في اليوم 11 يونيو 2025، شنت قوات الدعم السريع هجومًا خاطفًا على منطقة المثلث الحدودية، وهي منطقة استراتيجية تقع عند تقاطع حدود السودان وليبيا ومصر، ويتوسطها جبل العوينات. تُعد هذه المنطقة مركزًا تجاريًا حيويًا يربط بين السودان وليبيا، وتشتهر بنشاطها الاقتصادي المكثف الذي يشمل تجارة السلع الوقود، الأسلحة، والبشر، إلى جانب كونها مرتعًا للجماعات الإجرامية والحركات المسلحة. لطالما كانت هذه المنطقة بؤرة لتهريب الأسلحة والأنشطة الإجرامية، مما جعلها هدفًا استراتيجيًا للقوى الإقليمية منذ سنوات. وفقًا لهذه المقدمة نستعرض التطورات الأخيرة، ونحلل دلالات سيطرة قوات الدعم السريع على هذه المنطقة، ونناقش تداعياتها السياسية، الاقتصادية، والأمنية.
في 10 يونيو 2025، هاجمت قوات الدعم السريع نقطة جبل كوسو الحدودية، وسيطرت عليها دون مقاومة تُذكر. خلال هذه العملية، تمكنت القوات من أسر قائد ميداني يُدعى صديق فكي، ينتمي إلى حركة مناوي. وفي اليوم التالي، وجهت قوات الدعم السريع هجومًا مباغتًا على المناطق العسكرية والمدنية في المثلث الحدودي، وسيطرت عليها بسهولة، مما أجبر قوات الجيش والحركات المسلحة على الفرار إلى الحدود المصرية.
وفي يوم عيد الأضحى، نفذت إحدى الحركات المسلحة هجومًا على نقطة حدودية داخل الأراضي الليبية، على بُعد 50 كيلومترًا من الحدود، استهدفت فيها كتيبة سبل السلام التابعة للجيش الليبي. أسفر الهجوم عن مقتل عنصرين وأسر اثنين آخرين. ردًا على ذلك، تحركت قوات كتيبة سبل السلام من مدينة الكفرة، ونجحت في طرد المهاجمين وتطهير الحدود من توغلهم، لكنها فشلت في استعادة العنصرين الأسيرين، اللذين تم نقلهما إلى منطقة المثلث الحدودي وتم تحريرهما يوم 11 يونيو بعد سيطرة الدعم السريع على المثلث.
دلالات سيطرة قوات الدعم السريع على المثلث الحدودي
تتعدد الدلالات السياسية، الاقتصادية، والأمنية لسيطرة قوات الدعم السريع على هذه المنطقة الاستراتيجية، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1. التفوق العسكري والقدرة على المناورة
تُظهر السيطرة السريعة على المثلث الحدودي قدرة قوات الدعم السريع على تنفيذ عمليات عسكرية خاطفة ومنسقة. هذه السيطرة تمنحها ميزة استراتيجية في مناورة القوات على جيش برهان والحركات المسلحة، خاصة في الولاية الشمالية. بعد السيطرة على مساحات جغرافية واسعة في شمال دارفور وشمال كردفان والآن الولاية الشمالية، أصبحت قوات الدعم السريع قادرة على تهديد المناطق التي يسيطر عليها الجيش على الشريط النيلي. علاوة على ذلك، يُشير غياب العداء التاريخي بين قوات الدعم السريع وليبيا إلى إمكانية التعاون بينهما في تأمين الحدود وتأمين إمدادات الوقود، مما يعزز موقف قوات الدعم السريع.
2. الحد من نشاط الحركات المسلحة
تُعد منطقة المثلث الحدودي معقلًا رئيسيًا للحركات المسلحة التي تمارس أنشطة غير قانونية، مثل جباية الضرائب من حركة البضائع بين السودان وليبيا وتأخذ فدية مقابل حجز سيارات الليبيين، وتُسهم في زعزعة الاستقرار في مناطق مثل كردفان والولاية الشمالية وشمال دارفور. كما ارتفعت الجرائم التي تستهدف المعدنين والمدنيين في المناطق الشمالية. من خلال سيطرتها على هذه المنطقة، تسعى قوات الدعم السريع إلى تقليص نفوذ هذه الحركات، مما قد يؤدي إلى تحسين الأمن المحلي وتسهيل حركة التجارة الشرعية.
3. تعزيز السيطرة السياسية والاعتراف الدولي
تُعتبر السيطرة على المثلث الحدودي خطوة مهمة نحو تعزيز النفوذ السياسي لقوات الدعم السريع، خاصة مع اقتراب إعلان حكومة التأسيس. السيطرة على مناطق حدودية استراتيجية، مثل جنوب السودان، تشاد، ليبيا، وأجزاء من حدود إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، تمنح قوات الدعم السريع وضعية سياسية إقليمية بارزة، وقد تُسهم في تعزيز الاعتراف الدولي بالحكومة القادمة بعكس بورتسودان التي تتقلص حدود سيطرتها يوما بعد يوم.
4. السيطرة على النشاط الاقتصادي
تُعد ليبيا من أقوى الدول اقتصاديًا في المنطقة، حيث يتمتع مواطنوها بمتوسط دخل مرتفع. تستضيف ليبيا أكثر من 350 ألف لاجئ سوداني، معظمهم دخلوا بطرق غير شرعية. توفر هذه الميزات فرصًا اقتصادية كبيرة لقوات الدعم السريع، من خلال تأمين إيرادات للإدارات المدنية في المنطقة، وتسهيل حركة التجارة التي تعتمد على تصدير المحاصيل والثروة الحيوانية، وتوفير السلع الغذائية والضرورية، بما في ذلك الوقود. كما يمكن للسكان المحليين استخدام العملة الليبية في الأسواق، خاصة في ظل انعدام البنوك في المنطقة.
5. مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية
تشارك قوات الدعم السريع في شراكة مع الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير الشرعية والسيطرة على نشاط الجماعات الإرهابية. تُعتبر تجارة البشر جزءًا من الأنشطة الإجرامية في المنطقة، إلى جانب تجارة الأسلحة، المخدرات، وتهريب الذهب. سيطرة قوات الدعم السريع على المثلث الحدودي تُعزز من قدرتها على مكافحة هذه الأنشطة، خاصة أنها تمتلك سجلًا إيجابيًا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية. هذا يجعل دعم المجتمع الدولي لقوات الدعم السريع في هذه المنطقة أمرًا مؤكدًا.
تُظهر سيطرة قوات الدعم السريع السريعة والمباغتة على المثلث الحدودي استعدادها لخوض معارك جديدة وفتح جبهات متعددة. السيطرة على خمس مناطق في كردفان في يوم واحد تُبرز قدرتها على المناورة في اتجاهات متعددة، مما يضع مناطق الولاية الشمالية، مثل الدبة، دنقلا، ومروي، تحت التهديد المباشر، خاصة بعد تصريحات قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو بعزمه على السيطرة تلك المناطق. تُعد هذه السيطرة خطوة استراتيجية تعزز من النفوذ العسكري، السياسي، والاقتصادي لقوات الدعم السريع، وتفتح المجال لتعاون إقليمي محتمل مع ليبيا، مما يجعلها قوة فاعلة في إعادة تشكيل المشهد السياسي والأمني في السودان والمنطقة.