رأي

بتول المسلمي تكتب.. الوقوف المتكرر!

بتول المسلمي

الوقت حيلة السحلفاة، أما هنا فحيلتنا الإنتظار؛ في هذه البلاد المنكوبة، يبدو الإنتظار هو النشاط الشائع الذي يُفرضُ عليك .

يبدأ الإنسانُ يومه بانتظار الخبز في صفوفٍ عشوائية، وينتهي اليوم بالوقوف الطويل، الذي قد يصل لساعاتٍ على جانبي الطُرقات، بانتظار وسيلةِ نقلٍ يستجدِها لتقله إلى وجهته .

أما محطاتُ الوقود، فعنوانها الإنتظار؛ يتَوَسَدُ المواطن وقته الضائع، يحتسبُ ليلةً من عُمره في انتظار جالون وقود، وبأعلى ثمن.

أزمانٌ مرّت، ونحن ننتظر، حضاراتٌ سادت ثم بادت، لم نكن جزءً من سيرتها أصلاً. لم يذكرنا العالم إلا بأننا دولة لم ترتقى للنمو، حتى .
كيف يمكن لوجوهٍ بائسة، مرهقة من فرط الوقوف أن تبدع؟.
كيف يمكن لأفواهٍ جائعة أن تُفكّر بشيء غير أن تأكل؟.

إذا كان شعارُ مرحلة ما بعد الثورة هو (حنبنيهو)، ألا يَجدُرُ بالبناء أن يكون ممتلئ البطن؟.

لم تصل الحضارة الإنسانية أوجها إلا بعد أن إكتفت من الصيد، وتعلمت الزراعة واكتشف الناس النار، أصبحت بعدها تُوفّرُ طعامها بأسهل السبل، ثم التفت الإنسان لرسالته في تعمير الكون، وطفق يصنع الحضارات .”ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”، نعم !، لكنه لا يحيا دونه. كانت ثورتنا ثورة كرامة، وانطلقت من مبادئ الحرية والسلام والعدالة، نعم!، لكنها أيضاً إنطلقت من حناجر طلابٍ جوعى في مدرسة عطبرة، في مخبزٍ قرب المدرسة.

فأولى أولويات هذه الحكومة الإنتقالية هي توفير الخبز والوقود؛ المشهدُ معقدٌ بالكامل، لكننا نحتاج حلاً مستداماً؛ إذ أنّ الحلول القصيرة لم تجدِ نفعاً مع نظام البشير، بل تفاقمت الأوضاع سوءً، لذلك من الأجدى أن يكون التغيير كاملاً، مكتملاً؛ ليس “حيكومات تجي وحيكومات تغور”، بل إننا، حقا، ننشدُ تغييراً في طريقة تفكير الدولة ذاتها. تغييراً في طريقة إدارتها للأزمات، تغييراً ينطلق من مبدأ الجِدّيّة في التعامل مع المشكلة، والجدّيّة في صناعة حلٍّ حقيقي ناجع .

هذا الضغط النفسي والذهني والجسدي الفظيع، لا بدَّ له من حدٍّ، فقد مللنا حقاً؛ مللنا الصفوف، مللنا هذا الوقوف المتكرر!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى