رأي

بتول المسلمي تكتب: حيٌ مُهان ،، ميتٌ مُهان .. معنى أن تكون سودانياً

بتول المسلمي

أكثر من مئتي جثة ، تحللت ، تفسخت و سالت ، مئتي جثة لأناس ، لبشر ، لمواطنين سودانيين ، هكذا تُرمى جثثهم ، تُترك حتى تعلن عن وجودها بالرائحة التي أزكمت أنوف سكان الامتداد ، مئتي قصة نُسيت و تُركت لتتعفن ،   مئتي قصة  تحكي معنى أن تكون سودانياً ، تتحلل أحلامك و أنت حي ، و يتحلل جسدك دون قبر يأويه .

دماؤك رخيصة لا تساوي ثمن الطلقة التي أسالتها ، و لا التربة التي تأويها .

معنى أن تكون سودانياً ، تتشرد بين الأوطان تقف على مباني مفوضيات اللجوء في الدول ، تحكي  قصتك المأساة ، تُراكِم الظلم فوق الظلم و تبني روايتك المؤلمة ، ثم تتشرد جثتك في وطنك  بين الحاويات و ثلاجات المشارح  ، تفوح رائحتك حتى تقول أنا موجود هنا ، أنقذوني من المهانة ، سئم جسدي منها ، حي و ميت !.

مئتي جثة تتكدس فوق بعضها في ثلاجة فواكه ، ينقطع عنها تيار الكهرباء مراراً ، حتى تنفجر شلالات الدماء و السوائل  المتحللة ،

هذه القصة منسوخة من آلام سابقة ، ظلت تؤرقنا منذ فض اعتصام القيادة العامة ، فقبل عدة أشهر تكدست في مشرحة ود مدني أكثر من 168 جثة مجهولة الهوية ، دون أي توضيح من الحكومة ، التي تكتفي بتكوين لجنة تحقيق ، و تُنسى القضية ، كأنها لم تحدث بالأصل ، من هؤلاء المئة و ثمان و ستون ،في مشرحة ود مدني ؟

من هؤلاء المئتان في مشرحة التميز ؟

من الذين قُبروا في دارفور ؟ ، من الذين دفنوا في  العيلفون ؟، و في كل مقبرة جماعية في هذه البلد !؟ من هؤلاء الذين قتلو في عنبر جودة  ؟ ، عشرون دستة من البشر ،  مئتان و أربعون شخصاً افتتحتت بهم الحكومات  الوطنية قسوتها ، و بدأت سنتها الأولى التي لم تنتهي حتى اللحظة ،  و وجهت إليهم نفس وسيلة الموت غير الرحيم  ، التكدس حتى الاختناق .

من الذين قتلوا في مجزرة الجزيرة أبا ؟ ، و في بيت الضيافة ؟،  و المقابر الجماعية في جنوب السودان ؟ ، ليسوا مجرد أرقام ، ليسوا مجهولو الهوية  ، هم مواطنون سودانيون  ، لهم الحق في حياة كريمة ، و إن لم يجدوها _على الأرجح _ فإن لهم الحق في موت كريم ، و إكرام الميت دفنه .

هؤلاء إخوتنا ، أعجزنا أن نورائ سوءة اخوتنا ؟ ليس أمامنا إلا تأييد اعتصام سكان الامتداد ، فالقضية ليست قضيتهم وحدهم ، _ حتي يتم حل المشكلة_ ، و تحقيق مطالبهم   بحفظ كرامة الأحياء ، و الأموات لأرواحهم السلام ، ورحمهم الله الذي وسعت رحمته كل شئ .

لا يجب أن تمر هذه الحادثة ، دون محاسبة  كل من تورط في إراقة دم سوداني ، أو إهدار كرامته  ، لن ننس الأمر ثم يُعاد ألى أذهاننا ، عندما تتكرر حادثة مشابهة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى