رأي

عبد الحفيظ مريود يكتب.. “فى الفاشر الكبير طلّعوا الصايح”: هل تغلق معركة الفاشر باب المزايدات؟

يعلو صياح منّاوي، حاكم إقليم دارفور، رئيس حركة جيش تحرير السّودان، مستجدياً النّاس، أهل دارفور، للوقوف سدّاً منيعاً يحول دون “سقوط الفاشر”، فقد وصلته معلومات تفيد بأنَّ الدّعم السريع يحشد قواته لدخول الفاشر. ليس منّاوي وحده. الكثير من البلابسة علت أصواتهم، كما أشارت تقارير صحفية وأخبار، إلى أنَّ غربيين كثر يهمّهم أنْ تبقى الأوضاع كما هى في الفاشر. حتّى أنَّ وزارة الخزانة الأمريكيّة أوقعت عقوبات على قائدين من قادة الدعم السّريع، هما اللواء عثمان عمليّات واللواء علي يعقوب، مقحمةً الفاشر كأحد الأسباب التي أدّت إلى قرار فرض العقوبات. فلماذا لا يجب أنْ “تسقط الفاشر”، من جهة، ولماذا يجب “تحرير الفاشر”، من الجهة الأخرى؟
الفاشر هي البقعة الوحيدة في كامل إقليم دارفور التى بقىَ فيها جيش. فقد تساقطت حاميات ولاية شمال دارفور تباعاً. بعضها سقط قبل سقوط رئاسات فرق كبرى. سقطت “كُتُم” باكراً. ثم “كبْكَابيّة”، قبل أنْ تلحق بهما حامية “أم كَدّادة”، فلم يبق من موقع إلّا الفاشر، وهو ما يجعل منها بقعة مميّزة، بالنّسبة لجيش البرهان، وبالنّسبة للحركات الدارفوريّة الموالية له. بفقدانها يكون الجيش عمليّاً خرج من كامل إقليم دارفور، الذى يمثّلُ خمس مساحة السودان، جغرافيّاً.
منذ أشهر، وتحديداً منذ سقوط الفرقة في “أردَمَتَا”، في الجنينة، غرب دارفور، بدأتْ خطوات الجيش في تحصين الفاشر. فقد صدرت التعليمات للعساكر الفارّين، “المنسحبين” – حتّى لا يزعل أحد – من حاميات نيالا، الجنينة، الضعين، بالتبليغ الفوريّ لرئاسة الفرقة السادسة، بالفاشر. فضلاً عن التنسيق مع الحركات الدارفوريّة الموالية، لتحشيد قواتها في الفاشر. تفيد معلومات استخباراتيّة بأنَّ التنسيق التّام مع بقايا قوات المساليت، خميس أبكّر، التى فرّتْ إلى تشاد، ليتسلّل أفرادها إلى الفاشر، قد أخذ حيّزه من التنفيذ منذ أشهر. وبدخول الحركات الدارفوريّة “المحايدة” الحرب إلى جانب الجيش، فإنَّ الفاشر ستكون معسكراً ضخماً، ونقطة انطلاق لإعادة “تحرير” دارفور كلّها من الدّعم السّريع، لا سيّما وأنَّ قوات منّاوي كانت تتخذ من مدينة “مَلّيط” ارتكازاً لها.
بالنّسبة للمنظمات الغربيّة العاملة فى مجال الإغاثة والقضايا الإنسانيّة، فإنَّ الفاشر هى ركّازتها. باعتبار أنّ معسكر أبوشوك هو أكبر المعسكرات منذ بدء “أزمة دارفور” في العام 2003م، إلى جانب معسكر زمزم. بسقوط الفاشر في يد الدّعم السّريع، ستغادر المنظمات، على الأرجح. لكنَّ “محلّلين استراتيجيين” يرون أنَّ خوف الغرب من سقوط الفاشر يشكّل تحدّياً غير مرحّب به، لكون الفاشر تشكّل بوابة حراسة مربع 16 أ، الغنيّ باليورانيوم.
يبدو أنَّ الدّعم السّريع كان يؤجّل معركة الفاشر، في أعقاب “فتوحاته الكبرى”، نيالا، زالنجى، الضعين، الجنينة، لأسباب تتعلّق بموقفه من قتال الحركات. فقد تحدّث نافذون في الدّعم السّريع ومستشارون عن أنَّ الاستخبارات العسكريّة وجهاز الأمن، بناءً على تجارب قديمة، تعمل على نقل الحرب، حرب الخامس عشر من أبريل 2023م، إلى دارفور، وإذكاء نيرانها بينهم. لذلك فإنَّ الدّعم السّريع يتحاشى الدخول في معركة الفاشر، على الرّغم من معرفته بالتخطيط والتحشيد.
على أنَّ التحشيد والتخطيط حين خطا خطوات عمليّة في الفاشر وما حولها، تعيّن على الدّعم السّريع أنْ يخوض المعركة. كان اجتياح معسكر قوات منّاوي سريعا بالنسبة لمقاتلي الدّعم السّريع، بمثلما كان الاستيلاء على الإمدادات القادمة من طريق “الدّبة” سهلاً. ويبدو موقف الدعم السريع في الفاشر مقدّما على موقف الجيش والحركات التى باتت محاصرة داخل المدينة، بل يتقدّم كل يوم فيفقدها ركناً، شارعاً، حيّاً. ذات الوضع بالنسبة للمدن والفرق الأخرى. تصل تعزيز لقواته من الجهات الأربع. فيما تقف القوات الأخرى مدافعة ومتراجعة عن مواقعها.
هل ستحدث متغيّرات تقلب موازين القوى في معركة الفاشر؟
لا يستطيع الجيش أنْ يقدّم الكثير للمحاصرين. فقد ثبت من خلال التجارب أنَّ الطيران يقدّم مساعداتٍ ضئيلة بالنسبة لهم، على صعيد إنزال الذخائر والمؤن، وعلى صعيد الطلعات الجويّة التى تضعف من الحصار المحكم المضروب على الفاشر، مما يعنى أنّ الدّعم السّريع سيدخل الفاشر، عاجلاً أم آجلاً. وستكون معركة فاصلة كما يرّوج لها الجميع. وهو ما ستكشف عنه الأسابيع القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى