رأي

علي أحمد يكتب: تشغيل المطارات.. الدعم السريع والقوة الناعمة  

بينما تمانع قيادة جيش (كرتي/ سناء) الهاربة إلى بورتسودان في فتح مسارات آمنة ومتفق عليها لإدخال المساعدات الإنسانية إلى أكثر من (25) مليون سوداني مُهدّدون بالموت جراء الجوع الناجم عن الحرب التي شنتها في 15 أبريل 2023 على قوات الدعم السريع، تعلن الأخيرة أنها اقترحت على وسطاء محادثات جنيف، تشغيل مطارات دارفور الواقعة تحت سيطرتها من أجل إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين جراء الحرب. 

واقترحت الدعم السريع تشغيل وإدارة مطارات (نيالا، الضعين، زالنجي، والجنينة) بواسطة الأمم المتحدة دون تدخل منها. 

منذ فجر ذلك اليوم المشؤوم الذي اختاره البرهان للشروع في تحقيق حلم أبيه، فأحال السودان جحيماً، ظلت قوات الدعم السريع وما تزال تنادي بوقف الحرب وإغاثة المتضررين وفتح المعابر والمسارات والممرات الإنسانية لتمرير الإعانات والإغاثات، بينما تعترض قيادة الجيش المُهيمن والمُسيطر عليها من قبل الكيزان مُتخذة من تجويع الشعب آلية لإكراهه على الرضوخ لآمالها بإعادتهم إلى السلطة مُجدداً وهيهات. 

وفي هذا السياق، كان قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أعلن في أغسطس، 2023، إنشاء الوكالة السودانية للإغاثة والعمليات الإنسانية، وقال إن الوكالة  تسعى إلى توفير الإغاثة الإنسانية في المناطق المتضررة من الحرب خاصة الخرطوم ودارفور وكردفان، ومناطق النازحين، وأنها ستنسق مع المنظمات الوطنية والدولية العاملة في مجال الإغاثة وحقوق الإنسان والعون الدولي الإنساني بهدف تخفيف المعاناة الإنسانية بتوفير المساعدات الغذائية والرعاية الصحية والطبية والمساعدة في إصلاح وصيانة المرافق الخدمية الضرورية، وذلك دون تمييز على أي أساس من الأسس المحرمة دولياً، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المجتمعات المنكوبة وتوزيعها على نحو عادل وشامل، والحيلولة دون استخدامها لأي أغراض تتعارض والأنظمة والمبادئ العالمية للعمل الإنساني. 

إذاً، كانت قوات الدعم السريع سابقة حتى للمجتمع الدولي فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية أو فتح ممرات وتوفير مسارات آمنة لمن يرغبون في تقديمها للمتضررين، لذلك فإن الاقتراح الذي تقدّمت به لوساطة “جنيف” بفتح المطارات أمام المنظمات الدولية العاملة في المجالات الإنسانية لم يكن وليد (جنيف) وإنما امتداد لما طرحه الفريق أول (حميدتي) قبلها بعام كامل، وهذا يكشف بعد نظر قيادة الدعم السريع وقدرتها على التفكير الاستراتيجي مقارنة بقيادة الجيش التي لا نرى منها غير الشتائم والخصام والتعنت والانسحابات المُتكررة من المفاوضات مثلما تفعل في ميادين القتال، لأنها لا تعير حياة المواطن المغلوب على أمره اهتماماً بقدر ما تستهدف البقاء في حكم الرقعة الجغرافية الضيقة التي لم تصلها قوات الدعم السريع حتى الآن. 

مبادرات الدعم السريع المتعددة وحيويتها السياسية والدبلوماسية ومرونتها في التعامل مع المجتمعين الدولي والإقليمي بجانب انتصاراتها المؤزرة على أرض المعركة، جعلتها تحت سمع وبصر العالم الذي أصبح ينظر لقيادة الجيش على حقيقتها بأنها موالية لجماعة الإخوان المسلمين ولا تمتلك قرارها وأنها متشددة ومتنصلة ومترددة، لا يعتمد عليها؛ حيث لا تفي بالعهود والمواثيق وتتخذ قراراتها في ليلة لتتنصل عنها في ضحاها، وهي غير موثوق بها ولا يمكن الركون والاعتماد عليها. 

قرار الدعم السريع فتح المطارات المشار إليها، يعطي درساً في الإنسانية بدايةً، ثم في الحنكة السياسية والبراعة الدبلوماسية والمرونة في التعامل مع الخارج، وفي هذا الصدد حققت الدعم السريع تقدماً كبيراً على جيش (كرتي) وجعلته منبوذاً بين دول العالم، وبالتالي تكون قد ضربت ببراعة تحسد عليها عصفورين بحجر واحد، انتصارات عسكرية وسياسية ودبلوماسية على النظام القديم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى