أخبار

حمدوك .. محاولة جديدة لتجسيير “الطريق إلى الأمام”

رئيس الوزراء يُدشن مبادرة لتوحيد قوى الثورة وحماية الانتقال الديمقراطي 

الخرطوم – الجماهير
على غير ما اعتاد عليه السودانيون، في مخاطبات رئيس مجلس الوزراء الانتقالي، د. عبد الله حمدوك، جاء خطابه مساء (الثلاثاء) من الأسبوع الماضي (15 يونيو)، إلى الشعب السوداني، محملًا بكثير من شحنات الهواء الساخن، التي نفثها الرجل بأمل أن ينتبه شركاء الفترة الانتقالية إلى تحديات حقيقة تواجه المرحلة، وهي بحاجة ملحة إلى وحدة الصف والتماسك بهدف العبور.
واليوم (الثلاثاء)، (22 يونيو) ألحق حمدوك خطاب الأسبوع الماضي، بطرح مبادرة هي الأوضح في معالمها وأهدافها منذ انطلاق الفترة الانتقالية قبل عامين من الآن، وتهدف المبادرة التي تقع في ما يزيد عن الألف كلمة وعدة فقرات ومحاور إلى انتشال البلاد من الأزمة الحالية وحالة التشظي التي تكتنف الانتقال.
وتضمنت محاور المبادرة: إصلاح القطاع الأمني والعسكري، والعدالة، والاقتصاد، والسلام، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو ومحاربة الفساد، والسياسة الخارجية والسيادة الوطنية، والمجلس التشريعي الانتقالي.

حالة تشظي
تأتي المبادرة في وقت تتسع فيه رقعة التشظي والشقاق بين مكونات الفترة الانتقالية، بجانب اتساع قاعدة معارضي الحكومة الانتقالية لتشمل بجانب فلول النظام السابق، قوى ثورية مؤثرة كانت بالأمس دافعة لنجاح الثورة، لكنها باتت اليوم تكافح من أجل اسقاط الحكومة، وقد جسدت مواكب الثالث من يونيو الحالي التي خرجت لإحياء الذكرى الثانية لمجزرة فض الاعتصمام أمام القيادة العامة وسط الخرطوم، التي خلَّفت ما يزيد عن المائة من الشهداء ومئات الجرحى والمفقودين، فقدت جاءت المواكب تحت لافتات شتى وكان الصوت الأعلى فيها لهتافات تنادي بإسقاط الحكومة أو تصحيح مسار الانتقال، وصدرت هذه الأصوات عن قوى مختلفة المشارب بمن فيهم أنصار النظام البائد الذين بلغت بهم الجرأة المجاهرة بانتقاد حكومة حمدوك مسنودين بقوى ثورية لا يستهان بها.
الخطاب الأطول
لأول مرة، كان خطاب حمدوك الأسبوع الماضي، هو الأطول بين خطابات الرجل إلى الشعب منذ أن أدى اليمين الدستورية رئيسًا لوزراء الحكومة الانتقالية في الحادي والعشرين من أغسطس 2019م، ففي حين كان متوسط طول الخطاب في حدود سبعمائة كلمة، تجاوز خطاب (الثلاثاء)، ألفي كلمة تناولت قضايا الأمن والاقتصاد والسياسة.
ليس ذلك، فحسب، بل تأتي المبادرة في وقت باتت فيه حالة تشظي قوى الثورة أكثر تجذرًا من أي وقت مضى، ولم تعد تلك الانقسامات والخلافات مقتصرة على الشريكين –المكونين العسكري والمدني- أو قوى الحرية والتغيير، ولكنها صارت أكثر عمقًا حتى بين قوى الشارع السوداني ولجان المقاومة.

لقاءات ومشاورات
أعلن رئيس الوزراء خلال مؤتمر صحفي عقده اليوم (الثلاثاء) لطرح المبادرة أنه شرع بالفعل في إجراء لقاءات ومشاورات واسعة مع قيادات السلطة الانتقالية (مدنيين وعسكريين) بجانب القوى السياسية والمدنية وقوى ثورة ديسمبر، وذلك بخصوص تطوير مبادرته الموسومة بـ(الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال – الطريق إلى الأمام).

تحذيرات
وصف حمدوك الأزمة التي تعيشها البلاد بالمخيفة في تداعياتها وما يصاحبها، وقال إنّ الشراكة السياسية في السودان بين المدنيين والعسكريين لا تسير في خط مستقيم، وتواجه تحديات كبيرة.

وكان الخطاب الذي تلاه على الشعب (الثلاثاء) الماضي، حمل تحذيرات غير معهودة أن تجري على لسان الرجل، جراء ما آلت إليه الأوضاع خلال الفترة الماضية، واصفًا الأجواء بأنها تنذر بالفوضى وإدخال البلاد في حالة من الهشاشة الأمنية.
بل يتجاوز الأمر ذلك، حسب حمدوك الذي حذَّر صراحة من أن البلاد مهددة بالدخول في حالة من التشظي والانقسام بسبب تدهور الأوضاع الأمنية؛ تحوَّل الأمر في بعض الحالات من تحركات للتعبير.

رسائل مباشرة
عبر ذلك، الخطاب بعث رئيس الوزراء برسائل واضحة إلى شركاء الفترة الانتقالية جاءت أكثر مباشرة فيما يلي المخاطر التي تتهدد الانتقال، فقد بلغ به الحال للتحذير من نشوب حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس، بسبب الظروف القاسية التي تهدِّد تماسك ووحدة البلاد، بسبب انتشار خطاب الكراهية وروح التفرقة القبلية.
وأضاف قائلًا: (هذه التشظيات يمكن أن تقودنا لحالة من الفوضى وسيطرة العصابات والمجموعات الإجرامية، كما تساعد على تفشي النزاعات بين المجموعات السكانية كلها، مما قد يؤدي إلى حرب أهلية تقضي على الأخضر واليابس).
كما حذَّر رئيس الوزراء من أن من يتربصون بالثورة والتغيير لا يفرِّقون بين مدني وعسكري، فهم يطلقون رصاصاتهم الموجَّهة وكلماتهم المحرضة ابتغاءً للفتنة وبروح غدرٍ وانعدام ضمير.

شراكة استراتيجية
بالنسبة لحمدوك فإن التدهور الحاصل الآن يعود بالأساس للتشظي الذي حدث بين مكونات الثورة، والذي ترك فراغًا تسلَّل منه أعداؤها وأنصار النظام البائد، وبالتالي فإن قوى الثورة لا مجال أمامها سوى أن تتوحد وتعيد تماسكها وتُنظِّم صفوفها، فهي بوحدتها فقط قادرة على حماية الثورة وقيمها وأهدافها، وعلى العكس فإن تشتُّتها هو الذي يدفع أعداءها للتحرك والتآمر.
يرى حمدوك في الشراكة القائمة بين العسكريين والمدنيين، شراكة استراتيجية ذات أهمية قصوى وضرورة على إنجاحها، وهي رؤية تخالف رؤى كثير من قوى الثورة وشركاء الانتقال.
ويقف الرجل في هذا السياق على دفع قوي حمله خطاب الأسبوع الماضي عندما قال (الحقيقة أن الشراكة القائمة الآن هي نتيجة للوثيقة الدستورية واتفاق السلام، بل إن الحكومة الانتقالية نفسها هي نتيجة لهذه الشراكة التي لا تخلو من التحديات).
وبالتالي تظل مسؤولية إنجاح الفترة الانتقالية مسؤولية جماعية لكل مؤسسات الحكم الانتقالي، والتي ينبغي أن تعمل مع بعضها لمواجهة هذه الصعوبات.

أيادٍ خبيثة
واتهم حمدوك ما وصفها بالأيدٍ الخبيثة بأنها تسهم في تعطيل عجلة الإنتاج ودولاب العمل الحكومي وسير عمل القطاع الخاص، وكذلك تحرِّض على الانفلات الأمني، قبل أن يقطع بأن حكومة الثورة لن تتهاون في حسم تلك الجهات بما يقتضيه القانون والسلطة الممنوحة من قبل الوثيقة الدستورية.

حفظ التوازن
يقول حمدوك “لقد حاولتُ بقدر الإمكان أن أحفظ التوازن الصعب بين المكونات جميعها، وقد تحملتُ اتهاماتٍ بالضعف وعدم القدرة على المواجهة، بينما كان مصير البلاد والشعب هو همِّي وبوصلتي في كل المواقف التي اتخذتها”.
لكن التوازن يتطلب قدرًا كبيرًا من المرونة والتفاهم وإلى توجيه اهتمامٍ أكبر لخلق التوازن بين جميع الأطراف، وعدم الدخول في معارك جانبية لن يتضرر منها سوى أمن السودان واستقراره وفقًا لحمدوك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