خارج اتفاق سلام جوبا.
بدون شك حال تكوين هذه القوة ستحدث فرقاً كبيراً في مساعدة الناس عبر العمل مع الأمم المتحدة والمساعدة في الكارثة الإنسانية ويمكن أن تصبح أساساً للجيش الموحد الذي يجب أن يتم تشكيله من كافة القوى المسلحة بعد نهاية هذه الحرب.
- كيف يمكن أن تتمسّك هذه القوات بالحياد في مشهد الحرب خاصةً بعد أن تعرّضت قواتكم لكمين سابق؟
الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش بدأت في شق الحركات المسلحة من قبل الحرب، وتحاول أن تجرّنا إلى صراعات داخلية وصراعات مجتمعية وما يحدث في الفاشر الآن هو صنيعة الاستخبارات وما حدث داخل حركتنا المجلس الانتقالي من انشقاقات أيضاً صنيعتهم. المنشقون من حركتنا الآن موجودون داخل مقر الفرقة السادسة مشاة وتحركهم أيادي الاستخبارات، الكمين الذي تعرّضت له قواتنا تم بتوجيه من استخبارات الجيش التي تتحكم في قيادة القوة المشتركة.
لديهم خطة قديمة متجدّدة لإشعال صراع داخل حركات الكفاح المسلح لكننا انسحبنا من داخل مدينة الفاشر إلى الأطراف لتفادي هذا المخطط.
(نقلا عن حوار مطول للتغيير مع الهادي إدريس)