تقارير وتحقيقات

حول رؤية قوات الدعم السريع للحل الشامل

إبراهيم مطر
الناظر للوضع الحالي منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل الماضي، يلحظ بوضوح صحة ما ذهبت إليه قوات الدعم السريع من أن الحرب الحالية هي حرب فُرضت على السودانيين جميعاً، بعد أن قام التنظيم الإخواني داخل الجيش، بُمهاجمة قوات الدعم السريع في المدينة الرياضية صبيحة الخامس عشر من أبريل، في إطار مشروع الحركة الإسلامية المُعلن، للوصول للسلطة عبر بندقية الجيش المسيس، وإقامة نظام ديكتاتوري على نسق الإنقاذ البائدة. وإدخال البلاد في عُزلة تعود بها لتسعينيات القرن الماضي بعد القضاء على قوات الدعم السريع، وقطع الطريق أمام مسيرة ثورة ديسمبر وشعاراتها التي تتناقض مع مصالح فلول النظام البائد. لكن ومع استمرار الحرب، ونتيجة للدعاية الحربية الكبيرة التي نهضت لها الغرف الإعلامية للفلول بحماس كبير، وجدت قوات الدعم السريع نفسها مُلزمة بالإجابة على أسئلة تبدو سياسية الطابع، بعد أن تصدت منظومة (قوات الدعم السريع) لعبء الدفاع عن شعارات الثورة ومكتسباتها، والمضي فيها إلى آخر الشوط عبر الكفاح المسلح، حينما لم يترك الإسلاميون أمام الشعب السوداني خياراً آخر للخلاص.

وقف إطلاق النار الشامل:
ويأتي في مقدمة هذه الأجندة دفع الجيش للوصول إلى توقيع وقف شامل لإطلاق النار، يُسهم في عودة الحياة لطبيعتها في البلاد، وإنهاء معاناة المواطنين جراء القصف الجوي للمنازل، والاعتقالات والقتل على الهوية في ارتكازات الجيش، والتي كان آخرها اغتيال محمد الهادي دبكة – ابن ناظر قبيلة البني هلبة – ومصعب الضي يوسف بدم بارد من قبل عناصر الاستخبارات العسكرية للجيش – التي تسيطر عيها الحركة الإسلامية – بمنطقة العيلفون، ما يؤكد على ضرورة هزيمة هذا المشروع الإثني المُسلح، إن أريد للسودان أن يتعافى مما حاق به من ويلات. وأكدت قوات الدعم السريع في أكثر من مناسبة أنها لا تعادي سوى عناصر التنظيم الإخواني داخل الجيش، الذي يعيق أي جهود للتوصل لحل سلمي متفاوض عليه، يحفظ ما تبقى من البلاد ويحقن دماء السودانيين. وتعتبر هذه أولوية لقوات الدعم السريع، بحسب مواقفها المعلنة.

إصلاح المؤسسة العسكرية:
ولم تبدأ قوات الدعم السريع الحديث عن إصلاح المؤسسة العسكرية بعد الحرب، بل عبرت عن موقفها أثناء الورش التي أقيمت توطئة للوصول لتفاهمات والتوقيع على الاتفاق النهائي للعودة للمسار الانتقالي، بحضور الوساطة الآلية الثلاثية والآلية الرُباعية، بعد أن تم وضع المبادئ الأساسية له في الاتفاق الإطاري المُوقع عليه في الخامس من ديسمبر من العام الماضي. وتحدثت قوات الدعم السريع بوضوح حينها عن العيوب التي صاحبت نشأة القوات المسلحة السودانية من الأساس، وصولاً للوضع الحالي كقوات مؤدلجة تسيطر على قيادتها إثنية محددة على امتداد سنوات طويلة، بينما تعتمد على قوات مُقاتلة من من أطراف السودان المُختلفة، خاصة أقاليم كردفان ودارفور والنيل الأزرق، وناقش الدعم السريع شروط دخول الكلية الحربية وغيرها من القضايا ذات الصلة ما تُوج بالتوقيع على ورقة الإصلاح الأمني والعسكري في مارس الماضي قبل أن ينقلب عليها الجيش، بعد أن زينت له الحركة الإسلامية الدخول في الحرب وكيف أنه سينتصر فيها حال خوضها في ست ساعات على الأكثر.

إبعاد عناصر النظام المُباد:
ولما كان فلول النظام البائد الذين ظلوا يسيطرون على كامل المنظومة الأمنية في البلاد لما يزيد عن الثلاث عقود – من جيش وشرطة وجهاز أمن وحتى مؤسسات الخدمة المدنية – هُم العائق الأساسي أمام إصلاح هذه المؤسسات باعتبار الإصلاح يضر بامتيازاتهم التاريخية فيها، فمن غير المنطق أن يكونوا جزءاً من الحل. وبالتالي أكدت قوات الدعم السريع على ضرورة إبعاد هؤلاء باعتبارهم جزء من المشكلة. ولذا يظل إبعاد فلول النظام البائد عن أي مفاوضات مستقبلية بشأن الحل السياسي يعيد الإسلاميين للمشهد من جديد هو ضرورة يمليها واقع الحال.

العودة للوضع المدني الانتقالي:
وأظهرت حرب أبريل ضرورة الوصول لمفاوضات سياسية تعقب التوصل لوقف إطلاق نار دائم أو طويل الأمد على أسوأ الفروض، وترى قوات الدعم السريع أنه لن يكون ثمة تفاوض حول الأجندة السياسية بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، بل يجب أن تشمل قوى سياسية ومدنية ومجتمعية تتوافق جميعها حول أجندة وطنية تهدف للحل السياسي الشامل، بهدف الوصول لخلاصات تتعلق باستعادة الوضع المدني الانتقالي وتصحيح المسار، وبناء أكبر جبهة مدنية تشكل قاعدة لهذا الانتقال. فضلاً عن تكوين حكومة انتقالية ذات مهام محددة تهدف لتلافي أخطاء الماضي، وتطهير مؤسسات الدولة من شبهات الأيدلوجيا والانحياز، واستعادة حيدة الدولة تجاه المواطنين، وإرساء قيم العدالة والمساواة.

معالجة جذور الأزمة وإنهاء الحروب:
وتُشير بيانات ومواقف الدعم السريع المُعلنة لضرورة أن تكون حرب أبريل هي آخر الحروب في السودان، عن طريق مُعالجة أسباب اندلاعها منذ الاستقلال. وذلك باعتبار أن قوات الدعم السريع، وبعيداً عن نشاطها العسكري، فإنها باتت تعبر عن قطاع كبير من مُكونات مُجتمعية سودانية، ظلت تُعاني من التهميش لسنوات طويلة. وهنا لا بد من استصحاب القضايا التي تهم هؤلاء في التفاوض القادم، مع مُراعاة أنه لا يمكن اختزالها هذه المرة في قضايا التنمية المتوازنة وإنهاء التهميش، بعد أن طرحت هذه المجتمعات أسئلة جديدة تتعلق ببنية الدولة نفسها، وضرورة مُشاركتها في السلطة بصورة حقيقية تبتعد عن الترميز التضليلي، بما يحفظ مصالحها، وما إليه من قضايا ظهرت بعد تفجر ثورة ديسمبر، وخاصة بعد اندلاع حرب أبريل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى