“سيطرة الجيش على الخرطوم نقطة تعيد رسم خطوط المعركة، وتجعل الانقسام أوضح، لكن الحرب لا تزال بعيدة عن نهايتها”. هكذا عبر “شاراذ سرينيفازان”، الأستاذ بجامعة كامبريدج والباحث المتخصص في الشؤون السودانية، عن ما حدث في مارس من هذا العام، في حين عبر الجيش السوداني وحلفاؤه من الإسلاميين القتلة عن الحدث بوصفه نهاية المعركة بانتصار الحركة الإسلامية على السودانيين، بل أنهم باتوا يتحدثون عن “غنيمة” إعادة الإعمار، وكيفية اقتسامها مع المستعمر “القديم – الجديد” في الشمال، ويرضون من وحدة البلاد بأضعف الإيمان، وهو ولايات متاخمة لحدود المستعمر تتمتع بما يشبه “الحكم الذاتي”، تحت سيطرة عسكرية مصرية، تعادي ولايات “الغرب والجنوب”، التي تم تصنيفها كـ“دار حرب” في فقه الحركة الإسلامية، وفناءً خلفياً لإلقاء البراميل المتفجرة على من يتواجدون فيه من مواطنين. لكن إقامة مثل هذه الدولة رهين بالطبع بردة فعل “تحالف السودان التأسيسي” العسكرية، ومدى نجاعته في سعيه لتوحيد السودان بهزيمة الحركة الإسلامية. والحبل على الجرار.
أما ردة فعل “تحالف السودان التأسيسي” الابتدائية، فقد جاءت عبر خطاب قائد قوات الدعم السريع، والذي جاء في توقيت دقيق وحساس، وبالتزامن مع هجمة إعلامية واسعة نظمتها الغرف الإعلامية لفلول النظام السابق الراغبين – بشدة – في العودة للسلطة. وبالتزامن كذلك مع اقتراب حرب أبريل من إكمال عامها الثاني، ووافق التاريخ أيضاً شجوناً تتعلق بمجزرة اعتصام القادة العامة، والتي ارتكبتها “كتائب ظل” الحركة الإسلامية ضد المعتصمين أمام بوابات القيادة العامة للجيش، في الشهر المعظم قبل سنوات.
وبغض النظر عن كل ذلك فقد جاء خطاب حميدتي هذه المرة قاطعاً، جازماً باستمرارية الحرب حتى “تحرير كافة أراضي السودان”، وواصفاً من أشعلوا الحرب ويقودونها حالياً بـ”دواعش الحركة الشيطانية”. وحدة اللهجة وحدها تبين إلى أي حد قد تذهب الأمور بعد أن لم يترك إخوان الشياطين للسودانيين سبيلاً غير الكفاح المسلح، وتوحيد البلاد عبر البندقية المسنودة بمشروع سياسي.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فقد كان دخول تحالف السودان التأسيسي على الخط متغيراً جديداً على الساحة، سيزيد بلا شك من القوة الدافعة للجبهة المناهضة للحركة الإسلامية بعد أن توحدت بندقيتها تحت مشروع سياسي جامع، وبدأت التدابير لتشكيل حكومة، من المتوقع أن تغير بدورها الكثير في خارطة الصراع في البلاد.
وما إن تواترت أخبار انتصارات الجيش وحلفائه، واحتفت القنوات “الإخوانية” بتقدمه في بعض أجزاء العاصمة – صدقاً وكذباً – حتى ظهرت سوأة فقهاء آخر الزمان القتلة دون حجب أو ستور، إذ أعملوا الذبح في شباب السودان من لجان المقاومة وخدام التكايا، وآخرين ممن طالهم قانون “الوجوه الغريبة” في أحياء “الجريف غرب، بري، والكلاكلات”، أسوة بما حدث قبلها في “ود مدني والخرطوم بحري”، وقبلهما في ضاحية “شمبات” البحراوية، حين ذبحت الحركة الإجرامية السودانيين مرة أخرى ذبح النعاج.
تم جز رأس شاب سيئ الحظ حتى فصلت عن الجسد، وكان قد اتهم بالتخابر مع قوات الدعم السريع قبل ثوان من ذبحه. فكانت ردة فعل أحدهم أن صاح: “الله أكبر يا فدائي”! مستحسناً البشاعة التي حدثت لتوها أمامه! وهكذا يسعي إخوان الشياطين للإفلات من دفع استحقاقات ما ارتكبوه من جرائم، بارتكاب غيرها، ويمضون بالبسطاء من الناس باتجاه التوحش، بعد أن جردتهم العنصرية من إنسانيتهم أو كادت.
وعلى الرغم من كل ما سبق فقد ظهرت على الأسافير صوراً مغايرة من مدن ظلت تتصدر عناوين الأخبار، جراء قصف سلاح الجو الإخواني لها بصورة شبه يومية، صور من “نيالا، كاودا، الضعين، ولقاوة” لمصلين عاليهم ثياب بيض ناصعة كنفوسهم التي لم يطالها حقد ولا ضغينة، يفشون فيما بينهم السلام، ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا. عجزت آلة القمع الإخوانية عن منعهم من الإحساس بالطمأنينة، وجرب السودانيين في تلك البقاع الطاهرة، طعم التحرر من قتلة آخر الزمان دواعش الحركة الإجرامية، وانتشرت صور لأطفال، انتزع لهم الشهداء حقهم في الطمأنينة وتزيين الأعياد بطفولتهم الغضة، وانتزعت هذه المدن المظلومة حقها في السعادة، وكأنها استجابت لقول نزار حين قال : “قومي من تحت الردم/ كزهرة لوز في نيسان/ قومي من حزنك قومي/ إن الثورة تولد من رحم الأحزان”