لقد إنتظمت عملية التخطيط للحرب والتنسيق بين الدولة المصرية السيسوية والحركة الإسلامية السودانية من خلال الزيارات الراتبة التي كان يقوم بها قائد القوات المسلحة رئيس مجلس السيادة – بموجب الوثيقة الدستورية وقتها – الفريق عبد الفتاح برهان للدولة المصرية حيث كان يؤدي التحية العسكرية علانية للدكتاتور عبد الفتاح السيسي لدى استقباله في مطار القاهرة ثم يلتقي بقادة المخابرات المصرية و صلاح قوش ورفاقه من الجنرالات المتأسلمين الهاربين للوقوف معهم على كافة مراحل وتفاصيل التخطيط للحرب.
ولعل أبرز مراحل دعم مصر السيسوية للحركة الإسلامية كانت من خلال المناورات العسكرية المشتركة في سنة 2020 بين الجيش المصري والقوات المسلحة السودانية، الواقعة كلية تحت سيطرة القيادتين المدنية والعسكرية للحركة الإسلامية السودانية، دون أن تكون قوات الدعم السريع جزءا من تلك المناورات. لقد أفلحت مصر السيسوية في إبعاد قوات الدعم السريع عن تلك المناورات رغم كون الأخيرة جزءا رسميا من المؤسسة العسكرية السودانية بل أن قائدها الفريق محمد حمدان دقلو كان الرجل الثاني في المؤسسة العسكرية السودانية فضلا عن كونه نائب رئيس مجلس السيادة السوداني في ذات الوقت! لا غرو في عملية الاستبعاد، ذلك أن المناورات كانت الغاية منها التدريب المشترك على شن حرب محدودة ترمي إلى القضاء على قيادة قوات الدعم السريع ومراكز السيطرة والإتصال التابعة لها كما إتضح لاحقا للجميع.
ولكي يفهم القارئ جيدا تورط الدولة المصرية في دعم الإرهاب في السودان يتوجب إيضاح السبب الرئيسي للتخطيط المشترك بينها وبين إخوان السودان للحرب ثم إشعال فتيلها ضد قوات الدعم السريع، ذلك أنه قبيل سقوط الدكتاتور الإخواني عمر البشير في أبريل 2019م كان قائد قوات الدعم السريع قد أعلن إنحيازه الصريح إلى المطالب الشعبية الجارفة المنادية بالتغيير مما حتم على المؤسسة العسكرية إزاحة الدكتاتور. لكن القيادات الوسيطة وشبه الرئيسية للحركة الإسلامية أفلحت في جعل نفسها بديلا للدكتاتور من خلال اللجنة الأمنية التي كونها بنفسه لتطيح به شكلا مما أثار حفيظة قائد قوات الدعم السريع فتلاقى ذلك مع الرفض الواسع لجموع السودانيين الثائرين. وعليه تمت الإطاحة أيضا باللجنة الأمنية، التي ضمت جبابرة إخوان السودان أمثال الفريق أمن جلال الشيخ والفريق عمر زين العابدين والفريق أمن دخري الزمان عمر والفريق شرطة الطيب بابكر والدرديري محمد أحمد وبشارة أرور فضلا عن الجنرالات الهاربين الثلاثة الذين سبق ذكرهم.
وبذلك تم تكوين مجلس عسكري إنتقالي ضم وجها إخوانيا جديدا هو اللواء إبراهيم جابر وترأسه الفريق برهان – الغامض وقتها – وأُتفق على أن يكون نائبه الفريق محمد حمدان دقلو بسبب الثقل العسكري الوازن لقوات الدعم السريع. وبالتالي قام الفريق دقلو بالتوقيع على الوثيقة الدستورية لاحقا عن المكون العسكري. قضت تلك الوثيقة بتكوين حكومة مدنية/ عسكرية مشتركة تمهد لقيام تحول مدني ديمقراطي في مدى زمني على أن يرأس الحكومة الفريق برهان لنصف تلك المدة ثم تتحول رئاستها إلى المكون المدني. لقد إنحنى إخوان السودان لرياح الوثيقة الدستورية، رغم كونها ميثاقا يقضي بإبعادهم نهائيا عن الحكم، لا لشيئ سوى إضمارهم الإنقلاب مجددا على الجميع واستعادة السيطرة كليةَ مقاليد على مقاليد الحكم في البلاد، وهكذا دبروا عدة إنقلابات عسكرية فاشلة أبرزها إنقلاب رئيس هيئة الأركان الإخواني الفريق صلاح عبد الخالق الذي إعترف أثناء التحقيق معه بأنه يخضع مباشرة للقيادة المدنية للحركة الإسلامية السودانية – أي إخوان السودان- ذاكرا بالتحديد علي كرتي وعوض الجاز ونافع علي نافع.
تأكد تهافت أخوان السودان على استعادة السلطة كاملة بأي ثمن بتنفيذهم إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م بعد نجاحهم في خداع قائد قوات الدعم السريع بأنها حركة تصحيحية لكن نواياهم كانت قد إنفضحت بجلاء بإعادتهم الآلاف من منسوبي تنظيمهم إلى جميع المناصب التي كانت لجنة تفكيك النظام وإزالة التمكين الإخواني قد جردتهم منها كما سلف ذكره. وهنا أصبح مفترق الطرق جليا بين الأخوان وبين قوات الدعم السريع التي إعتذر قائدها علانية عن المشاركة في تنفيذ الإنقلاب المذكور، فإزداد تصميم الإخوان على التخلص من قيادة قوات الدعم السريع والسيطرة على تلك القوات تمهيدا لفرض السيطرة الكاملة على كل البلاد بما أنهم كانوا يسيطرون فعليا على القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات وقوات الشرطة من خلال عناصرهم المتغلغلة فيها، لكن الضغط الشعبي للشباب السوداني الثائر لم يدع لهم المجال لتنفيذ خططهم من خلال العصيان المدني والمظاهرات المليونية الجارفة كل خميس.
وجاءت إخوان السودان سكرة الموت بالإتفاق الإطاري سيما وأن فترة الرئاسة العسكرية لمجلس السيادة كانت قد آذنت بالإنقضاء. لعل من أبرز بنود الإتفاق الإطاري إلغاء تعدد الجيوش ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وتسريح جميع الضباط الإخوانيين من القوات المسلحة، وبذلك لم يعد لدى الحركة الإسلامية من مندوحة سوى المضي قدما في خططها المشتركة مع مصر السيسوية في شن حرب خاطفة تهدف إلى القضاء على قيادة قوات الدعم السريع واستعادة السيطرة على بقية هذه القوات ثم فرض الأخوان أنفسهم حكاما مطلقين على السودان إلى أن يسلموا مقاليد الحكم إلى المسيح عيسى بن مريم في مجيئه الثاني كما قال ناعبهم.
شيكاغو
7 مارس/آذار 2025م