أخبار

على خلفية الحكم على قاتل الشهيد حنفي عبد الشكور .. “إشكالية” تنفيذ الحكم تحت الضوء

 غياب المحكمة الدستورية .. هل يؤثر على تنفيذ أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم؟!
مطلب تحقيق العدالة للشهداء يعبئ الشارع في مواجهة الحكومة
قانونيٌّ يكشف أسباب تأخير تنفيذ حكم الإعدام على قتلة الشهيد أحمد الخير
المعز حضرة المحامي: الدستورية ليست مرحلة من مراحل التقاضي
كمال عمر المحامي: تعطيل المحكمة الدستورية يعني تعطيل الأحكام
ــــــــــــ
تقرير – فتحية عبدالله
ـــــــــــ
ما أن أصدرت محكمة جنايات أم درمان التي عقدت بمعهد العلوم القضائية بأركويت اليومين الماضيين حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت، على الرائد بقوات الدعم السريع، يوسف محي الدين الفكي، بعد إدانته بقتل شهيد المتاريس، حنفي عبد الشكور، في الأحداث التي تلت فض اعتصام القيادة العامة؛ إلا وبدأت دائرة التساؤلات تتسع حول إمكانية تنفيذ الحكم عاجلاً، أو التعليق إلى حين قيام المحكمة الدستورية آجلاً.
(1)
ارتقت روح الشهيد عبد الشكور، بحي الدوحة أم درمان، في حادثة دهس متعمد بعربة بوكس تتبع لقوات الدعم السريع، يقودها المدان الذي سبق وأن عمل في أجهزة أمن النظام البائد التي مارست التنكيل ضد الثوار السودانيين، وتمسك أولياء الدم بمطلب القصاص، رافضين خياري العفو عن القاتل، أو التعويض بقبول الدية الكاملة.
(2)
وأعاد حكم الإعدام على الضابط بالدعم السريع قضيتي الأمريكي غرانفيل والشهيد الأستاذ أحمد الخير إلى المشهد مجدداً، حيث إن المحكمة حكمت بإعدام قتلة الأول، وذهبت في ذات الاتجاه للثاني بالإعدام على منسوبي جهاز الأمن والمخابرات السوداني البالغ عددهم (29) شخصاً. غير أن القرارين لم ينفذا بعد. فالأول هرب بعض المدانين في قضيته، والثاني قيد الانتظار. هذا التأخير في إنفاذ تلك الأحكام، بجانب تداعياته السياسية منها، خصوصاً، يفتح الباب واسعاً للتساؤل عن مسببات تعطيل القرار: هل لغياب المحكمة الدستورية تأثير على تنفيذ أحكام الإعدام التي تصدرها المحاكم؟! وهل المحكمة الدستورية هي مرحلة من مراحل التقاضي، يقع على عاتقها مراجعة أعمال المحاكم وقراراتها وأحكامها؟! هل ثمة نص يفيد بسلطة المحكمة الدستورية واختصاصها في هذا الأمر؟! ولماذا تم تعطيل تنفيذ حكم المحكمة على قتلة الشهيد أحمد الخير، ومن قبل على قتلة الأمريكي غرانفيل؟! هل سيكون هذا التعطيل مصير الحكم الذي صدر في مواجهة قاتل الشهيد حنفي والأحكام المماثلة التي يمكن أن تصدرها محاكم في قضايا مماثلة؟!
(3)
نصَّت الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الانتقالية في البلاد على تشكيل المحكمة الدستورية على يد مجلس القضاء العالي. وتقول السلطة القضائية إن تشكيل المحكمة الدستورية مرهون بإجازة القانون من قبل مجلسي السيادة والوزراء والقاضي بتشكيل مجلس القضاء العالي، والذي بموجبه يفوض له صلاحيات تشكيل المحكمة الدستورية. وأبدى قانونيون قلقاً إزاء تأخير تشكيلها، لما له من مردود سلبي على تحقيق العدالة، إذ إن غيابها يعتبر نقصاناً في تحقيق أهداف الثورة، وإن نجاح الفترة الانتقالية يعتمد على الفصل بين السلطات الثلاث. وسط هذا القلق تبرز اتهامات متبادلة بعدم رغبة بعض المكونات المشاركة في السلطة، لجهة أن المحكمة فور تشكيلها مخول لها البت في قضايا عديدة، من بينها القرارات المخالفة للوثيقة الدستورية.
(4)
يناط بالمحكمة الدستورية حراسة الدستور السوداني بصورة عامة ودساتير الولايات، وتعتبر أحكامها نهائية وملزمة. في السابق؛ وعلى عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، كانت المحكمة تتكون من تسعة أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية بناءً على توصية المفوضية القومية للخدمة القضائية، وتمتد ولاية قاضي المحكمة إلى سبع سنوات ويجوز تجديدها.
