رأي

علي أحمد يكتب: (كباشي).. لماذا تركت الحصان وحيداً؟

علي أحمد
علي أحمد

واحداً تلو الآخر، غادر قادة الجيش مقر القيادة العامة – وسط الخرطوم – البرهان كان سبّاقاً كعادته، تبعه مساء أمس نائبه شمس الدين الكباشي، ووزير الدفاع الصامت الباهت، يس إبراهيم.
خروج الكباشي – وهو كوز صريح وفاسد أخلاقيًا وماليًا – وأحد أهم مُشعلي الحرب ومؤججيها، بل هو أحد أهم الذين أسهموا في هدّ أركان التحوّال الديمقراطي وكذلك في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة، بل يعتبر مفتاح تلك الجريمة البشعة النكراء، فتصريحاته إزائها لا تزال مبذولة، يشي بأن الهزيمة صارت واضحة وضوح الشمس.

كباشي ورفيقه – ميت الظل – يس إبراهيم، والبرهان من قبلهما، كانوا سيخرجوا من الخرطوم حال انتصار الجيش وهزيمة الدعم السريع.
إذ كيف أخرج عن عاصمتي – رمز سيادتي – مقر قيادتي وطيراني ومدفعيتي، وأنا منتصر؟! كيف بالله عليكم؟
لا يغادر قادة الجيوش عواصمهم إلاّ على نعوش وتوابيت وآلات حدباء، فمن تركوا وراءهم غير ذلك الحصان العجوز المريض؛ الذي في المهندسين.
أتذكرون قصيدة محمود درويش التي جعلها عنوان لأحد دواوينه؟.
لماذا تركت الحصان وحيداً؟
ـ لكي يؤنس البيت، يا ولدي ، فالبيوت تموت إذا غاب سكانها.
والقيادة أيضا تموت إذا غاب قادتها !
انتهت حرب الخرطوم، ولربما سترون الحصان راكضاً بعيداً بعيد، أو ربما سيذهب إلى السماء، من يدري؟ فهذه حرب وليست نزهة.

لكن، الذين سيفرحون لخروج الكباشي – ومنهم للأسف سذج من داخل قوى الثورة – يجب أن لا يفرحوا كثيراً، على أساس أنه سيؤثر على البرهان ويذهبان إلى طاولة مفاوضات، لا – فهذا لن يحدث، فالرجل الذي خرج من (حفرته) بعد ستة أشهر وستة أيام، أكثر قرباً إلى الكيزان من البرهان نفسه، بل هو بالنسبة لي – بشواهد وأدلة- أحد مشعلي الحرب، وهو من ورط البرهان – بكل خبثه وكذبه تآمره- في أمور كثيرة، أولها فض الاعتصام، ثم انقلاب 25 أكتوبر وما سبقه وتلاه من دسائس، قبل أن يورطه في حرب 15 أبريل.

كان الكباشي أكثر أعضاء المكون العسكري في مجلس السيادة إثارة للمشاكل والخصومات، وكان خميرة عكننة، تحرش حتى برئيس وزراء الثورة. وكان بمثابة واضع المتاريس أمام الحكومة الانتقالية، عمل بخبث غير مسبوق وجهد غير مطروق من أجل افشالها، كما أنه أول أعضاء المكون العسكري الذين بادروا بالإفصاح عن العداء لقوات الدعم السريع وافتعال المشاكل معها بسبب وبدونه، في وقت كان فيه الجميع يحاولون تقريبها أكثر توطئة لدمجها الكامل .
الآن سينضم النائب إلى رئيسه في بورتسودان، في عملية أشبه بانضمام (التعيس إلى خايب الرجا)، وثالثهم وزير الدفاع الغرائبي، وبانتظار رابعهم، ذلك المحاصر التعيس!
المؤشرات المنطقية والميدانية تقول، إن الجيش ربما خسر عملياً مقر القيادة العامة وسلاح الإشارة، لأن المنطق أن لا يهرب القادة من قيادتهم (فالبيوت تموت إذا غاب سُكانها)، ومن يترك أرض المعركة قد لا يتمكن من العودة إليها مجدداً.
غادر الكباشي إلى قاعدة وادي سيدنا، ولربما يكون في هذه الساعة ملتئما مع برهانه في بورتسودان، عاصمة الفلول المؤقتة – إلى أن يحين حينها.

في التحليل العسكري الاحترافي – وليس تحليل الخبراء الاستراتجيين الفضائحين إياهم – يعتبر هروب قائد الجيش ونائبه ووزير الدفاع من مقر القيادة العامة هزيمة للجيش لا ريب ولا مراء فيها، لكن الأخطر من ذلك تأثيرها النفسي السلبي على الروح المعنوية للجنود.
ما الذي يجعل صغار الضباط والجنود المحاصرين في القيادة بعد هروب القائد العام ونائبه ووزير الدفاع، يبقون على خطوط النار وتحت (تدوينات) الدعم السريع المستمرة؟
الأيام وحدها كفيلة بالإجابة على هذا السؤال. سننتظر لنرى، وإن كنتُ حزيناً لأني لم أر (كباشي) يجلس بالقرب من (بائعة شاي) يحتسى القهوة بالزلابية كانتصار عسكري!
انه زمن العسكر الزلابية !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى