رأي

عطا برشم يكتب: دفاعًا عن النور حمد

أثار ظهور دكتور النور حمد في منصة تأسيس السودان الجديد بنيروبي نقاشات عديدة بين أنصار الدولة القديمة ذوي النظرة السطحية للأحداث؛ وجرى التطاول عليه وعلى منجزاته الفكرية ومواقفه السياسية، وهذه هي طبيعة أنصار الدولة القديمة، فمجرد الاختلاف معهم في المواقف يجعلهم ينزعون نحو تشويه تاريخك السياسي والفكري، ليسهل بعدها اغتيالك المعنوي ثم يتبعه الاغتيال المادي.

منذ اندلاع الحرب كان د. النور حمد من أوائل الذين تحدثوا عن العلل التاريخية والموضوعية التي قادت إليها ووضع يده على النقاط الجوهرية، مثل استخدام الدين في السياسة الذي أسس له النظام الاستعماري، وما يُعرّفه في كتبه بالتدين الخديوي للقضاء على شكل التدين الصوفي، الذي ورث عنه النور حمد خلفيته الفكرية فهو معادي لهذا النمط من التدين المؤسسي الذي يغذي كل الحروب في تاريخ السودان.

كما ظل ناقدًا بشدة للتوجه العروبي، الذي يعتبر أحد إشكالات الدولة السودانية ومن مسببات الحروب أيضًا. مقابل ذلك، طرح النور حمد “الجذر الكوشي” كمخرج لأزمة الهوية والانبتات الحضاري، وهو يراهن على محيط السودان الإفريقي خاصة دول شرق إفريقيا، حيث ينتقد ارتهان الدولة السودانية للنظم المصرية التي ظلت تستعمر السودان عن طريق القادة العسكريين وتقف حجر عثرة أمام كل المحاولات السودانية الرامية إلى تأسيس نظم ديمقراطية تحرر السودان من الاستتباع والهيمنة المصرية. ومن الجدير بالذكر، أن النور طرح في مؤلفه الموسوم بـ”لماذا ينهض مارد الهضبة ويغفو مارد السهل” نموذجًا لبناء تواصل سوداني إثيوبي نسبة للتقارب الثقافي بين البلدين، وذلك في محاولة لمنع مصر من استغلال منطقة القرن الإفريقي خاصة فيما يتعلق بالمياه.

لم يخدع النور حمد بالحجج الزائفة التي ظل يصوغها أنصار الدولة القديمة، وظل يعي دور المثقف الذي ينحاز لكل محاولة للتغيير الجذري في بنية الدولة السودانية المختلة، كما أنه يفهم طبيعة الحرب بوصفها نتيجة للظلم التاريخي والخلل الذي صاحب نشأة الدولة. وظل يتمسك بالأسباب الجوهرية لقيام الحرب، فلم تنطلي عليه محاولات إعادة تعريفها عبر تمظهراتها مثل القتل والنهب والسلب والدمار، فالحرب ليست التمظهرات وإنما المبررات والأسباب الموضوعية التي قادت إليها، وإحلال السلام ليس بانتفاء هذه المظاهر التي لحقت بها بل بوضع اليد على جوهر المسائل وإيجاد حلول نهائية لها. وبطبيعة الحال، تمثل مشاورات نيروبي التي تهدف إلى تكوين حكومة الوحدة والسلام في السودان، أحد الطرق الرئيسية لمعالجة الأزمة السودانية. وهذه المحاولة، إن التمسها د. النور أو غيره، فلهم الحق في العمل من أجلها وتنظيمها ودفعها للأمام.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى