تفاوض كباشي والحلو، لا علاقة له بالمساعدات الإنسانية، وهو في الأساس الغرض منه إدخال السلاح لفرق “كادقلي وأبو جبيهة” وبقية الألوية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، بعد استحالة إمكانية وصول إمدادات برية لجنوب كردفان.
الحركة الشعبية ليس من مصلحتها تسليح القوات المسلحة في جنوب كردفان، ثم أن حكومة جنوب السودان لن تسمح بذلك لأنها قد تُتهم برعايتها لاتفاق يدعم أحد طرفي الحرب. مما قد يتسبب في توتر علاقات جنوب السودان مع الدعم السريع، وهو آخر ما تفكر فيه جوبا، بسبب مساهمة حميدتي في استقرار سلام جنوب السودان. ثم سيطرة الدعم السريع على الشريط الحدودي ومن الممكن أن يتدفق سلاح ومقاتلين، الأمر الذي يساهم في زعزعة الاستقرار في حدود جنوب السودان، فضلا عن مرور خطوط البترول ووجود عدة محطات نقل وتحكم تقع تحت سيطرة الدعم السريع.
لقد عاد كباشي إلى بورتسودان حسيرًا مكلومًا، خالي اليدين، يذرف دموع الخيبة، بعد هزائم خطته بالسيطرة على “أمروابة” من خلال الهجوم ذي الثلاثة محاور؛ تندلتي من الشرق والعباسية من الجنوب والأبيض من الغرب! هُزم متحرك الأبيض الذي أبيد في جبال كردفان بقيادة القائد “شيريا” بعدد قليل من السيارات، كما أبيد متحرك تندلتي على بعد عشرة كيلومترات من مدينة أمروابة، وهزم متحرك العباسية الذي كان يعتبر إلهاءً أو يتقدم بعد وصول القوتين نحو أمروابة؛ مما يمهد الطريق نحو الوصول لجنوب كردفان المعزولة وربطها بأربع فرق عسكرية في آن واحد. هذا الفشل العسكري، دعا الكباشي إلى التفكير في توصيل إمدادات عسكرية بواسطة الطيران، لكنه عليه أن يؤمن سلامة المطارات خاصة مطار كادقلي، ويحتاج إلى وقف العدائيات مع الحركة الشعبية التي تنتشر قواتها على بعد كيلومترات قليلة من كادقلي.
لذلك، سعى الكباشي إلى إدخال الإمداد العسكري بحجة المساعدات الإنسانية! وأعتقد أن الحركة الشعبية واعية بما يدور في خلد كباشي، لذلك وضعت شروطًا قوية جعلت كباشي يعود مع وفده إلى بورتسودان خالي اليدين.
وقد علقت وساطة جنوب السودان التفاوض بين الوفدين لمزيد من المشاورات، وصرحت على لسان وزير الخارجية “رمضان عبد الله” بأن وصول المساعدات الإنسانية يحتاج إلى تأمين المجال الجوي المحظور من أجل سلامة المنظمات العاملة في المجال، فضلًا عن تجميع النازحين.
وقد صرح وزير دفاع برهان بأن وفد الحركة الشعبية المفاوض لم يقدم “مسودة اتفاق” بل قدم ردًا شفاهيًّا تضمّن إشراك الدعم السريع بصورة أساسية في التفاوض، كما اقترح أن يوقع كل طرف مع الأمم المتحدة، لأن وصول المساعدات حق كفلته القوانين الدولية.
وقد اشترطت الحركة الشعبية توصيل المساعدات إلى جميع الولايات بما فيها الجزيرة ودارفور، كما ذهبت إلى أن وصول المساعدات ليس مشروطًا بوقف العدائيات. في الوقت الذي أراد فيه كباشي حصر التوقيع مع الحركة الشعبية في المنطقتين.
وقبل إعلان الوساطة الجنوبية تعليق الحوار إلى أجل غير مسمى، وقع عبد العزيز الحلو مع عبد الله حمدوك رئيس تنسيقية تقدم، ورئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور، إعلان مبادئ في نيروبي برعاية الرئيس الكيني وليم روتو. هذا الإعلان يقطع الطريق أمام محاولات كباشي لزج الحركة الشعبية في الحرب، وخاصة في مناطق سيطرتها التي تعاني من وضع اجتماعي هش خاصة في كادقلي والدلنج والجبال الشرقية، بعد انضمام أعداد كبيرة من البقارة.
أعتقد أن الحركة الشعبية واعية بخطورة اتفاق من هذا النوع، لأن وجود جسر جوي إنساني هو تمرير لشحنات الأسلحة التي تضع الإقليم في صفيح ساخن وربما تسبب حربًا أهلية.
أخيرا، الوساطة كان من الممكن أن تعمم التفاوض حول الملف الإنساني، خاصة حول الولايات المتاخمة لجنوب السودان، كـ غرب كردفان وشرق دارفور والنيل الأبيض والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وأعتقد أن رعايتها لتفاوض بين أحد طرفي الصراع في السودان دون الآخر يعني ضمنًا اعترافها بحكومة بورتسودان كممثل شرعي، وهو ما يضعها في موقف محرج مع الطرف الآخر.