(5)
ضجت سوح المحاكم بعد ثورة ديسمبر بعدد كبير من القضايا، أبرزها عدد ثمانية من قضايا، خاصة بالشهداء، تسلمتها السلطة الانتقالية وشرعت المحاكم في نظرها، فأصدرت أحكاماً في بعضها كقضية الشهيد الأستاذ أحمد الخير، التي نالت التأييد من دائرة التأييد الخماسية التي قضت بتأييد عقوبة الإعدام حتى الموت في حق (29) متهماً وتأييد إدانة بقية المتهمين. وقضية الشهيد عزمي فتحي هارون، الذي أصدرت محكمة الموضوع حكماً قضي بإدانة المتهم، وأوقعت عليه عقوبة الإعدام شنقاً حتى الموت (حالياً في مرحلة الطعن). وقضية الشهيد حنفي عبد الشكور التي أصدرت المحكمة بها حكماً يقضي بإعدام المتهم شنقاً حتى الموت، في وقت تستمر إجراءات المحاكمة في قضية الشهيد حسن محمد عمر، وقضية شهداء الأبيض التي وجهت فيها المحكمة تهمة تحت (المادة 130) من القانون الجنائي لسنة 1991م، وحددت جلسة لسماع قضية الدفاع، وعدد ثلاثة قضايا شهداء أمام محكمة جنايات عطبرة (حددت جلسات لسماع قضية الاتهام). ويشكل التأخير في تحقيق مطلب العدالة للشهداء، عامة، وشهداء ثورة ديسمبر، خاصة، مصدر غضب في الشارع، الذي يشهد تحركات احتجاجية متواترة.
(6)
القانوني المعز حضرة نفى أن تكون المحكمة الدستورية درجة من درجات التقاضي أو جزء من السلطة القضائية، مشيرا إلى أنها دائرة منفصلة تماماً. وهذا يعني أن أي حكم يصدر من المحكمة العليا دائرة المراجعة، كأمر نهائي يجب أن ينفذ فوراً. وأضاف بحسب حديثه لـ (الجماهير) أن عدم وجود المحكمة الدستورية لا يعطل تنفيذ الأحكام الجنائية، حيث إنه لا يوجد أي نص قانوني ينص على أن الأحكام النهائية الصادرة من المحكمة العليا تستوجب الإعادة بالمحكمة الدستورية، وهذا يعني أن الأحكام التي تصدر بصورة نهائية يجب أن تنفذ مباشرة دون انتظار النظر فيها مجدداً. وأشار في السياق ذاته؛ إلى أن قضية الشهيد الأستاذ أحمد الخير ليست معطلة بسبب قيام المحكمة الدستورية، وإنما لطلب المراجعة الموجود أمام المحكمة العليا، كآخر مرحلة من التقاضي.
(7)
ويختلف القانوني كمال عمر، مع سابقه في الحديث، يقول إن تعطيل المحكمة الدستورية يعني تعطيل الأحكام، إذ إن غيابها أثر أولاً على قصاص الشهداء، ومن ثم على المتضررين من قرارات لجنة إزالة التمكين. ويضيف بحسب حديثه لـ (الجماهير): “لا يختلف اثنان على أن المحكمة الدستورية تعد درجة من درجات التقاضي، مهمتها تكمن في إصدار المحاكمات العادلة، ومراجعة الأحكام الصادرة من المحاكم الأخرى. ويزيد: “ينبغي أن تجري أي محاكمة في السودان في وجود المحكمة الدستورية، وذلك لعدالتها في إصدار الحكم”. ويشير عمر إلى أن الأحكام التي صدرت في غياب الدستورية في سودان ما بعد الثورة، لم يذكر بها “صدر من المحكمة الدستورية”، لذلك نجد أن تنفيذ الحكم معطلاً، خاصة القضايا الحيوية للثورة. ويمضي إلى القول: “الآن هنالك أحكام جائرة تتخذها جهات إدارية أصبحت نافذة في غياب المحكمة الدستورية”.
(8)
وبالنظر إلى قضية الأستاذ أحمد الخير الذي حكمت فيها المحكمة بالإعدام على المدانين؛ يقول عمر إن الناظر لحال المحاكم وأوامر الحكم؛ يجد أن عدداً من القضايا أرجئت لدوافع مختلفة. وهنا يبرز سؤالان ملحان عن مسببات تعطيل المحكمة الدستورية: هل ثمة جهات تستفيد من إفلات المدانين من العقاب؟! وهل يقصد بالتعطيل حماية الذين قتلوا شهداء الثورة؟! أم أن المحاكم التي عقدت لمنسوبي جهاز الأمن والمخابرات والدعم السريع، كان الهدف منها تعليق تنفيذ حكم الإعدام؟! ولحين إجابة مجلسي السيادة والوزراء عن سؤالي تعطيل المحكمة الدستورية، تبقى الحقيقة الماثلة هي “أن تعطيل المحكمة الدستورية الغرض منه تعطيل الأحكام”، على حد قوله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى