أخبار

جماهير حزب الأمة: تنادوا لسدِّ (الفرقة) فمن يخلف (الإمام)؟

تقرير: فتحية عبد الله

ما أن نعي الناعى الإمام الصادق المهدي، فجر الخميس، إلّا وبدأت وسائل الإعلام المحلية والعالمية رحلة تنقيب وتمحيص بين أنجال الإمام الراحل علَّها تجد إجابة على السؤال الملح، “من سيخلف الراحل في رئاسة حزب الأمة القومي؟ “.

وسؤال الخلافة بحسب متابعات (الجماهير) لم يكن وليد دهاليز المراقبين لمسيرة الحزب أو المتفاعلين مع البيت الأنصاري، بل كان سؤالًا بائنًا طرحته أعين قيادات الحزب المغرورقة بدموع الحزن والمتيتمة بفقد الربان، وهي – القيادات – تجثوا تحت الأشجار التي تتهاوى بالقرب من قبة الإمام المهدي المحتضنة لجثمان المهدي.

على الرغم من أنَّ ثمة أربعة نواب رئيسٍ وخامستهم ابنة الراحل مريم المنصورة، ومن شأنهم أن يتولوا أمر حزب الأمة القومي، لحين عقد مؤتمره العام ومن بعدها يدفع الناخبون بمن يرونه مناسبًا من القاعدة لشغر الفراغ، إلَّا أنَّ التكهنات رجحت عدم خروج الرئاسة من بيت المهدي، وبحسب قيادات من داخل سُرادق عزاء الإمام لـ”الجماهير” فإن الصديق الصادق المهدي، مسؤول القطاع الاقتصادي للحزب والأسرة ونجل الراحل هو الأقرب لخلافة والده في الكيانين الديني والسياسي، مقارنة بأشقائه وشقيقاته الآخرين وذلك لتمتعه بقبول كبير وسط قيادات الحزب وجماهير الأنصار، فضلًا عن إلمامه بجميع الملفات لقربه من والده الراحل.

وتزوج الإمام الصادق المهدي في 1960م من السيدة حفية مأمون الخليفة شريف، وفي 1962 من السيدة سارة الفاضل محمود عبد الكريم – التي توفيت في فبراير 2008م – . وأنجب منهما: أم سلمة (1961)، رندة (1963)، مريم (1965)، عبد الرحمن (1966)، زينب (1966)، رباح (1967)، صديق (1968)، طاهرة (1969)، محمد أحمد (1974) وبشرى (1971).

لكن قيادات حزب الأمة القومي أشارت أن الحديث عن الخلافة في هكذا توقيت لا قيمة له؛ إذ أن لرئيس الحزب خمس نواب هم اللواء فضل لله برمة ناصر، والفريق صديق محمد إسماعيل، والدكتور إبراهيم الأمين، والدكتور محمد عبد الله الدومة، بجانب الدكتورة مريم الصادق المهدي، وبحسب دستور الحزب فإذا توفي الرئيس ينوب عنه النائب الأول من بين النواب الموجودين، لذا فإن الحزب ولحين انعقاد مؤتمره العام سيكون بقيادة اللواء فضل الله برمة، وهذا الحديث تحديدًا يضحد الأحاديث التي تدور بالشارع العام عن عدم معرفة من يقود حزب الأمة القومي بعد وفاة رئيسه .

لكن في الجانب الآخر تقول مصادر حزبية لـ”الجماهير”، إنَّ شباب الحزب ظلَّوا ومنذ وقت بعيد يخططون لإخراج آل المهدي من رئاسة الحزب، لأن الحزب ملك عام ولم ينشأ لأجل التكريس لجماعة أو طائفة بعينها، وهنا بحسب مراقبين يبرز اتجاه قوي للدفع بالواثق البرير، الأمين العام الحالي ليخلف الإمام الصادق المهدي، بعد انعقاد المؤتمر العام، وتضيف المصادر أن الرجل صاحب أغلبية قاعدية بالحزب مقارنة بمن هم موجودين الآن على دفة قيادته.

مريم الصادق في وداع والدها

ولأن ثمة صراعاتٍ داخلية ذات طابع تكتلي سابق كانت تهدِف للإطاحة بأسرة المهدي، فقد برز الإمام الصادق المهدي، وقتها كمتَّهمٍ أوَّلَ باحتكار الزعامة والاستفراد بقيادة الحزب، قبل أن تتطور الاتهامات بمحاولات توريث الحزب لأحد أبنائه، حينما تم تصعيد ابنته مريم الصادق، للعمل بجواره في الرئاسة.

