فرضت قوات الدعم السريع، الخميس، سيطرتها على مدينة «الفولة» عاصمة ولاية غرب كردفان، واستولت بالكامل على مقر اللواء 91 مشاة التابع للفرقة 22 مشاة بابنوسة والتي بدورها تشهد حصاراً محكماً ربما يعجل بنهايتها تحت أي لحظة.
وتعد مدينة الفولة حاضرة ولاية غرب كردفان ذات أهمية استراتيجية وسياسية واقتصادية، فهي تقع في الجزء الجنوبي الغربي لإقليم كردفان وتتمتع بإقليمين طبيعيين، تحدها من الشرق ولاية جنوب كردفان ومن الشمال الغربي ولاية شمال دارفور ومن الجنوب الغربي ولاية شرق دارفور ومن الشمال ولاية شمال كردفان ومن الجنوب دولة جنوب السودان، وتضم (15) محلية كبرى.
وبالحسابات العسكرية يتضح أن الدعم السريع يستخدم تكتيك عسكري متقدم يقوم على الحصار ومباغتة العدو، إضافة إلى عدم مركزية القيادة الميدانية، ففي الوقت الذي يدير فيه المعارك الميدانية بمناطق «أم بعر» بشمال دافور محققا فيها انتصارات كاسحة ضد حركات دارفور المتحالفة مع الجيش، حقق نصراً آخراً بالسيطرة على الفولة دون الإخلال بالحصار المفروض على الفاشر وبابنوسة والأبيض.
وبهذا التكتيك يمكن للدعم السريع أن يحدث تحولًا نوعيًا في العمليات العسكرية، فقيادة الجيش التي تسيطر عليها الحركة الإسلامية تتضاءل فرص تحقيقها لنصر عسكري ميداني يوماً تلو آخر، وقد يأتي يومًا ولا تجد من تتفاوض عليه. ولذا؛ بسحابات العقل يجب على قيادة الجيش أن تذهب للتفاوض وتحفظ ما تبقى لديها من فرق وحاميات، فهي استنفدت كل فرص النصر بدءً من تجنيد المستنفرين والكتائب الجهادية ومنسوبي الإسلاميين، وانتهاءًا بالحركات المسلحة، ورغم ذلك فشلت فشلاً زريعاً في تحقيق نقاط تقدم. ولذا من الأفضل لها أن تمضي نحو الحل الممكن.. فالمتاح اليوم قد لا يتوفر غداً.
من الناحية الاستراتيجية فإن سيطرة قوات الدعم السريع عليها تعني بسط نفوذها على كامل الولاية، وبذلك تمتد سلسلة سيطرتها لتصل غرب كردفان. وأصبح الطريق سالكًا لها مع إقليم دارفور حتى الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى وكذلك مباشرة مع دولة جنوب السودان. هذه السيطرة ستكمن الدعم السريع من الإنطلاق إلى الفرق الأخرى وهي النهود والأبيض وبعد السيطرة على عاصمة غرب كردفان باتت الأبيض عاصمة شمال كردفان في مرمى مدفعية الدعم السريع ومتوقع تزايد الحصار عليها خلال الفترة المقبلة.
وفي السياق ذاته فإن بسط نفوذها على الولاية سيضيق الخناق على الجيش ومنسوبي المؤتمر الوطني الذين يعملون في مناطق سيطرة الدعم السريع لعرقلة تقدمها، وبذلك تستطيع أن تحبط كل مخططاتهم وأحابيلهم، خاصة وأن بعض المعلومات تواترت عقب زيارة مكثفة نظمتها استخبارات الجيش وأزرعها من عناصر النظام البائد بقيادة أحمد الصالح صلوحة لعدد من أبناء المنطقة إلى بورتسودان بهدف تجيش أبناء تلك المناطق لشل حركة الدعم السريع، ويبدو أن هذا الخيار بات صعباً حالياً بعد السيطرة على المدينة.
وتعد ولاية غرب كردفان من أغنى الولايات من حيث الموارد وذات موقع استراتيجي فهي التي تحتضن أبار النفط المنتج وتمر بها خطوط الأنابيب الرئيسية. وبالسيطرة عليها بات الدعم السريع فعليا متحكم في مناطق الإنتاج من حقول بليلة وأبو جابرة وغيرها وكذلك نقاط العبور والأنابيب العابرة وحتى محطات التخزين والضخ في العيلفون ومصفاة الجيلي جميعها باتت تحت تصرفه، وهو ما يعزز من وضعيته على الأرض ويزيد من فرص قدرته على فرض الحلول والخيارات للمستفيدين من الذهب الأسود.
كما أن السيطرة على الولاية تزيد من مرونة وقدرة الدعم السريع على التعامل مع الحدود لجهة أن الولاية تجاور دولة جنوب السودان التي لها مصالح مباشرة تتمثل في النفط المنتج ويمر عبر المناطق التي يسيطر عليها الدعم السريع، فضلا التجارة الحدودية وعبور المواطنين إلى الدول الأخرى.
ومن الجانب السياسي فقط استطاع الدعم السريع أن يقطع الطريق على الخطط الشريرة التي تحيكها الاستخبارات لإشعال مناطق سيطرته في كردفان، كما بات بإمكانه قطع خطوط إمداد الجيش من المقاتلين المتمرسين من أبناء كردفان لتغذية حاميات الفولة والنهود والأبيض.
حال استطاع الدعم السريع أن يبسط الأمن فإن الولاية مرشحة لتكون نموذج في الوضع الاقتصادي والتنموي لجهة تمتعها بموارد متنوعة ومتعددة وفي متناول اليد، حيث تتميز بالعديد من الثروات الزراعية والحيوانية والنفطية والغابية، ولها إنتاج كثيف في الفول السوداني والسمسم والبطيخ والدخن والصمغ العربي، كما تتميز بتربية الأبقار والماعز والضأن، والإبل والضأن الحمري والماعز، وتعتبر من الولايات الغنية بالثروة النفطية حيث توجد بها العديد من الحقول البترولية مثل حقل بليله وصرفايه كما توجد حقول أخرى، إضافة للذهب والنحاس والرخام.