بقلم ايهاب مادبو ول حلاوة
بشاغلهم بعيوني
بريد البريدوني
انا ببكي بدمعة
عشان خاطرك يا سمعة
تشير عقارب الساعة إلى تمام الرابعة عصراً بتوقيت خريف كادقلي الممطر، وهو موعد بداية الحفل الذي سوف تقدمه فرقة موسيقى الشرطة ذات الأداء الرائع. وكادقلي في تلك الفترة كانت عبارة عن رحم مبدع تكورت بداخله جميع أنواع الفنون، بل حتى مجانين كادقلي كانوا بتصرفاتهم مبدعين.
في ذلك المساء، ارتفع صوت رقية عالياً ليلامس غيوم تلك الليلة الممطرة من آخر أيام الأسبوع التي تتصاعد فيها أبخرة الدخان من كل مكان، وقتها لا يعرف الطلح إجابة منطقية لتساؤلاتنا البريئة عن تلك الكمائن المحروقة من الحطب، وما تحدثه من حوار بين الجسد والروح.
رقية كانت تمتلك صوتاً آسراً وجميلاً بروعته صعوداً وهبوطاً، وحينما ترتفع صفقة حسناوات الدلوكة تكون رقية في عوالمها الأخرى، وكأنها تغني لنفسها لتمتعها حتى الثمالة، متقمصة دور البطولة في مسرح الغناء والدموع، لتعجن الفرحة بالدهشة، كنا نسترق السمع حينها لصوتها المتدفق شجوناً:
حبيبى تعال .. تعال نتلم
مادام الريد اختلط بالدم
أنا ذنبي إيه شيلوني الهم؟!
وصوتها المتسربل يخبئ بداخله حكايات تعكسها صرختها المدوية بصورة هستيرية، حينما تعلن للجميع بشكل مفاجئ عن حبيب الروح. والحب في تلك الفترة ليس من (جنس) الفعل، بل هو لحن تترجمه أغنيات الدلوكة ذات اللحن الدائري، والحبيب في كثير من الأحيان صوت تهمس به الأوتار ألحاناً ونغماً.
كنا وقتها تتخطفنا الأمنيات باختراق جدار الصمت والصد لمراسيل شوقنا التي حملتها خطابات الحب ذات العبارات المنمقة، وكثير من الأحيان يأتي الرد بنظرة تحمل دلالات تعبر عنها إماطة الشفاة لأعلى ثم أسفل، ثم تعقب ذلك هزة كتف مع غمضة عين. لم نيأس بعد، فبرغم ما تحدثه بدواخلنا تلك الحالة، إلا أن عزيمة الحب كانت أقوى من احتمالات هبوط القمر أرضاً ليستلف من نور عيونهن ضياء نوره.
كنا الثلاثة (يوسف ثم يوسف)، وكنت بينهما (إيهاباً)، كنا الثلاثة تتخطفنا الأمنيات بمغامرات الحب وعوالم النساء. فشلت كل خطابات الحب وما حملته من عبارات أحياناً تحيي من بداخل القبور، وأخرى عبرت إلى خارج حدود الزمان والمكان. كثيرة هي تلك الخطابات التي كتبناها معاً بذات القلم بعد أن مزقنا كل الكراريس، شبن بالحي الذي نسكنه ثلاث فتيات وكأنهن خلقن لوحدهن، أو قذفت بهن السماء نحو الارض، كن في غاية الجمال والروعة الممزوجة بغنج النواعم.
في ذات مساء من أمسيات كادقلي الحالمة بالأمنيات، قرر يوسف أن يضع حداً لتلك المأساة التي نعانيها تجاه ثلاثتهن (س) و(م) و(ن)، فبينما كنا نستعد لهذا اليوم بأجمل ما تم تطريزه من بناطلين (البوكي) وقميص مارادونا، جاء صوت رقية منساباً كما الماء ليؤذن فينا أن هيا إلى الروعة والحب والجمال. وبينما نحن نكمل استعداداتنا بداخل (خلوة) يوسف، وهي عبارة عن مربعة نصف أوضة معروشة بسقف من القش، وقد تعطرت كل الأمكنة بما صنعته باريس. وبينما نحن كذلك في الترقب والاحتمال، دخل علينا يوسف وفي يده (عرق) نباتي ملفوف بعناية تامة، مع وصفة سحرية لطريقة استعماله:
-تعرفوا أنا الليلة بجيب ليكم خبر البنات ديل.
=كيف؟! قلناها بصوت واحد بعد أن ألجمتنا الدهشة
-مشيت للفكي أبوسروال وأداني عرق محبة، قال لي: لما تشوف حبيبتك أمضغ العرق دا وقول اسمها، وطوالى بتحبك.
-حبيبى تعال نتلم
مادام الريد اختلط بالدم
هكذا بصورة مفاجئة بدأ يوسف يترنم وكأنه قد امتلك مفتاح السر لاختراق قلب (م)، أخذ كل منا جرعته بحسب ما حدده الفكي وطريقة استعماله، ثم ذهبنا إلى الحفل بانتظارهن على أمر من طعم العرق. ساعات ما بين الترقب والدهشة التي يصنعها ذلك العرق بمجهود تمغضه أسناننا فقط، أخذ كل منا موقعه بعيداً عن الآخر حتى يستحوذ على مساحات عشقه المكبوت، ونشط الخيال في رسم مشهد اللقاء على كتف حمولة (الفكي) أبوسروال، ثم فجأة قطعن شرودنا بطلتهن البهية وهن يقدلن كما الحمام. اتخذ كل منا واجبه في استعمال الروشته بعناية فائقة كجرعة مريض استعصى عليه الألم.
(س)، هكذا بدأت أردد اسمها بحسب تلك الوصفة، وأنا أترقب استجابتها السريعة. كل منا بدأ في استعمال وصفته. (س)، ارتفع صوتي قليلاً بمحازة ما تصدره أسناني من أصوات. انتبهت (س) لما أردده، وحينها كنت في حالة اللاوعي، استجبت تماماً لتلك التفاصيل. أشارت إلي بأصبعها وهي تضعه باتجاه صدرها:
-(أنا)؟! مع رفع حواجب رموشها لأعلى
لم أجاوب، وتركت للمفعول السحري سر الإجابة، تقدمت نحوي خطوات، وتقدمت أمنياتى إليها احتضاناً، واتسع الخيال، شعرت بأن الأرض سحبت من بين أرجلي، اقتربت مني كثيراً. ياااااااا الله، وأنا ما بين الترقب والاحتضان، ثم وقفت أمامي الرأس بالرأس وصدري يهتف بالعناق. وطاااااخ عالجتنى بصفعة على وجهي مع حركة شفاه لأعلى ثم أسفل، وهزة كتف تأكيداً لانتصارها في معركة الأوهام.
ثم استدرت إلى يوسف متسائلاً:
-إنت متأكد الفكي أبوسروال أداك عرق محبة، ولا(كف)؟!
//////
مصحح