ومريم الصادق، المولودة في العام (1965) درست الطب، لكنها تعمل به؛ بل التحقت بصفوف المقاتلين في أسمرا، ووصلت لرتبة رائد في الجيش السوداني. وسلكت المنصورة طريق والدها سياسيًّا، حيث نالت عضوية اللجنة المركزية للحزب، وعضوية المكتب السياسي – كذلك – إلى أن نالت المركز الخامس في رئاسة الحزب – بالنيابة – بجانب النواب الأربعة. كما برزت كمعارضة من الدرجة الأولي لحكومة الإنقاذ البائدة؛ ساعدها وجود والدها في الصفوف الأمامية لتحالفات القوى السياسية التي عارضت النظام البائد. واعتُقلت عِدَّة مرات من قبل جهاز الأمن والمخابرات الوطني؛ ما دفعها – بحسب مقربين – للالتحاق بكلية القانون جامعة النيلين، التي نالت منها درجة البكلاريوس.

نائب رئيس حزب الامة – فضل الله برمة ناصر

في السابقـ وعندما وصل الإمام الصادق المهدي، الخامسة والثمانين من عمره، أعلن أمامَ حشد كبير من أنصاره في (حوش الخليفة) بأم درمان، اعتزاله العمل السياسي، والتخلي عن رئاسة حزب الأمة القومي، والتفرغ لما سماه القضايا الفكرية على الصعيدين الإقليمي والعالمي. هذا الاعلان وقتها فسره مراقبون بأنه جزء من التكتيك الذي ظلَّ يتبعه لتمهيد الطريق لخلفائه في الحزب وفي الطائفة الدينية. لكن يومها أرتجَّ المكان المحتشد بصيحات جماهير الأنصار الرافضة لقرار الاعتزال بهتافات على شاكلة “لن نصادق، غير الصادق”. الآن أعاد التاريخ ذات موقف الاعتزال، لكن هذه المرة بإرادة الله عزَّ وجلَّ، ليتجدد السؤال من يصادق الأنصار غير الصادق؟.

يوم أمس الخميس، نأى كثير من أنصار حزب الأمة بأنفسهم عن الخوض في سؤال الخلافة؛ باعتباره شأنًا تنظيميًّا، بينما رأى البعض الآخر أنه شأن وطني، طالما أن شؤون الحزب التاريخي تنسحب على المسرح الوطني. لكن ولأنَّ الشباب قاعدة عريضة، فقد قال القيادي الشاب بحزب الأمة القومي محمد عبد الله: “نحن أنصار… وعقاب كتلة والموت ليس بجديد علينا.. منَّا من مات في المعارك.. ومنا من مات بفروته وفي فراشه.. وحزب الأمة ظلَّ يفكر دومًا، وفي أحلك الظروف في الحلول ومعادلة المستقبل، ولن يكون يومًا ما أسيرًا للأزمات التي لا يتوقف عندها كثيرًا”. وأضاف: “نحن إحدى محطات هذا الكيان ولا ينبغي أن نكون الأضعف على الاطلاق. ولحين تسليم الراية لمن تختاره القاعدة الجماهيرية في المؤتمر العام للحزب، نعتبر أنفسنا في إحدى المعارك، إذ مجال لأن تسقط منَّا الراية.. ومن كان قريبًا فليستلمها دون تردُّد “.

وبحسب عضو المكتب السياسي لحزب الأمة القومي محمد زين عديلة، فإن الإمام لم يكتب أيَّ وصية تتعلق باختيار خليفته في الحزب. وقال في تصريح مقتضب لراديو مونت كارلو: “إن المهدي لم يوص باختيار خليفة له لرئاسة حزب الأمة القومي، لأنه يعلم أن الحزب مليء بالكوادر التي يمكن أن تخلُفه في رئاسة الحزب”، مشيرًا إلى أنه ترك أمر اختيار خليفة لثقته الكاملة في قيادة الحزب وقدرتها على اختيار من يترأس الحزب خلال المرحلة المقبلة“.

ويقول المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر، لـ”الجماهير”: “انطلاقًا من حقبة بعد استقلال السودان التي أكَّدت الديمقراطية في السودان، ومرورًا بثورة أكتوبر المجيدة، ودخول البلاد عهد جديد من الديمقراطية، فقد تأثر حزب الأمة القومي كثيرًا بالممارسة الديمقراطية، للحد الذي دفع بالإمام الراحل الصادق المهدي، لإرساء مبادئ الديمقراطية بداخل حزبه، ووضع عبء كبير جدًّا على قيادات الحزب لاختيار القيادة الجديدة؛ سواءً كان على مستوى الحزب أم هيئة شؤون الأنصار”،  وأضاف: “الإمام الراحل بعبقريته التاريخية، ثبَّت مبدأ انتخاب الأكفأ للإمامة والحزب؛ وإن كان خارج البيت المهدي. هذا المبدأ – بالتأكيد – وضع الطامحين أمام قدَر مواجهة الكفاءة، خاصة في المرحلة المقبلة، وتوقع في حديثه للـ”الجماهير”، تخصيص الحزب لورشة داخلية لتقييم مبادئ اختيار القيادة السياسية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى