رأي

بتول المسلمي تكبت: العمل الطوعي في السودان بوصلة الحياة

بتول المسلمي

في أمَّة عُرفت بالخير، وحب العون، كان الإنسان السوداني سباقًا في الإحساس بالآخرين، وترجمة هذا الإحساس ببذل الجهود لإمداد يد العون، يأتي طوعًا دون إجبار .

فنمط الحياة البسيطة والبنية التحتية المتدنية في السودان،  جعلت منه إنسانًا مبادرًا.  فما أن يسمع أيُّ سوداني عبارة (يا أبومروة) يهرع مسرعًا للإنقاذ .

بدأ العمل الطوعي منظمًا في منتصف الثمانينيات،  حين ضربت البلاد مجاعةٌ استعصى على السودان تفاديها،  خصوصًا في غربه،  ونزحت أعدادٌ هائلة من البشر إلى العاصمة،  كانت الخلاوي ملجأها الأول،  وتقاطرت  المعونات من داخل البلاد وخارجها،  وانتظم السودانيون جمعياتٍ تعاونية،  هدفها إطعام المتضررين وإغاثتهم أولاً .

بعدها كانت الحرب المنهكة في جنوب السودان،  تأكل موارد البلاد المحدودة أصلًا،  وخصصت الحكومة أكثر من 70% من ميزانية الدولة للدفاعات العسكرية،  فأهملت الصحة والتعليم والغذاء،  ولم تتطور جوانب الحياة الأخرى في السودان أكثر من ذلك،  بل تراجعت كثيرًا.

تقوم المنظمات الطوعية بدور مهم،  ففي الوقت الذي تخلَّت فيه الحكومة عن دورها الطبيعي في تلبية احتياجات المواطنين اليومية من صحة وغذاء وتعليم،  وغيرها من الحاجات الملحة،  تسعى المنظمات الطوعية لرتق هذه الفجوات .

في العقد الأخير،  بعد أن إنفصل الجنوب،  وانفصلت موارده عن ميزانية الدولة التي كان أهمها البترول،  انعكس هذا على حياة العامَّة في السودان،  فتدنت مستويات التنمية كثيرًا،  وتراجع سعر الجنيه السوداني أمام الدولار، مما أثر على الأوضاع  الاقتصادية وتسبب في تضخم غير مسبوق، وكارثة اقتصادية تتزايد بشكل متسارع إلى هذه اللحظة .

ظهرت إنعكاسات هذا الانهيار، مما خلق بيئة تخصصية لهذه المنظمات، فأصبح بعضها يتخصص في مسألة الصحة، (شارع الحوادث) مثلاً،  تقوم بتوفير الدواء والعلاج والعيادات المجانية، وتطورت فأصبحت تقوم بواجبات وزارة الصحة في إنشاء المستشفيات والوحدات العلاجية .

بعضها ركَّز هدفه على التعليم، مثل: منظمة تعليم بلا حدود، التي كانت تنشيء مدارسًا في المناطق التي تفتقر إلى التعليم، وتقوم بترميم الفصول المتهالكة، وتوفر الكتب والأدوات المدرسية ووجبة الإفطار للتلاميذ .

ومنظمة نفير، التي ظهرت في فياضانات عام 2013،  التي ضربت البلاد، وتأصل عملها في فياضانات أغسطس الماضي ، التي خلَّفت دمارًا كبيرًا،  وآثارها لا زالت باقية .

وصدقات وتكافل، وغيرها من المنظمات التي تعمل على سدّ حوجة المادة لدى المحتاجين .

رغم ما فعلته هذه المنظمات والجهود التي كانت تبذل،  ثمَّة مأخذ عليها،  فالعمل التطوعي في السودان يعمل بشكل إغاثي، لا بشكل تنموي  .

لا أحدٌ يستطيع إنكار الدور الإنساني الذي قامت به هذه المنظمات،  لقد كانت بوصلة الحياة في وقت العواصف التي لا تبقي ولا تذر .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى