دائماً ما أتسائل ، أين و متى شهدت ما يحدث الآن في الوطن بعد ثورة ديسمبر العظيمة ؟
رغم أنها أول و أعظم تجربة لأبناء جيلي ، لم نحظ من قبل أن يسمع صوتنا أو أن تلتفت إلينا طبقة ما سياسية . لم نكن نظن أننا قادرون على تحريك رقعة في الشطرنج ، و أي رقعة ؟
لقد انتصرنا في النهاية ، و قلناها بصوت واثق ( كش ملك ) .
لكن ما وقع بعد هذا كان شبيها بما حدث مرات عدة ، و كرر التاريخ مأساته التي يوقعها على الثورات ، ما جعلنا نتساءل أين و متى شهدنا هذا التكرار .
ظاهرة الديفاجو ، هي ظاهرة معروفة علمياً بأنها احساس بأن حدثاً تكرر بكل تفاصيله ، و تعني كلمة ديفاجو في اللغة الفرنسية ( حدث من قبل ) .
لم يعرفها أحد سياسياً من قبل ، لكني عندما أتأمل الحال و المآل يهتف في رأسي أن هذا قد حدث من قبل . تكررت المشاهد نفسها في ثورات وأدت بعد أن مرت بالمخاض الصعب ، اختناق اقتصادي ، لم يقو معه المواطن على التنفس ، حصار على الحياة ، على المأكل و المشرب و العلاج .
فتن تربح فيها تجارة السلاح و يخسر فيها الناس حياتهم .
لقد حدث هذا من قبل ، مرت به مصر الجارة بعد أعقاب ثورة يناير ، و مرت به سوريا الجريحة ولا زالت تعاني الحروب و التشرد ، مرت به ليبيا التي أصبح فيها النفط أغلى من دم الأبرياء .
و لم يكن السودان مختلفاً ، وطن قيل عنه أنه سلة غذاء العالم ، لكن أحقاد الحاقدين أرادته جائعاً .
لقد حملنا أمالنا وهناً على وهن ، و فديناها بالدم ، و أقسمنا أن تكون حقيقة قبل أن نكون ، لكننا و لحظنا العاثر أسلمنا أمرنا لسلة من الفشلة ، الذين يدمنون الفشل كما وصفهم الراحل ( منصور خالد ) .
ما العمل ؟
بالتأكيد ليس العمل أن نقف مكتوفي الأيدي ، يجب أن نقاوم ظاهرة الديفاجو المحبطة هذه ، ما أنجزناه الآن ليس قليلاً ، فالثورة كفعل مقاومة يجب أن تكون أسلوب حياة ، أن تكون نشاط وظيفي مرتبط بكل قيمة أو سلوك إنساني .
المقاومة بالقانون ، بالتعبير عن الرأى ، بالعمل الدؤوب ، ببناء النقابات ، أن ننقذ شعار ( حنبنيهو ) من أن يصبح مجرد كليشيه سخيف .
و كما كان الشهيد العظيم عبدالعظيم يقول : ( لقد تعبنا يا صديقي ولكن لا أحد يمكنه الإستلقاء أثناء المعركة ).