رأي

بشرى علي يكتب: آباء وأبناء في الحرب.. (معركة جبل أولياء)

الكثير من الناس يتعجبون كيف تمكنت قوات الدعم السريع من امتصاص عنصر المباغتة في الحرب الحالية، وكيف نجحت في التصدي لجيش يقول صانعوه بأن عمره هو مائة عام؟؟ ولا ننسى أن قوات الدعم السريع خاضت معاركها ضد الجيش السوداني بدون تحالف إقليمي، وبدون سلاح طيران يحمي قواعدها. ولا يغيب عن النشر أن قوات الدعم السريع خاضت معركتها في مواقع حتى وقت قريب كان يتم وصفها بأنها حاضنة اجتماعية للجيش..

لكن بعيدًا عن تكتيكات الحرب وخططها لا يُمكن تحقيق نصر بدون رجال يحتملون الحرب، ولا يُمكن الصمود في الميدان بدون تقديم تضحيات جسام، فعندما قام طيران البرهان بقصف “المجندين” في معسكر كرري بأمدرمان، والذين كان عددهم بالآلاف، أعتقد الكثيرون بأن هذا الهجوم يُمثل النهاية الأليمة لقوات الدعم السريع!

ولكن الغدر أيضاً لا يحقق انتصارًا، ومهما كانت أهداف الحرب قذرة يجب  ألا تخلو صفحتها من قيم  النبل والاحترام.. ومع ذلك كان البرهان ينظر للنصر دون تقدير التكلفة من ناحية الخسائر البشرية أو تدمير البنية التحتية، وتعرّض للضغط الإعلامي من آلة إعلام الحركة الإسلامية والتي حددت ساعة الصفر والجدول الزمني للحرب.

وهناك تقديرات خاطئة في هذه الحرب، نستطيع تحديدها وتقييمها وكيف انعكست على مسار القتال بعد مرور عام على إطلاق الرصاصة الأولى، من بينها: الاعتقاد أن تدمير الجسور سوف يقطع الإمدادات عن قوات الدعم السريع، ويجعلها تسقط في كماشة الجيش مثل “البط الواقف”، لكن حدث  زلزال كبير وتسونامي بعد ضرب “كبري شمبات” الذي يربط بين الخرطوم بحري وأمدرمان، فقد استولت قوات الدعم السريع على قاعدة الجيش العسكرية في “جبل أولياء” كبديل لكبري شمبات، وهي قاعدة تضم مطارًا حربيًا وتحتوي على معدات وأسلحة عسكرية وذخائر، مكنت الدعم السريع من اجتياح ولاية الجزيرة والتقدم نحو ولايتي سنار والقضارف.

ووصلت قوات الدعم السريع لمرحلة الاكتفاء الذاتي فيما يخص التمويل والسلاح، إذ أصبحت تعتمد على مخازن الجيش السوداني وحامياته التي تسقط في يدها. 

لكن كما أسلفنا، أنه لا يمكن تحقيق نصر في الحرب بدون بذل تضحيات، ومن المشاهد المؤلمة التي رأيتها في هذه المعركة هي هجوم الجيش السوداني بسلاح الطيران على قوة للدعم السريع كانت متحركة نحو  قاعدة جبل أولياء من ناحية الشرق، تسبب ذلك الهجوم في مقتل إثنين من أبناء قائد القوة، وكان منظر لا يحتمله القلب حيث يرى الأب إبنيه وهما أجزاء متناثرة. ولكن الأب صبر واحتسب الألم وحمد الله وأثنى عليه وطلب من القوة التقدم لإنجاز مهامها كما هو محدد لها، بينما تأخر عنها لمدة ساعة حتى يواري جثامين أبنائه النُجع.

حدث ذلك بدون لطم للخدود وشق للجيوب، وقد قالت الخنساء بعد خسارتها لأربعة من أبنائها في الحرب مع الفرس:

“لمثل هذا اليوم أعددتهم”

لا يهم الذي جرى، ولكن هي الحرب كما وصفها جيفارا بأنها “الموت والمرض وفقدان الرفاق”. فلا يُمكن أن تدخلها وتنتظر النصر بدون تضحيات، ولا أحد يسلم من الحرب حتى وإن كان يراقبها من الرصيف.

مات ابن البرهان بسبب هذه الحرب، صحيح أنه لم يمت من الجوع كما حدث لسكان أمدرمان، ولم تصبه رصاصة قناص وهو ذاهب لشراء الخبز، ولكنه مات لأنه ابتعد عن ميدانها ليدركه الموت حتى ولو كان في برج مشيد.

في حقبة حمدوك كان أبناء البرهان يعيشون حياتهم الطبيعية حتى بدون حراسات أو حذر أمني في مسقط رأس والدهم الفريق البرهان، وقتها لم تدركهم المنون وعاشوا في وطنهم بدون خوف أو وجل.

وكما خاطب سيدنا أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه عندما رفض الخروج من الشام بسبب الطاعون بسبب رسالة بعثها له سيدنا عمر بن الخطاب: “أتفر من قضاء الله وقدره يا عمر!”.

فرد عليه سيدنا عمر بن الخطاب: “رحم الله أبو عبيدة.. نحن نفر من قضاء الله وقدره إلى قضاء الله وقدره”، فالحرب تأكل بنيها وليس هناك بمأمن منها ولا يوجد جبل يعصم من الماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى