رأي

خالد عبيد يكتب: مفاوضات جنيف ومكر دويلة «56»

التسويف والمماطلة والتلكؤ؛ الذي ظلت تمارسه دويلة «56» منذ إعلان وزير الخارجية الأمريكي السيد بلينكن تبني حوار ثنائي بين أطراف النزاع في السودان؛ يشير إلى عزمها على اتخاذ الحرب خيارًا وحيدًا، وإطالة أمدها، متجاهلة معاناة المواطنين والحالة الإنسانية الحرجة التي يعيشها السواد الأعظم من أبناء الشعب السوداني.

في الوقت الذي كان من المتوقع أن تبدي دويلة «56» رغبة حقيقية في ترجيح خيار السلم، وهذه  الفرضية تعزّزها انتصارات الدعم السريع في ميادين القتال، فاجأت الكثيرين بتسمية وزير المعادن السابق “أبو نمو” رئيسًا لوفد مباحثات جدة. تنطوي هذه الخطوة على عدم جدية في التوصل إلى صيغة تخدم إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين، دعك من الحديث عن عدم شرعية حكومة بورتسودان القائمة في انقضاضها على الشرعية منذ انقلابها المشؤوم.

قصدت دويلة «56»، بتعيين “أبو نمو”، إرسال رسائل سياسية لحواضنها تماهيًا مع رغبة الإسلاميون الذين يسيطرون على مفاصل الجيش وأصحاب الحل والعقد في كل قراراته. تنطوي هذه الرسائل المبطنة على رفض مفاوضات جنيف ضمنًا وليس تصريحًا، فضًلا عن نزعة دويلة «56» الخبيثه في تصوير الدعم السريع كحركة مسلحة. وإذا استصحبنا الدلالة والرمزية لـ”أبو نمو” كند rival، نجده غير شرعي وغير مكافئ  لرمزية ممثلي ومفاوضي الدعم السريع  وشرعيتهم التي ينطلقون منها. وبهذا تحاول دويلة «56» أن تجنب قادتها الاحتراب الداخلي والاغتيالات التي تنجم عن مباركة التفاوض في الشأن الإنساني كوسيلة لإدارة الصراع.

هناك أيضًا خبث سياسي آخر انتهجته دويلة «56»  بهذا القرار المعلول، وهو تثمين جهود دور شركاءها (حركتي مناوي وجبريل) عبر منحهم رمزية التمثيل التضليلي في تفويض شكلاني المحتوى لامتصاص صدمة رفض إشراك الأمريكان لحركات الكفاح المسلح المنضوية تحت لواء دويلة «56». وفي ذلك أيضًا اختزال للصراع بتصويره كأنه صراع دارفوري/ دارفوري، وهذا نهج «56»  في إدارة الأزمات.

يبدو جليًا أن دويلة «56» لا تجنح للسلم، وليس السلام من أولوياتها، والراجح أن موقف الدعم السريع المبدئي نحو السلام أرسل رسائل سالبة في مخيلة «56» التي دومًا ما تفسر أن الجنوح للسلم ضعف ووهن، والحديث عن السلام  عطب عسكري. 

صحيح أن سيكولوجية التفاوض، وفن التفاوض، يقتضيان أن تقرأ ما بين السطور من تصريحات خصمك أو عدوك، ودرجة  اختبارات قوات الجيوش وعتادها تستشف مما تخبئه ألسنة القادة والمستشارين، آمل في المستقبل أن يقتصد المستشارين في الحديث عن السلام، لا سيما أن الدعم السريع يتعامل مع عدو ماكر وغدار عُرف عنه نقض العهود والمواثيق على مدى سبعة عقود من الزمان، ويقال إن أردت السلام فأسرف في الحديث عن الحرب.

لندن

 09/08/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى