رأي

رئيس التحرير يكتب: استدراكات على مصفوفة الإجراءات والتدابير البرهانية حول النزاع المتطاول في الجنينة

عبدالله رزق abusimazeh@yahoo.com

بعد عام كامل من أحداث الجنينة الأولي، التي جرت في يناير من العام الماضي،2020،وأودت بحياة 54 قتيل ، حسب الأمم المتحدة،وإصابة 60 آخرين ، وتشريد 40 ألف مواطن، تعود الحكومة،( ممثلة في رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ومرافقيه، الذين زاروا الجنينة، عقب الأحداث الأخيرة، التي أودت،ثانية، بحياة 137 مواطن،وأدت لإصابة 221، وتشريد آخرين، منهم 2000 لجأوا لتشاد، وفق الأمم المتحدة ، أيضاً، تعود- الحكومة-  لنفض الغبار حول ماتقرر ، سلفاً ،من حزمة معالجات بشأن(  بسط لهيبة الدولة ونزع السلاح،وإرسال قوات إضافية..الخ) ،تم الإتفاق عليها في اجتماع لنائب رئيس مجلس السيادة ، الفريق محمد حمدان حميدتي،ورئيس الوزراء ، د.عبدالله حمدوك، مع مسؤولي الأمن بالولاية.

فقد أوضح وزير الدفاع الفريق الركن يس إبراهيم يس في تصريح صحفي، أن  مجلس الأمن والدفاع عقد اجتماعا، يوم أمس الخميس، ١٥ أبريل، بالقصر الجمهوري برئاسة رئيس مجلس السيادة الإنتقالى الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، استمع خلاله، لتنوير حول زيارة رئيس مجلس السيادة للجنينة، يومي الثلاثاء والأربعاء، وتقرير شامل حول مجمل الأوضاع الأمنية بولاية غرب دارفور.

وأكد أن المجلس أمن على مصفوفة التدابير والإجراءات الأمنية لعودة الحياة إلى طبيعتها وأهمها مراجعة القصور الأمني ومحاسبة المتقاعسين من أفراد الأجهزة الأمنية ومراجعة الخطوط الدفاعية والتامينية لمدينة الجنينة وتحديد القطاعات والمسؤوليات واستخدام القوة الرادعة ضد المتفلتين وحاملي السلاح خارج الأطر القانونية ومستخدمي العربات غير المقننة.

وأبان أن التدابير شملت تحديد حركة منسوبي حركات الكفاح المسلح ومنع ارتداء الزي العسكري في المدينة إلى حين اكتمال الترتيبات الأمنية ومنع حركة عربات القوات النظامية والأجهزة الأمنية داخل الأسواق والأحياء السكنية بجانب تنفيذ حملة ضد المشردين وفاقدي السند ومعالجة أوضاعهم الإجتماعية فضلا عن الإسراع في محاسبة المتورطين في الأحداث السابقة وزيادة مراكز وأقسام الشرطة في المدينة.

وقال  أن المجلس أوصى بتعزيز جهود المنظمات العاملة في المجال الإنساني وتقديم المساعدات والعون للمتأثرين بالأحداث وتفعيل دور الإدارات الأهلية.

وتداولت مواقع السوشال ميديا وثيقة من صفحتين، يعتقد بأنها منشور بالقرارات والتوجيهات، وفق تعبير وزير الداخلية، أو مصفوفة الإجراءات والتدابير، وفق تعبير وزير الدفاع، التي أصدرها البرهان، في غياب الوالي، محمد عبدالله الدومة، والتي لم يتم إعلانها رسميا، وسيتم تنفيذها بالتنسيق مع لجنة أمن حكومة ولاية غرب دارفور، وفق تصريح لوزير الداخلية.

وقال الفريق أول شرطة حقوقي عزالدين الشيخ وزير الداخلية، في تصريح صحفي هذه القرارات والتوجيهات المتعلقة بالإطارين الأمني والإنساني، سيكون لها أثر مباشر علي أرض الواقع ، مؤكداََ أنها ستسهم في إستتباب الأمن والاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها.

قرارات البرهان، وفريقه الأمني، الذي ضم وزير الداخلية ومدير المخابرات بعض قادة القوات المسلحة، لم ترتق إلى مستوى (الحلول الجذرية للأزمة التي تعيشها الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور)، التي تعهد بها محمد الفكي سليمان، عضو مجلس السيادة الإنتقالي ، خلال زيارته للمدينة ، بمعية ، الفريق عبدالرحيم دقلو قائد ثاني قوات الدعم السريع، في أعقاب تجدد الاشتباكات، التي ظلت تتواتر منذ العام 2017، حسب المتحدث الرسمي ليوناميد، بين بعض القبائل العربية وقبيلة المساليت،والتي راح ضحيتها ما لايقل عن 100 مواطن وإصابة 132 آخرين.

فقد تميزت منظومة القرارات المنسوبة للبرهان، التي راجت في السوشال ميديا، بغلبة المحور الأمني على المحاور الأخرى: القانوني والعدلي، الإنساني والإجتماعي.وهو مايمكن أن يقدح في شمول المعالجة،التي تجسدها القرارات ، وتقاصرها عن بلوغ الحلول والمعالجات الدائمة.

مايمكن ملاحظته من بين سطور القرارات، في المحور الأمني ، هو احتشاد الجنينة بالمسلحين، وبالمليشيات والحركات المسلحة،وتعايش المدنيين مع هذا الوضع ،وهو وضع غير طبيعي،خاصة، في ضوء توجيه لجنة الأمن والدفاع ،في وقت سابق، بإخلاء المدن من المظاهر المسلحة.

وأشارت نصوص القرارات بالإتهام لمن أسمتهم (المتفلتين وحاملي السلاح ومستخدمي المواتر)، لتتفادي توجيه الإتهام الصريح  لمليشيات طرفي القتال،من القبائل العربية والمساليت، المسؤولة، مسؤولية مباشرة عن ثلاث جولات من الإقتتال ، حتى الآن،وحتمية تفكيكها، صامولة..صامولة.

كما تجاهلت ما أثاره الوالي، محمد عبدالله الدومة، أكثر من مرة، حول مشاركة مقاتلين قادمين من تشاد في الهجوم على الجنينة، وضرورة التحقيق في هذا الإتهام، الذي نفته تشاد ، رسمياً، في المرة الأولي.

وقد تضمنت القرارات ذات الصلة، قراراً بشأن (إخراج منسوبي الحركات من بيت السلطان، ومن داخل المدينة)، مايعني حرية انتقالها لمدينة أخرى، أو ولاية ثانية، وهو مايتناقض مع قرار لجنة الأمن والدفاع، بإخلاء المدن، كافة من المظاهر المسلحة، ومع مقتضيات الترتيبات الأمنية، التي تقضي بجمع مقاتلي الحركات المسلحة في معسكرات خارج المدن تحت إشراف القوات المسلحة لحين اكتمال إنفاذ الترتيبات الأمنية، وتوجيهات المجلس الأعلى المشترك بالدمج الفوري لقوات فصائل الكفاح المسلح.

ونصت قرارات البرهان وتوجيهاته، على (إخلاء قصر الضيافة من قوات الدعم السريع.). يجدر بالذكر أن النازحين كانوا قد أسمعوا محمد الفكي سليمان ومرافقيه مطلبهم الداعي لسحب قوات الدعم السريع من المنطقة.

وتخطئ الحكومة، خطأ فادحاً، إذا تضمن تصورها لتكوين (قوات مشتركة لحماية المدنيين) في مناطق النزاع ،في الجنينة وغيرها ،من مناطق دارفور، الأستعانة بمليشيات كانت جزء من الصراع في دارفور.

إن مجرد ورود أسماء لإفراد من القوات النظامية ضمن المتهمين بالتورط في الأحداث، يبرر الحاجة لانتقاء قوى مؤهلة للقيام بمهمة حفظ الامن في مناطق المنازعات، من ناحية ، مثلما تبرز المخاطر الأمنية التي يمكن أن تنشأ من تكليف عناصر المليشيات، تكونت في سياق  تلك النزاعات، بذات المهمة.

لذلك لابد تفويض قوة من الجيش والشرطة، لتفكيك المليشيات ونزع السلاح وحفظ الأمن، على أن لايكون لأفرادها انتساب لأي من المكونات السكانية للمنطقة المتورطة في الاقتتال الأهلي. على أن لايقتصر عمل هذه القوة المشتركة من الجيش والشرطة، على الجنينة وضواحيها، وإنما يمتد ليشمل كل ولايات دافور الخمسة، كميدان واحد لنشاطها، وتحت قيادة موحدة لعملياتها.

إذ أن أمن الجنينة هو من أمن دارفور ، غير القابل للتجزئة. ويبدو مثيراً للدهشة ، في هذا الإطار، القرار القاضي بحفر خندق حول الجنينة لحمايتها من الغارات،كأن الجنينة جزيرة معزولة من الكل الدارفوري المشحون بالتوترات والمواجهات القبلية المحتدمة.إن المعالجة الأمنية ، على قصورها، تفتقر للشمول،إنطلاقاً من أن أمن  الجنينة،ليس معزولاً عن أمن قريضة أوسرف عمرة،أو سريف بني حسين،إذ أن الأمن لايتجزأ.  

ما هو جوهري من ملاحظات على مجموعة القرارات التي تم اتخاذها من قبل البرهان، لإحتواء النزاع المتطاول بين المساليت وبعض القبائل العربية في الجنينة، هو عدم استناد هذه القرارات على تشخيص دقيق لأسباب النزاع، بما يمكن من استشراف حلوله الجذرية الدائمة.

كما تلفت هذه المنازعات القبلية المتواترة، الانتباه، الى ان مفاوضات السلام في جوبا ومخرجاتها، لم تتوفر على معالجة شاملة وجذرية لمسألة الأرض، وملكيتها والإنتفاع بها، والتي تقف وراء مجمل الصراعات المحتدمة، والمبيتة، في دارفور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: شارك الخبر، لا تنسخ