أخبارتقارير وتحقيقات

تحالفات الجيش المتباينة تعرقل مسار التسوية وتهدد قيادته بالعزلة

وكالات- الجماهير، كشف غياب وفد الجيش السوداني عن مفاوضات جنيف التي انطلقت الأربعاء عن أن التحالفات التي أبرمها الجيش مع الحركة الإسلامية وحركات مسلحة في دارفور تعرقل مساعي الحل السياسي، وأن وجود مصالح متعارضة من جهات تريد مواصلة الحرب يساهم في عزلة للجيش ووقوع قادته في تناقضات.

وشارك في مباحثات جنيف ممثلون عن قوات الدعم السريع والولايات المتحدة الراعية للمباحثات والسعودية ومصر والإمارات، وسويسرا باعتبارها البلد المضيف. وأوضح المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو في وقت سابق أن المحادثات “ستمضي قدما” بمشاركة الخرطوم أو دونها، لافتا إلى أنه حال لم يحضر ممثلو الحكومة “سيتعذّر إجراء وساطة رسمية” وسيكون “تركيزنا منصبّا على المسائل العملية”.

ولم تستبعد مصادر سودانية تحدثت لـ”العرب” أن يقوم الجيش بمراجعة موقفه من اجتماعات جنيف، بعد أن أمهلته الولايات المتحدة ثلاثة أيام للعودة عن قراره بعدم المشاركة، اتساقا مع ما جرى في مفاوضات جنيف السابقة، حيث أرسل الجيش وفدا إلى سويسرا بعد ممانعة، ثم شارك فيها بعد أن أعلن رفضه.

وأعلن قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الثلاثاء، رفضه إجراء مفاوضات مع الدعم السريع، قائلا “لا يمكن تحقيق السلام ما دامت قوات الدعم السريع تحتل المنازل والمدن والقرى وتحاصرها، وأن سبيل السلام أو إنهاء الحرب واضح، وهو تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جدة”.

ويعاني الجيش السوداني من تقييد في حركته السياسية، بعد أن وسع تحالفاته مع أطراف ليس من مصلحتها نجاح مسار التسوية، وظهر تأثير ذلك في موقفه من مبادرات وقف الحرب، وقد تظهر انعكاسات سلبية على بعض أوجه العلاقات الإقليمية التي يرتكن إليها الجيش، ويجد نفسه أسيرا لمواقف متعارضة معها.

ولدى الحركة الإسلامية التي برز حضورها داخل الجيش موقف معارض للانفتاح على الخارج، مستفيدة من خبراتها في اللعب على تناقضات القوى الدولية للبقاء على رأس السلطة، ولو قاد ذلك إلى عودة العزلة التي عانى منها السودان سنوات طويلة خلال فترة حكم الرئيس الأسبق عمر البشير.

وليس من المتوقع أن ينجح الجيش في رسم علاقات قوية مع المحيط الإقليمي حال سيطر فلول البشير تماما على التوجهات الخارجية، لأن استمرار الحرب وشبح تفتيت البلاد لا يتماشى مع جهود بعض القوى لوقف الصراع في السودان. ويريد قادة الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش الحفاظ على مكاسبهم التي تحققت بموجب اتفاق جوبا للسلام، وحال وجدت البساط يُسحب من تحت أقدامها قد تنكأ المزيد من الجراح في إقليم دارفور وبعض الأقاليم الأخرى.

وقال عضو المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير المعز حضرة لـ“العرب” إن التحالفات التي أبرمها الجيش هندستها الحركة الإسلامية التي تقبع على رأس المؤسسة العسكرية، وسوف تؤثر على موقفها من السلام، وظلت الحركة تناور بملفات تهدد الوجود السوداني ولا تعبأ بالتهديدات الأمنية، ما قاد إلى انفصال الجنوب، وليس لديها موانع من فصل جنوب كردفان أو دارفور أيضا، طالما ستبقى في السلطة.

وأضاف أن الحركة الإسلامية حصرت نفسها في بورتسودان وجزء من الولاية الشمالية، ولا مانع أن تحكم هذا الجزء فقط، في وجود موارد تسيطر عليها، ومن الطبيعي رؤية تراجعات من الجيش قبل دخول مفاوضات يمكن أن توقف الحرب.

واعتبر حضرة أن الحركة الإسلامية تهدد أي تحركات تقود إلى السلام، مع مراعاة أن تحالف الجيش مع الحركات المسلحة يأتي مع الجزء الضعيف فيها، وينتمي غالبيته إلى قبيلة “الزغاوة”، التي لا تمثل الغالبية القبلية في إقليم دارفور.

ولفت إلى أن بعض الحركات المسلحة استفادت من الحرب في إعادة ترتيب أوراقها وتسليح عناصرها بعد أن كانت حركات صغيرة غابت عن المشهد قبل ثورة ديسمبر التي أطاحت بالبشير وأحيتها من جديد، والآن تستفيد من موارد الدولة.

وظهرت معالم التخوف من وجود خلافات داخل معسكر الجيش في تصريحات أطلقها أخيراً توم برييلو، إذ شدد على أن “الوفد الذي بعثته الحكومة السودانية في بورتسودان للتشاور مع الجانب الأميركي في جدة لم يتحدث عن الأجندة المتعلقة بوقف إطلاق النار والقضايا الإنسانية، وكان كل تركيزه على الترتيبات السياسية”.

ويبرهن ذلك على أن الحركات والجماعات المنضوية داخل الجيش تسعى للحفاظ على وضعيتها المستقبلية قبل الدخول في مفاوضات جادة لوقف إطلاق النار، وإذا لم يتحقق ذلك فإن إفشال مساعي الحل قائمة، ما يجعل هناك أسئلة تدور حول أهمية تفتيت هذه التحالفات، وفصل أهدافها الآنية والمستقبلية قبل الشروع في الحل الشامل.

وشدد المعز حضرة في حديثه لـ“العرب” على أن تفكيك تحالفات الجيش يتم من خلال وحدة القوى المدنية وتمكنها من فرض رؤيتها والحصول على دعم المجتمع الدولي، وسيكون لعدم مشاركة الجيش في مباحثات دعت لها الولايات المتحدة ما بعده، وأن فرض المزيد من العقوبات أو التهديد بالتدخل الدولي تحت الفصل السابع أو تضخيم الأوضاع الإنسانية المتردية بطبعها من أجل التدخل من المحتمل حدوثه الفترة المقبلة.

وأكد اللواء كمال إسماعيل، وهو أحد العسكريين السابقين في الجيش السوداني وأحد أعضاء تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، أن أي مفاوضات تتم تفترض مشاركة الطرفين الرئيسيين والوسطاء، غير أن الوضع الحالي في جنيف مختلف مع حضور وسطاء وطرف واحد، وهو ما لا يجعل هناك مفاوضات بالمعنى الحقيقي.

وذكر إسماعيل في تصريحات لـ“العرب” أن الاجتماع التشاوري في جدة لم يصل إلى توافق بشأن مشاركة المراقبين، ولم يحصل وفد الحكومة على ضمانات لتنفيذ ما جرى التوصل إليه في اتفاق جدة سابقا، وبالتالي لا توجد ضمانات لتنفيذ أيّ تفاهمات في المستقبل.

وأوضح أن ما صرحت به الخارجية السودانية بشأن الموقف من المباحثات هو الموقف الموحد للحكومة السودانية ويصعب الاعتداد بتصريحات أخرى خرجت عن الحركات المسلحة أو الحركة الإسلامية، وهذه الأطراف طالما أنها تقاتل إلى جانب الجيش ستكون ممثلة في أيّ وفد حكومي، لافتا إلى أن غياب وفد الجيش عن جنيف ليس بسبب الخلافات، لكن لعدم القناعة بالذهاب إلى المفاوضات من الأساس.

وشدد إسماعيل على أن ضياع فرصة الوساطة في جنيف سوف تترتب عليها احتمالات عدة، بينها البحث عن وسطاء آخرين، وهو أمر قد يأخذ المزيد من الوقت، أو التوجه نحو التصعيد لمحاولة الحسم العسكري، أو قد يتدخل المجتمع الدولي لدوافع إنسانية في الأزمة السودانية، وهي مسألة تعارضها دول الجوار والسودانيون. (نقلًا عن صحيفة العرب).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى