سرّني جداً محتوى بيان الوفد التفاوضي التابع للحركة الشعبية لتحرير السودان– شمال (عبد العزيز الحلو) مع وفد حكومة جيش (سناء)، رغم أنني كنت أعرف سلفاً ما ستؤول إليه أية مفاوضات مع المجلس العسكري الكيزاني الحاكم من بورتسودان.
حسناً فعلت (الشعبية) إذ حدّدت موقفها أو فلنقل جدّدته؛ فهو موقف قديم، إزاء التحالف بين قيادة الجيش والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة وأطلقت على الوفد (وفد حكومة بورتسودان)، وهذا لعمري ضرب تحت الحزام عظيم، لكنه لم يجانب الحقيقة وإنما أكد على المؤكد، وهو أن لا شرعية لصبية (علي كرتي) في قيادة الجيش ولا مجلس السيادة و لا الحكومة القائمة في (بورت كيزان)، وهذه حقيقة ساطعة لا ينكرها إلاّ مخبول أو بلبوسي أو (مخموم)، فالضباط الأربعة الذين يعملون هناك إنما يعملون لدى الحركة الإسلامية (برهان، كباشي، العطا، جابر)؛ اكتسبوا شرعيتهم في أول مجلس عسكري انتقالي –بعد سقوط البشير– تبعاً لشرعية الثورة، أي أنها شرعية تابعة للثورة ومستمدة منها، وبالتالي فإنهم فقدوها عقب انقلابهم عليها في 25 أكتوبر 2021، ثم تبددت إلى الأبد بعد أن أشعلوا الحرب في 15 أبريل 2023، وها هم يحاربون الآن وفقاً لإرادة وإملاءات (الحركة الإسلامية – جناح كرتي)، ويعملون معها كمليشيا تأتمر بأوامر التنظيم الشرير.
من جانب آخر، أكثر أهمية ومحورية مما ذكر أعلاه، فإنّ البيان كشف بجلاء عن الموضوع المركزي (الأجندة المركزية) للتفاوض بين الوفدين (وفد الشعبية ووفد حكومة بورتسودان)، وهي أجندة عسكرية/ حربية؛ لا علاقة لها بالعمل الإنساني لا من قريب أو بعيد، ومنذ متى يهتم (الكيزان) بالعمل الإنساني؟، وقد ظلوا طوال فترة حكمهم التي امتدت ثلاثين عاماً من حكم المخلوع البشير، ولا تزال مستمرة إلى اللحظة، يعملون على إفناء الشعب السوداني بإعلان الحرب عليه وقتله وتجويعه وتشريدة من أجل أن يحكموه إلى الأبد، ويتمكنوا من سرقة مقدراته وموارده والتمتع بها في ماليزيا وتركيا وغيرهما. وقد أكد بيان (الشعبية) على ذلك بقوله: “المقترح الذي تقدمت به حكومة بورتسودان في الأساس هو عبارة عن جسر جوي لإيصال (ما يُعتقد) أنها (مساعدات) إلى كل من رئاسة الفرقة (14)- كادوقلي ورئاسة الفرقة (22)- بابنوسة ورئاسة الفرقة العاشرة – أبو جبيهة، وهذا ما أسمته حكومة بورتسودان في مقترحها بـ(الممرات الجوية )؛ واللبيب بالاشارة يفهم، أما بقية المقترح؛ فهو عبارة عن تدابير أمنية ولجان فنية عسكرية لإدارة القوات المشتركة التي ستقوم بحماية مطارات المدن (رئاسات الفرق)!!
لقد وضع بيان (الشعبية) أكاذيب وضلالات فلول النظام البائد بين أقواس، وسنتولى هنا شرحها للقارئ الكريم؛ فمساعدات تعني (أسلحة وإمدادات لوجستية) للفرق العسكرية المحاصرة من قبل الدعم السريع في “بابنوسة وكادوقلي وأبوجبيهة”، والشعب السوداني يقصد به المستنفرين والمجاهدين والكيزان والفلول والبلابسة، أما المطارات فمقصود بها رئاسات الفرق المحاصرة.
معلوم للسودانيين وغيرهم أن هذه الجماعة الإخوانية المارقة، لا علاقة لها بالإنسانية ولا تحفل أو تلقي بالاً للإنسان، فهو كائن بلا قيمة لديها، بل تعمل جاهدة لإفناءه وإبادته، حيث ارتكبت؛ وهذا تاريخ قريب ومعروف، جرائم إنسانية وإبادات جماعية يندى لها الجبين في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، وها هي ترتكب الآن ما لا عين رأت وأذن سمعت وما لا يخطر بقلب بشر، حيث يأكل منسوبيها (لحوم البشر) ويحتفلون بذلك أمام الكاميرات، فهل نرجو من هؤلاء القتلة الفجرة المتوحشون، عملاً إنسانياً وإغاثة للمتضررين من الحرب – وهم أكلوا الإغاثات وباعوها في الأسواق، فيما يأكل جنودهم البصل؟!