العلمانية ببساطة نظام يضمن حرية المعتقد للجميع، ويمنع استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية.
تتعرض العلمانية في السودان لحملة تشويه مستمرة من قبل جماعة الإخوان المسلمين، الذين يصفونها بالكفر والإلحاد ويستخدمونها كفزاعة لتخويف المجتمع السوداني. هذا التصوير المغلوط ليس جديدًا، بل هو جزء من استراتيجية الجماعات الإسلامية لاستغلال الدين سياسيًا، إذ يروجون لفكرة أن العلمانية تعني محاربة الدين، رغم أن دولًا إسلامية علمانية مثل تركيا وماليزيا وإندونيسيا تنفي هذا الادعاء.
إن ادعاء الإسلاميين بمحاربة العلمانية ليس سوى شعارات فارغة تهدف إلى إبقاء قبضتهم على السلطة من خلال المتاجرة بالدين. فباسم الحرب على العلمانية، حكمت الحركة الإسلامية السودان لأكثر من ثلاثة عقود دون أن تطبق الشريعة الإسلامية التي تدعي الدفاع عنها. بل كانت سنوات حكمهم مليئة بالفساد والاستبداد، مما كشف زيف شعاراتهم.
المفارقة أن الدول التي يمجدها الإسلاميون السودانيون ويحجون إليها، مثل تركيا والإمارات وروسيا ومعظم دول الخليج، كلها دول علمانية. حتى القيادات الإسلامية التي تحظى بإعجابهم، مثل أردوغان والغنوشي وعلي الحاج، لا يعادون العلمانية بل يتعاملون معها كواقع سياسي ضروري.
إعلان ميثاق نيروبي وإقراره بمبدأ العلمانية يمثل ضربة قاصمة لوهم محاربة العلمانية، كما أنه يدحض مزاعم الإسلاميين بأنها خروج عن الدين. إن توقيع أحزاب عريقة مثل حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي على هذا الميثاق يؤكد أن السودان بحاجة إلى دولة تفصل الدين عن السياسة لضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين.
وكما أشارت الصحافية رشا عوض، فإن الإسلاميين أنفسهم يمارسون ازدواجية مفضوحة تجاه العلمانية. فرجب طيب أردوغان، أحد رموز الإخوان المسلمين، يحكم تركيا منذ عقود في ظل نظام علماني، بل إنه نصح إخوانه في مصر بقبول العلمانية كضمان للاستقرار السياسي. في المقابل، يرفع إسلاميو السودان أردوغان كرمز إسلامي بينما يكفرون كل من يطالب بعلمانية الدولة في السودان. هذا التناقض يفضح انتهازيتهم، ويكشف أن معركتهم ليست مع العلمانية بحد ذاتها، بل مع أي نظام يهدد نفوذهم وسلطتهم.
العلمانية ليست كفرًا ولا عداءً للدين، بل هي ببساطة نظام يضمن حرية المعتقد للجميع، ويمنع استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية. آن الأوان للسودانيين أن يدركوا هذه الحقيقة، ويتجاوزوا الابتزاز الديني الذي تمارسه الجماعات الإسلامية، من أجل بناء دولة مدنية ديمقراطية تضمن حقوق الجميع دون تمييز.
hasnabdu@gmail.com