بالضبط الحاصل شنو؟؟
أنا بكتب رؤيتي والمسألة هي اجتهاد ولا توجد مساحة لليقين.
أنا ضد الذين يقولون إن المسألة كلها تمثيل في تمثيل بناءً على تجارب سابقة، وبأن المسألة هي لعبة عسكر وحرامية زي ما حصل في يونيو 1989م عندما طلب الترابي من البشير بأن يذهب إلى القصر رئيساً وهو سوف يذهب إلى كوبر سجيناً… وهي تمثيلية لم تنطلي على الصادق المهدي عندما خاطب الترابي في كوبر وقال له: المودع غير موصل وكفاية مجاملة.
طيب ليه؟؟؟
السبب لأن الأطراف الحالية لا تملك مكر الترابي ودهائه، والوضع بختلف كتير عن ما سبق…
في مثال الترابي – البشير كان الهدف هو إسقاط حكومة الصادق المهدي، بينما المثال الحالي المدون في صفحة البرهان وكرتي هو صراع بين سكان البيت الواحد. في عام 89 كانت توجد دولة ومؤسسات وعلاقات خارجية وسفارات في الخرطوم وسودان موحد. وحالياً لا توجد دولة أو حكومة أو مؤسسات، ولا يوجد شعب يتابع الأخبار من شاشات التلفزيون ثم يذهب في اليوم الثاني إلى العمل والمدارس والجامعات، بل توجد حرب غير محسومة ودمار وسودان مفكك آيل للتشرذم والانقسامات، ولا توجد مؤسسات أمنية بل توجد مليشيات طرائق قددا تتنافس على ما تبقى من موارد وتفتك وتهدد حتى من يقول لا للحرب.
لماذا أعلن البرهان خطاب نفض اليد من الإسلاميين الآن؟؟
أنا كتبت قبلها وقلت معركة النصر مكلفة وباهظة الثمن ولها تبعات غير محتملة والعدو هو الطموح وليس قناص الدعم السريع…
في 15 أبريل كانوا يحاربون عدواً واحداً واليوم وربطوه بأعمال الإغتصاب والنهب والقعاد في البيوت ولكن اليوم تنتابهم الهواجس بعد أن استعجلوا النصر، زوال الـ public enemy وهو الدعم السريع سوف يزيل الغشاوة وينكأ الجراح القديمة والتي نتجت بسبب تعامل البرهان مع حلفائه قبل بداية الحرب…
البرهان ذكر نقطة مهمة وهي أن المؤتمر الوطني لن يحكم السودان على حساب أشلاء السودانيين، خطورة هذه العبارة أنها تحملهم مسؤولية الحرب والتي عندما أشعلوها توقعوا أن تنتهي في 72 ساعة. وبما أنهم لعبوا دوراً في تحرير المناطق من قبضة الدعم السريع وبعد عامين لا يعني ذلك أنهم يستحقون مكافأة بل هم سلمونا أرض جرداء ومدمرة وتسببوا في نزوح 15 مليون سوداني في الداخل والخارج وقاموا بارتكاب جرائم حرب غير مسبوقة في كل منطقة دخلوا إليها….
ثم أنهم تعجلوا الثمر ورسموا خطط كارثية لمستقبل السودان أقلاها الإنتقام والثأر والتطهير العرقي كما حدث لسكان الكنابي في ولاية الجزيرة…
ومافي حرب سوف تستمر للأبد، فلا بد من وجود أرضية لحل سياسي حتى وإن تحقق النصر، نصوص الوعيد والإنتقام وقتل الناس ذبحاً بالسكاكين، هذه ليست مشروع سياسي يقبله العالم ويكفي أن البرهان في ليلة تحرير مدني قامت أمريكا بفرض عقوبات عليه الأمر الذي يجعل نصره في الحرب متهرئاً وبلا قيمة سياسية، ومن الممكن جداً أن تلاحقه لجان التحقيق الدولية بخصوص استخدام السلاح الكيميائي، ومن الممكن أن يدخل بوابة المحكمة الجنائية الدولية ويصبح مطلوباً للعدالة الدولية.
كل ذلك ممكن وجائز، لكن تبقى هناك حروف غير بارزة وكلمات مبهمة وغامضة حول خطاب البرهان، مثلاً ما هو البديل للكيزان؟؟ عبدالحي يوسف ذكر أنهم يحيطون بالبرهان مثل إحاطة السوار بالمعصم ويتحكمون حتى في أنفاسه ويعدون خطواته ويتلصصون عليه في مكتبه. وبالمناسبة هم الذين أعدوا قوائم الحظر من السفر ومنع تجديد وثائق السفر وقوائم الاغتيالات ومطاردة لجنة تفكيك التمكين، ومنعوا أي خطوة تسير في اتجاه وقف الحرب ووسعوا الشقة بين البرهان والدعم السريع، ثم هم الذين افتعلوا الأزمة مع الإمارات وتشاد وجنوب السودان… ولذلك من المحتمل أن البرهان رفع شعار SOS ويريد أن يقول “أنا موجود” وهو يرى الكيزان وهم يتسابقون لإبراز نصرهم على حساب الجيش كما شاهدنا في سلاح الإشارة ومقر قيادة الجيش في الخرطوم.
مافي مفتاح حامية يتم تسلمه بدون حضور المصباح، حتى أن المصباح أصبح يهدد المهل العسكرية، وربما يحاول البرهان أن يقرأ الطقس السياسي وهل سوف تسمع الأطراف الأخرى لاستغاثة النجدة فتتحالف معه لقطع الطريق على طموحات الكيزان ليعيش زواج المتعة مع “تقدم” كما حدث في عهد الدكتور حمدوك..
“قحت” رحبت بخطابه بخصوص الفقرة التى تناول فيها المؤتمر الوطني، وقحت مستقبلها مع البرهان وليس الدعم السريع، فهناك تقاطعات اجتماعية بين الطرفين..
لكن التحدي الذي يواجه البرهان هو ياسر العطا والذي يشرف ويمول كتائب حزب المؤتمر الوطني وسمح لها بالتمدد على حساب الجيش، ياسر العطا يشاطر الكيزان رؤيتهم بأن هذه الحرب هي حربهم ويستحقون أن يحكموا السودان بلا منازع لأنهم قدموا الشهداء والتضحيات…
ولكن يبدو أن البرهان عندما يتحدث عن المؤتمر الوطني فهو يغازل الخارج أكثر من الداخل، هو يحاول تحييد الإمارات وطمأنة السعودية ومصر، وكل هذه الدول تريد أن تتعامل مع البرهان كضابط جيش محترف بدون صبغة سياسية، وهي مستعدة لدعمه وتسويقه للخارج كما أن هذه الدول لديها خبرة متجذرة في التعامل مع الإخوان المسلمين.
ولكن اللاعب الأهم هو الدعم السريع، وهو القوة الوحيدة والمنظمة والقادرة على كبح جماح الكيزان عسكرياً، ولو توفرت له الفرصة فسوف يقطع دابر الكيزان ويقوم ب crusade war ضدهم وهو محتقن بالجرائم التي ارتكبوها ضد أفراده، وسوف تجد هذه الحملة مساندة دولية وشعبية، فمجازر مليشيات الكيزان في الجزيرة سوف تفتح الباب لممارسة كل ما هو بشع ومؤذي في حقهم، فقد انتهى عهد تفكيك الصواميل بطريقة وجدي صالح وبدأ عهد السكاكين وتقطيع الأوصال…
لكن لا زالت المسافة بعيدة بين البرهان والدعم السريع، صحيح أن البرهان سمح باستخراج الأوراق الثبوتية لكل القاطنين في غرب السودان، ولكن هذه الخطوة هي النذر اليسير من تعقيدات قانون الوجوه الغريبة، وهناك آلاف المواطنين الذين تمت محاكمتهم بموجب هذا القانون ويقبعون في السجون ومن بينهم نساء وشباب وأطفال.
فلا زلنا نتلمس البدايات ولا نعلم مدى جدية أو عدم جدية البرهان ولكن هذا لا يمنع أنه يعتمد على أوراق قوية لتقوية موقفه، ربما هناك داعمين دوليين وربما هناك تحالفات في الداخل تتجاوز حصة الكيزان في المعركة..
وسوف تتضح الرؤية في الأسبوع القادم..