بجمل قصيرة، وعبارات قاطعة، واضحة المعاني والدلالات، تحدث الفريق أول “محمد حمدان دقلو” قائد قوات الدعم السريع، فأفصح وأبان، وترك السودانيون على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها الا هالك.
قال حميدتي في خطابه ما يجب أن يقال، وما ظل ينتظره أهل السودان في الأطراف والهوامش البعيدة منذ استقلال السودان المزعوم في النصف الأخير، من خمسينيات القرن الماضي، محطماً تابوهات المسكوت عنه، حين أخذت حرب أبريل اللعينة على عاتقها عناء الإفصاح والإبانة، و”المغطى على الله مكشوف”، كما أوردت الحكمة السودانية الباذخة، في تطورها عبر الحقب والعهود.
وما أن نشر الخطاب الذي ملأ الدنيا وشغل الناس، حتى تهافت بغاث الطير من البلابسة والعنصريين المدفوعين بنعرات مناطقية قصيرة الأفق والأجنحة، طويلة الرقاب والساقين، ليقدحوا في مبلغ علم حميدتي وعسكريته، قال أحدهم أنه لا يفرق بين التقويم الهجري والميلادي حين أتى على ذكر غزوة بدر الكبرى وكيف أنها وافقت في ذلك العام الميلادي البعيد، ذكرى غزوة بدر الكبرى، في إشارة إلى وجوب تحرير الدين نفسه من ربقة الحركة الإسلامية التي احتكرت الدين والإله، وجيرته لمصالح لصوص خاصة، تعالى سبحانه عن ذلك علواً كبيراً.
وبدورنا نتساءل من أي الكليات العسكرية البريطانية تخرج عثمان دقنة بطل الشرق الذي لا يمل من ذكره التاريخ؟ وإلى أي كليات الدراسات العليا فوق الجامعية انتمى حمدان أبو عنجة والزاكي طمل وعبد الرحمن النجومي وهم من القادة العسكريين السودانيين الأفذاذ، زحفوا من الغرب البعيد حتى وصلوا لأمدرمان، وقطعوا رأس اللورد غردون باشا الذي كان يجعل شبه القارة الهندية تنام من المغرب خوف بطشه وشدته، و(حوت يا الخصيم بي غادي دربوا بضر).
بشر قائد قوات الدعم السريع بميثاق السودان التأسيسي في نيروبي، وبشر السودانيين بقرب الانتصار والتحرر، من قيود وكلاء الاستعمار، والأطر التي حاولوا أن يحصروا فيها شعوب السودان، فكانوا بمثابة مستعمر محلي لا يختلف عن ذلك الأجنبي الذي جاء من وراء البحار، لينهب الثروات ويستعبد الناس، ويستثمر في حيواتهم، يقايض عناءهم برغد عيش في بلاد بعيدة. قال القائد أن لا بد من أن يضع السودانيين الماعون على الأرض، وأن يأكلوا جميعاً، لا فضل لسوداني على آخر، وليس ثمة زيادة ولا نقصان، أو اعتبارات ثانوية واستثناءات، ولا مساومة في مبادئ المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات والمنافسة الشريفة، وأن يأخذ كل ذي حق حقه.
ووجه حميدتي في خطابه عدداً من الرسائل في بريد الحركة الإسلامية أولها تمزيق فزاعة العلمانية، إذ لم يعد السودانيون يستقون المعرفة من ملصقات “ورق الفلسكاب” الملزوقة على جدران المساجد، مكتوب فيها أن “العلمانية كفر بواح”، بل إن شعب السودان وبعد أن اكتشف الخدعة، تسلق شعرة من فرو الأرنب المسحور الخارج لتوه من القبعة، ونظر في عين الساحر وقد كشف عنه الغطاء، وزالت التعمية، وبات يعرف تحديداً إلى أين يتجه، وماذا يدبر له أعداؤه من زبانية الحركة الإسلامية، أولئك الملتحين القتلة.
وأكد قائد قوات الدعم السريع – الفصيل المهم في تحالف السودان التأسيسي – أن لا مكان للإرهاب والدواعش في السودان حتى ولو تم دعمهم خارجياً، ومن المعلوم ألا دواء للدواعش سوى القتل بشواهد من تجارب العالم معهم في العراق وسوريا، ومن هذا الباب وجدت إشارة حميدتي هذه ارتياحاً كبيراً في أوساط السودانيين الذين بات يخيل إليهم أن حكم الكيزان هو من قبيل “القضاء والقدر “،لفرط ما تشبثوا بالسلطة. وها هم يقاتلون لأجلها حتى بعد أن حكموا لثلاث عقود عجاف أهلكت الزرع والضرع، وأورثت المسغبة والمعاناة.
وأكد حميدتي في خطابه على حقيقة ماثلة للعيان، وهي أنه لا يوجد اليوم ما يمكن أن نطلق عليه “الجيش السوداني” بالمعني الواضح، مؤكداً أنه أصبح مجرد “لافتة” يختبئ خلفها صبية “البراء بن مالك”، وشيوخ الحركة الإسلامية المجرمين. وقال إن الجيش مجرد “شماعة” يعلق عليها إخوان الشياطين جرائمهم وأوزارهم.
وأشار حميدتي في خطابه لتوحيد البندقية المناهضة لبندقية الحركة الإسلامية لتدافع عن مشروع سياسي متوافق عليه في دستور السودان التأسيسي، يقوم على أسس العدالة والمساواة والفرص المتساوية. ونجح مع رفاقه في صنع أكبر تجمع سوداني مدني مسلح منذ الاستقلال، يرفع شعارات السلام والوحدة والمواطنة بلا تمييز. وإن لم يفعل حميدتي شيئاً سوى نجاحه مع رفاقه في التوقيع على ميثاق ودستور السودان التأسيسي، فقد أوفى ما عاهد عليه بلاده وشعبه، ألا لعنة الله على إخوان الشياطين.