
لم يكن المقصود من الاساس عاصم عمر، فهو شاب لطيف ومحب للحياة، إختار أن يكون خارج الظل من أجل آخرين، لا عداء ولا أعداء، ابتسامة تسبق لونه الأبنوسي، وانتماء لمنظومة سياسية تبحث مثل غيرها عن حياة افضل للسودانيين، أكرر أن المقصود ليس عاصم عمر، بل في شخصه أوجدت السلطة خوفها من المستقبل، ثم أعلنت ألا قبل لها بمجابهة (جيلاً جاي حلو الشهد)، سوى بالتخوين والترهيب والمحاكمات الصورية، محاكمات استخدمت فيها عدل لا يمت للعدل بصلة، وقوانين لم تدرس في قاعات الجامعات ولا ضمن السوابق القانونية من لدن (أبو رنات) وإلى المظلم من مستقبلنا في ظل النظام القائم.
لست قانونياً لأفند بالقانون، وما جدوى القانون حين يحيد عن تطبيقه أصحابه، والمقسمين على إنفاذه، لكني جربت الإنقاذ في كل مراحلها، استمعت لرئيسها، نوابها، وزرائها، مرتادي قماماتها، ثم لم اجد سوى ازدرائهم للقانون، لم نجد منهم سوى استهانتهم بالحق حين يحصحص وبالحقوق حين لا يمكن تغطيتها بمواقيت الهزيمة، الحقيقة الماثلة ان الهزيمة طالت كل شيء ثم اخترقت عزيز قوم ذُل، الا وهو القضاء.
لا يمكنني تناول الامر قانونياً، لكن أرهقتني مثل كثيرات وكثيرين من شرفاء هذه البلاد أسئلة، وبالضرورة لن يعلن مؤتمر صحفي للإجابة عليها، فكل الامر دبّر بليل لأغراض أخرى غير العدالة، دبّر لأغراض التخويف حين القادم من صدام، ودبَّر بليل لحصر قضايا الناس في فئة قليلة، يخيفهم الحشد، ويهابون الطلاب، قبلهم دمروا نقابات ومشاريع لصالح بقائهم، لا يوجد عمال للسكة حديد في الفعل السياسي، لا نسمع صوت الزراع ومشروع الجزيرة في الاعتراض اليومي على سياسات جائرة، ثم تبقى لهم صوت الطالبات ورفقائهم من الطلاب، تبقى لهم إخراس صوت اليفع ليستكينوا على كراسي مهترئة لم تخدم عفيف ولم تُخّدم شفيف، بقي لهم اغتيال الصراخ في شخصه، شخص عاصم عمر.
الشاهد أن السياسة السودانية حدث فيها تغيير نوعي، فالأمر ليس حكومة ومعارضتها فقط، نشأت أجيال لا تعنيها ترهات الحكومة ولا تباطؤ المعارضة، اجيال تستشهد بأقرانها في الوسائط والوسائل والدنيا الجديدة، لم تكن المعارضة ضمن دارسي منبتها ومستقرها، كما عملت الحكومة على دفنها دون علم بماهية تكوينها، مثلا عاصم لا يعبر عن معارضة النظام فقط، عاصم ينشد دولة اخرى لم تنشأ بعد، قريناته وأقرانه يكسرون يومياً مقدسات السياسة ومخلفات أزمات لم نصنعها ولا يعنينا استمرارها، ثم المحك الحقيقي ان جدوى الصراع ليست نتائجه الحصول على مشاركة، فالصراع تحول لضرورة التأسيس لوطن لا يشبه ركام اليوم.
ما يعنيني في قضية عاصم عمر أن العدالة قصية في ظل هذا النظام، وأن ما يحلم به عاصم لن ينتهي بإعلان براءته، فالبراءة لا تعني سوى التحلل من قيد آني لاجتياز أسوار أُخر.
يا جموع شعبنا أو شعوبنا المسماة بالسودان والسودانية، إبنكم يبحث عن مستقبلكم، عنقه في المقصلة، لن تجدي حملات التضامن شيئا وإن كانت ضرورية، لن يستقيم الظل والعود أعوج، هذا النظام أعوج، هذا القضاء أعوج. ثم رحل محمود محمد طه ليخلف إرث العزيمة والعدالة والتمسك بالرأي، رحل عبد الخالق ليؤسس مبدأ الالتزام بما قدم، الوعي، ولن يرحل عاصم عمر، ببساطة لأن لا وعي ترسخ ولا عزيمة حجبت مقتل آخرين، بيننا وعاصم عمر حياته، فلنحافظ عليها لنحافظ على الانسان ذاته ونفسه.
التحية والتجلة للحركة الطلابية المستهدفة من محاكمة عاصم عمر.
التحية والتجلة لحزبه وجماعته وأصدقائه وأنداده، فأنتم من ستبدأ سيرة العدالة بقصتكم.
التحية والتجلة لكل صاحب ضمير حي، لكل من أوجعه وجود المقتول في الزنزانة والقاتل في منصة الحكم، ثم لن ينفذ حكم عاصم في حال كنّا سودانيين، فالقدر نافذ وقدرنا الثبات، قدرنا ان نواجه الظلم بالأسماء والآيات والقوانين والحيل، ثم إن عجزنا، نواجه الظلم بالثورة، إن كانت (بطونا غراق) فغضبنا مجرّب.
انتي وانا وانت وكلنا سنموت قبل أن يسود الظلم بمحاكمة عاصم عمر.
سنموت على الوعد القديم وطني ولا ملي بطني سكاتي ولا الكلام الني، ثم لا سكوت بعد اليوم.
اخيرا ستبقى اللحظات بين الرصاصة وصدري مليئة بحلم الحياة في وطن يسع الجميع